.
نوّرها

التخلق: التوائم المتطابقين مش متطابقين!

كتبت: يارا كمال

وإحنا صغيرين، كان معانا بنتين في الفصل توأم متطابق، وكنا مزهقينهم في إننا كل شوية نشوف مين مننا هيقدر يفرق بينهم بسرعة. السؤال بقى: إزاي احنا بنقدر نفرقهم عن بعض؟ مش الاتنين نفس الـDNA بالظبط؟ يعني بويضة واحدة لقّحها حيوان منوي واحد، وكونوا كائن جديد، وبعدين البويضة الملقّحة دي اتقسمت وبقوا كائنين.

الكائنين دول مفروض هيبقى ليهم نفس الصفات بالظبط؟ ليه فيه اختلافات؟ ليه في فيه واحدة منهم تطلع عدّاءة (بتجري في سباقات) مثلًا والتانية تبقى مصابة بمرض القلب؟ ليه واحدة اجتماعية وواحدة هادية؟ ليه بيختلفوا في قدراتهم وشخصياتهم؟

علم التخلق.. سر الاختلاف

السر كله بنعرفه من علم التخلّق، وده العلم اللي بيدرس التعديلات الخارجية اللي بتتم على الحمض النووي (DNA) بس مش بتغيّر فيه، فقط بتفعّل الجينات أو بتعطّلها، وبالتالي ده بيخلي الجينات يبقى ليها تأثير على الخلية أو تبقى ساكنة.

ده ممكن يتم بأكتر من طريقة، بس الأول خلينا نعرف إزاي الجين بيتفعّل وبيظهر تأثيره.

كل الكائنات المتطورة ومنهم، أنا وإنت، عندها حمض نووي (DNA)، الحمض النووي ده عامل زي السوستة ليها نصين بيتقفلوا فتبقى شيء واحد، نص السوستة أو الحمض النووي بقى بناخده من ماما والنص التاني بناخده من بابا.

لو افترضنا بقى إن حضرتك عينيك لونها عسلي زي ماما، فليه ورثت اللون العسلي عن ماما وما ورثتش اللون الأسود لعينين بابا؟ ببساطة، لإن الجين اللي ورثته عن ماما اتفعّل وبتاع بابا لأ. طب، إزاي بتحصل عملية التفعيل دي بقى؟ أقولك

الحمض النووي بيحمل الجينات. الجينات دي زي الأكواد المتشفرة، وبالتالي لازم نفعّل الشفرة عشان تترجم وتشتغل. لو فصلنا الحمض النووي لطرفين زي بتوع السوستة، كل طرف منهم على حدا بقى اسمه الـRNA، الطرف الواحد منهم بقى بالجينات اللي عليه بيحتاج يمر على حاجة هنعتبرها زي جهاز كده اسمه “الريبوسوم” وهو مصنع تخليق البروتينات.

أول ما الـRNA يعدي عليه، الأكواد او الشفرة اللي على الجينات تترجم وتتفعل وتبقى بروتين نقدر نشوفه في لون العين أو طبيعة الشعر أو طبيعة الجلد إلخ. يعني إحنا عبارة عن كتلة بروتينات مختلفة ماشية على الأرض 😀 حوار كبير كده لو عايز تفهمه بالتفصيل ادخل اقرا مقالنا: البروتين مش لحمه وبس!

التخلق بيتم ازاي؟

الطريقة الأكثر شيوعًا اللي بيتم بيها ده هي العلامات الكيميائية، ودي عبارة عن جزيئات دقيقة بتعلّم أو بتلزق في الـDNA أو البروتين اللي بيلف عليه الـDNA اللي اسمه الهستون. الهستون وظيفته في الخلية إن الحمض النووي يلف حواليه فيقصر وياخد حيز صغير داخل الخلية الحية.

أهي العلامات الكيميائية دي بيسموها ”epigenomes“، ومن أمثلتها مجموعة الميثيل، ودي بتمنع التعبير عن الجين في صورة بروتين ( بتعطل عملية تخليق البروتين اللي شرحناها) وده بيحصل من خلال؛ إما عرقلة الآلية اللي بيترجم بيها الجين من الأساس، أو من خلال إنها تخلي الـDNA يلف بإحكام أوي على الهستون وبالتالي يبقى فيه جينات موجودة بس ساكنة ومتعطلة.

وعلى العكس، ممكن العلامات الكيميائية دي إنها تتسبب في إن الـDNA مايبقاش مشدود بإحكام حوالين الهيستون، وبالتالي تتفعّل الجينات وتترجم في صورة بروتينات، البروتينات دي هي اللي بتحدد صفات الخلايا بتاعتنا ووظيفتها.

فلو قلنا إن الـDNA كتاب مشروح فيه كل حاجة تخص الخلايا والجسم، فعملية التخلق اللي شرحناها فوق دي عاملة زي أقلام الألوان اللي بتقعد تعلّم بيهم جوه الكتاب ده، فتختار لون تعلّم بيه على الأجزاء اللي مش مهمة فماتذاكرهاش، ولون تاني تعلّم بيه على الأجزاء المهمة جدًا اللي داخلة أكيد في الامتحان

ممكن التغيرات اللي بتسببها العلامات الكيميائية دي تستمر مع انقسام الخلايا، وبالتالي تعيش معانا العمر كله. وعلى فكرة، موضوع التخلق ده مش مجرد موضوع هامشي أو بسيط. خلينا نسأل نفسنا سؤال:

 إيه اللي بيخلي أنواع الخلايا تختلف عن بعضها رغم إنها كلها لها نفس الـDNA؟

الفكرة إن الحمض النووي اللي شايل كل الجينات بيبقى موجودة في كل الخلايا، لكن  مع الوقت وبسبب التخلق، بعضها بيتفعّل وبعضها بيتعطل، وبالتالي في الآخر بيبقى عندك تمايز للخلايا عشان كل واحدة تقوم بوظيفتها.

يعني مثلًا الجين المسئول عن لون الشعر موجود في خلية العين، لكنها مش محتاجاه، فبتفعّل الجين المسئول عن حساسية الخلايا للضوء وتعطل جين لون الشعر، والعكس صحيح، وهكذا في كل الخلايا.

فنلاقي عندنا خلايا قلب وخلايا مخ وخلايا كبد وهكذا، لحد ما نوصل لحوالي 200 نوع من الخلايا كلهم في الأساس ليهم نفس الجينوم بس عندهم العلامات أو الـepigenome مختلفين.

كمان التخلق هو اللي بيخلي البيئة الخارجية ليها كلمة على جيناتنا، لإن العلامات الكيميائية اللي بتفعّل أو بتعطّل جيناتنا بتتأثر مثلًا بنوعية أكلنا والأدوية اللي بناخدها والتعرض للمواد الكيميائية، ده حتى الخبرات الاجتماعية اللي بنكتسبها ليها تأثير.

وممكن التغيرات التخلقية دي تسبب أمراض زي السرطان، لإن مثلًا لو العلامات الكيميائية دي عطّلت الجين الكابت للأورام، ده ممكن يخلي الخلايا تتكاثر بدون تحكم لحد ما تتحوّل لورم. يعني من الآخر الجينوم بتاعنا مابيتغيرش، لكن الـepigenome هي اللي بتتغير.  اعرف أكتر ليه مفيش علاج للسرطان من هنا

طب يا ترى إحنا بنورث من أهالينا التغيرات التخلقية؟

والله ده وارد، لو التغيرات دي وصلت للبويضات أو الحيوانات المنوية، بس في الغالب التغيرات دي بتبقى كإنها ماحصلتش بالنسبة لابنهم اللي جاي. لما الحيوان المنوي والبويضة بيتحدوا ويكوّنوا بويضة ملقّحة، بتحصل عملية اسمها (إعادة البرمجة)، ويبتدي الجنين الجديد يعمل التغيرات التخلقية الخاصة بيه.

بس العلماء شايفين إن فيه بعض التغيرات التخلقية ممكن تتجنب عملية إعادة البرمجة دي، وممكن تتنقل للجيل اللي بعده. العلماء ماجابوش الكلام ده من عندهم، وفيه دراسات بتدل على صحة الكلام ده.

يعني مثلًا فيه جين موجود في الفيران البنية اسمه ”آجوطي“، والمفروض إنه بيبقى مرتبط بمجموعة ميثيل، وفي حالة ماكنش مرتبط بيها، الفيران المولودة بتطلع لونها أصفر وبدينة.

التخلق

كمان لقوا إن نظام الأكل بتاع الأم الحامل بيأثر في نسبة الفيران الصغيرة البني من الفيران الصفراء: فلقوا إن حمض الفوليك بيخلي الفيران البنية المولودة تبقى أكتر ، وإن البيسفنول أ بيخلي الفيران الصفرا المولودة أكتر.

وفيه دراسة تانية بتقول إن السلوك الإدماني ممكن يوصل للأبناء، فلو تعرّضت الفيران لمادة THC، وهي المركب النشط في القنب أثناء البلوغ، فالذرية المستقبلية هيبقى عندها استعداد لإدمان الهيروين.

حتى في الدراسات اللي اتعملت على البشر في السويد وهولندا رجّحت إن الناس اللي أسلافهم عانوا من مجاعة، آثار المجاعة عليهم هتتنقل لـ3 أجيال على الأقل، بمعنى إن الحرمان من المواد الغذائية عند الأسلاف هيخلي الجسم مستعد لمرض السكر ومشاكل القلب والأوعية الدموية، كنوع من الاستجابة للحد من آثار المجاعات المستقبلية في نفس المنطقة.

على فكرة، برضه التغيرات التخلقية دي ممكن تتغيّر للأحسن بنظام أكل متوازن وصحي والرياضة والبعد عن الملوثات، وعلى فكرة لما نفهم التخلق ازاي بيأثّر فينا احنا كمان هنأثّر فيه ونقدر نستخدمه.

المصادر: TED ED  livescience  theguardian  utah.edu  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى