.
نوّرها

طب المناطق الحارة .. هو د. أحمد خالد توفيق بيشتغل إيه؟

كتب: أحمد حسين

يوم 2 أبريل سنة 2018 كان يوم حزين جدًا لكل محبي وقارئي د. أحمد خالد توفيق الكاتب والروائي الجميل، اللي ممكن أقول إنه أثّر جدًا في أجيال الشباب، بالذات اللي اتولدوا في أواخر التمانينات والتسعينات، بسبب كتاباته في سلسلة ما وراء الطبيعة تحديدًا. د. أحمد كتب عدد من الروايات مختلفة ومجموعات قصصية ومقالات. وكان حلم د.أحمد إنه يكتب سيناريوهات للسينما، لكنه توفى قبل اكتمال الحلم للأسف. لكن قبل كل ده د. أحمد خالد توفيق بالأساس كان طبيب متخصص في طب المناطق الحارة.

د. أحمد خالد توفيق والطب

بيحكي د. أحمد في مقال ليه بعنوان “عن طب المناطق الحارة” ضمن مجموعة مقالات تم نشرها في كتابه “شربة الحاج داوود”، عن تاريخه مع الطب واختياره لتخصص طب المناطق الحارة تحديدًا. لكنه قبل ما يحكي عن تاريخ التخصص نفسه، كان بيقول إن أغلب المتخصصين في طب المناطق الحارة مابيكتبوش كده على عياداتهم، لأن مفيش مريض هيروح لهم، علشان مش هيبقى فاهم أساسًا هما بيعالجوا إيه بالظبط.

رغم الغموض الخاص بالتخصص ده، إلا إن د. أحمد خالد توفيق قرر يختاره بسبب أستاذه د. حلمي أباظة، اللي وصفه بإنه لو موجود في إنجلترا كان أخد لقب سير. د. حلمي أباظة كان شخص مُدهش بالنسبة لدكتور أحمد خالد توفيق، وبسببه شاف لأول مرة نقاش عقلاني حوالين تشخيص مرض يصعب تشخيصه. علشان كده اختار فرع طب المناطق الحارة.

وعليه، خلونا نعرّف التخصص الغامض ده، طب المناطق الحارة هو أحد فروع الطب المتخصصة في دراسة الأمراض اللي بتظهر وتنتشر في المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية، علشان كده بيُطلق عليه بالإنجليزي “Tropical Medicine”. الأمراض دي بتكون عادةً مُعدية وخطيرة (أوبئة)، وبتخص -عادةً برضه- الجهاز الهضمي والكبد، علشان كده دكاترة طب المناطق الحارة بيكتبوا على العيادة أمراض كبد أو جهاز هضمي أو حُمّيات.

الصورة: الشرق الأوسط

الأمراض دي بتظهر وتتفشى بسبب الفيروسات والطفيليات والبكتيريا، زي الملاريا والبلهارسيا والطاعون والحمى الصفراء ومرض الفيل وداء النوم (Sleeping Sickness) والتهاب الكبد الفيروسي والإيدز. الأمراض دي غالبًا بتتنقل بين الناس عن طريق الحشرات -بالذات الدبّان والناموس- والقوارض في حالة الطاعون، ومش دايمًا بتنتقل من إنسان للتاني، زي الإيدز اللي ممكن ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي مثلًا، أو من خلال نقل دم بين اتنين.

فيه كمان أمراض تعتبر ضمن تخصص طب المناطق الحارة اسمها “الأمراض المدارية المهملة – Neglected Tropical Diseases”، وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية (WHO) دي أمراض أصابت حوالي مليار شخص حول العالم، طيب ليه اسمها المهملة؟ السبب إنها بتيجي لناس أغلبهم في مقاطعات فقيرة جدًا أو مناطق نزاع ومالهاش صوت سياسي في العالم، لذلك مابسمعش عنها كتير في الأخبار، عكس أمراض زي الإيدز والسُل مثلًا، فأصبحت في حكم المهملة للأسف.

اعرف أكتر| “الإيدز” المرض المفهوم غلط

الأمراض المهملة دي بتنتشر في إفريقيا الوسطى بشكل كبير، وبشكل أقل شوية في أمريكا اللاتينية (الجنوبية)، وأقل منها في آسيا، وتُعتبر مش موجودة في أوروبا وأمريكا الشمالية. يندرج تحت تصنيف أمراض مدارية مهملة أمراض زي (Yaws) وده مرض شبيه بالزُهري، وداء النوم والبلهارسيا اللي ذكرناهم. الأمراض دي قابلة للعلاج، بس مشكلتها إنها لو ماتعالجتش ممكن تؤدي للإصابة بأمراض زي الإيدز والسُل والملاريا.

بيحكي د. أحمد خالد توفيق كمان، عن تاريخ طب المناطق الحارة، قبل ما تنطلق منه تخصصات زي الباطنة وأمراض الكبد، ويبقى فيه أمراض مشهورة وأمراض مهملة، وبيقول إن الأمراض اللي الدكاترة حاليًا يعرفوها وليها أمصال وأدوية، كانت زمان مجهولة لدرجة إن الأطباء القدامى ماكانش عندهم مانع يقطعوا دراعهم -حرفيًا ومش مجازًا- علشان بس يعرفوا إيه اللي بيسبب الأمراض دي. فخلونا نتكلم شوية عن تاريخ التخصص الغامض والمثير ده.

تاريخ طب المناطق الحارة

د. أحمد بيقول في مقاله إن التخصص ده يُعتبر علم استعماري، بمعنى إن الحافز لوجوده كان البحث في أسباب وفاة الجنود البريطانيين أثناء احتلالهم لبعض البلاد الإفريقية في القرن الـ19، واللي كانوا بيموتوا بطرق غريبة جدًا؛ إما بيناموا أغلب الوقت لحد ما يموتوا، أو بطنهم بتنتفخ بشكل غريب، أو بيتقيّأوا دم أو بيدخلوا في غيبوبة لمدة طويلة.

بعتت بريطانيا أطباء كتير للمستوطنات اللي موجود فيها الجنود. من ضمن هؤلاء الأطباء طبيب اسمه باتريك مانسون، اللي هيبقى فيما بعد أبو طب المناطق الحارة. “مانسون” شاف عدد كبير من مرضى داء الفيل أو الفلاريا (Lymphatic Filariasis)، وهو مرض بتكبر فيه رجل المريض وتتضخّم زي رجل الفيل. باتريك مانسون وقتها عرف إن المرض ده بتسببه إحدى الديدان، طب الديدان دي بتدخل جسم الإنسان إزاي بقى؟

د. أحمد الجنايني / الصورة: UN

أثناء جولة من جولات مانسون في آسيا للبحث عن أسباب مرض زي داء الفيل، كان عنده خادم اسمه “هين لو” مصاب بالداء نفسه، فطلب من هين لو إنه يجري عليه تجربة، ودخلّه بالفعل أوضة مليانة ناموس. تاني يوم مانسون أخد الناموس ده وشرّحه، واكتشف ساعتها إن معدة الناموس ده مليانة بالديدان المُسببة لداء الفيل، وقتها دي كانت طفرة حقيقة في عالم الطب، اللي هي اكتشاف إن الحشرات قادرة على نقل الطفيليات والأمراض بين البشر.

اعرف أكتر| أمراض المناعة الذاتية: لما يعلن جهازك المناعي تمرده عليك!

بعدها، انتلقت رحلة طب المناطق الحارة زي قطر لا يتوقّف، وظهرت محطات كتير مهمة في طريقة، زي محطة الطبيب الإنجليزي ديفيد بروس، اللي اكتشف مرضين، أولهم كان “البروسيلا” اللي جيه للجنود الإنجليز عن طريق شُرب لبن الماعز المريض بالبكتيريا من غير ما يغلوه، والتاني اسمه “داء النوم” واللي بيسببه طفيل أطلقوا عليه اسم “تريبانوسوما بروسي”، وبتنقله ذبابة “التسي تسي” الشهيرة في عالم طب المناطق الحارة.

الصورة: nytimes

وطبعا محطة الطبيب الألماني ثيودور بلهارس الراجل اللي اكتشف دودة البلهارسيا اللي كانت سبب في موت آلاف وآلاف المصريين من القرن الـ19، بس طبعًا حاليًا تأثيرها أقل بكتير وقادرين نحتويها ونمنع خطرها وانتشارها. طبعًا ممكن حد يسأل، ليه الأمراض دي لسه موجودة رغم إننا عرفنا أسبابها وقدرنا نعالجها؟ ومن غير حتى ما تسألوا أنا كنت هقول لكم كده كده.

بيحكي د. أحمد خالد توفيق، عن الطبيب ديفيد بروس اللي ذكرنا إنه اكتشف داء النوم، واكتشف إن السبب هو ذبابة التسي تسي، واللي قضوا على أعداد كبيرة منها بالفعل وقتها. لحد هنا الحكاية تمام، لكن اللي حصل إن الذبابة رجعت تاني وبتنقل نفس المرض برضه، ولما د. بروس دوّر ورا الموضوع، لقى إن الطفيل المُسبب للمرض بيستوطن في الوعول أو الماعز البري (Capra)، والذبابة بتروح تاخد منه الطُفيل مع الدم، وتنقله للبشر، فيظهر المرض مرة تانية.

الوقاية خير من العلاج

الأمراض اللي بيعالجها أطباء المناطق الحارة بتنقسم إلى أنواع، نوع يمكن علاجه والقضاء عليه زي شلل الأطفال والجدري، ونوع بيروح وبيرجع تاني زي داء النوم، ونوع عصي على العلاج زي الإيدز. بس الجانب المُضيء في الموضوع، هو إن الأمراض دي الوقاية منها أفضل من العلاج، ومنع الإصابة منها بالأساس أسهل من إننا نلاقي ليها علاج لحد دلوقتي.

الصورة: Vision Africa past conference

فالحل زي ما بيقول د. أحمد خالد توفيق، إننا نزوّد الوعي تجاه الأمصال والتطعيمات اللي بتتاخد في الطفولة، ونزوّد الوعي كمان تجاه الوقاية من الأمراض دي، علشان نقدر نحد من انتشارها، سواء في البلاد الإفريقية المنتشرة فيها بالأساس، أو في غيرها من البلاد، اللي ممكن تنتشر فيها عن طريق السفر زي ما انتشرت زمان عن طريق الحروب.

في النهاية، كل الشكر للناس اللي بتاخد قرار إنها تخاطر بنفسها وتحارب الأوبئة، رغم إنهم عارفين إن نسبة إصابتهم عالية. وكل الشكر كمان للناس اللي زي د. أحمد خالد توفيق، اللي بيعرّفونا على بطولات الناس دي، وبيخلونا نفتكرهم ونفتكره من وقت للتاني.


المصادر: كتاب “شربة الحاج داود” – أحمد خالد توفيق. WHO omicsonline

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى