.
الملف

نظرية الكم 3: عدم اليقين عند هايزنبرج وقطة شرودنجر

كتب: أحمد حسين

توقفنا في المقال السابق عند نقطة الفصل بين الفيزياء وميكانيكا الكم، والتي كانت تتحدث عن مبدأ عدم اليقين الذي أرساه “هايزنبرج” الفيزيائي الألماني، سنة 1927.

لقراءة المقال السابق: نظرية الكم 2 – ما بعد البداية

القصة بدأت بعد أن قام عالم الفيزياء النمساوي ”إيرفن شرودنجر“ بكتابة معادلة سميت باسمه ”معادلة شرودنجر“، وهي معادلة تفاضلية رياضية تصف الحركة الكمّية للإلكترونات وكيفية تأثرها بالزمن، فأصبحت من أهم نظريات ميكانيكا الكم في العصر الحديث.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فجاء بعد ذلك ثلاثة علماء (هايزنبرج – بورن – بور) واجتمعوا في كوبنهاجن، فشرحوا هذه النظرية لكن عن طريق المصفوفة الرياضية أو الـ”Matrix“، فقدمت هذه المصفوفة عدد لا نهائي من الأعمدة والصفوف لوصف مكان الالكترون وسرعته بشكل دقيق بداخل الذرة، الأمر كان مقبولًا إلى حد ما، حتى جاء ”هايزنبرج“ بمبدأ عدم اليقين الذي اتسم في بداية الأمر بالعشوائية وعدم الثبات لدرجة أنه جعل عالمًا مهمًا مثل اينشتاين يقول جملته الشهيرة ”إن الله لا يلعب بالنرد مع الكون“.

مبدأ عدم اليقين

هاينزنبرج

في عام 1927 جاء هايزنبرج ففرض أنه لا يمكنك حساب سرعة الالكترون أو مكانة بدقة شديدة، لابد لأحدهم أن يكون حسابه غير دقيق 100%، فإذا قررت حساب سرعة الالكترون بدقة مثلًا، فإن مكانه سيتغير وأنت تحاول حل المعادلات، لذلك ستحسب سرعته بشكل
دقيق، لكن حساب مكانه لن يكون دقيقًا، معرفة الاثنين معًا أمرًا صعبًا بحسب قول هايزنبرج نفسه.

لكن هذا الكلام لم يكن خاطئ بنسبة 100% ليجعل عالمًا مثل اينشتاين لا يتفق معه بهذا الشكل، فهناك تجارب أجريت كتطبيق على هذا المبدأ مثل تجربة إطلاق شعاع ليزر كي يعبر من فتحة صغيرة ويظهر على شاشة بيضاء خلفها.

هذه الفتحة يمكن التحكم بها بحيث يمكن تضيقها أكثر أو توسيعها، فعندما تضيقها أكثر تجد أن نقطة الليزر الظاهرة على الشاشة البيضاء قد بدأت تصغر، فإذا ضيقتها أكثر صغرت أكثر، لكنها عند حد معين، يحدث أمرًا عجيبًا لها، فتبدأ بالأنبساط، وكلما ضيقت الفتحة أكثر كلما وسعت النقطة على الشاشة البيضاء، كيف يحدث هذا والمفروض أن يحدث العكس؟

يقول هايزنبرج في ذلك الأمر أنك كلما ضيقت الفتحة، كلما ضيقت المكان على الالكترونات، فيصبح الحيز الذي تتحرك فيه ضيقًا جدًا، في هذه الظروف، تبدأ الالكترونات بالتحرك بشكل سريع في إتجاهات مختلفة، الأمر الذي تفعله كي تحافظ على توازنها وتوازن العلاقة بين السرعة والمكان/المساحة. لذلك من المستحيل تحت أي ظرف الحصول على نتيجة دقيقة جدًا تخص السرعة والمكان معًا، لأنه من الصعب الحصول على ظرف معين تكون فيه سرعة الالكترونات بطيئة جدًا أو صفرًا بحيث يمكن التعرّف بشكل دقيق على مكانها.

مشكلة هذا المبدأ ليس أنه لم يكن ذو تأثير مباشر على حياة الناس العادية مثلًا، لكن لكونه يعادي مبدأ مهم من مبادئ الفيزياء وهو مبدأ المحلية أو الـ ”Locality“ والذي يقول أن العنصر يتأثر بشكل مباشر بالتأثيرات المحيطة له، أي أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الالكترون مثلًا قد مر من اللوح الزجاجي وفي نفس الوقت إنعكس لأنه لابد له أن يتفاعل مع المادة الواقع عليها بصورة واحدة فقط، إما أنه مر كله بشكلٍ كامل، أو أنه إنعكس كله.

لكن هذا الأمر لم يعجب هايزنبرج، إذ أنه مقتنع أن الالكترون يمكنه أن يكون موجودًا في نفس المكان بصورتين/تفاعلين مختلفين، إلا عندما يصبح هناك مراقبًا خارجيًا (الإنسان مثلًا) فتجد أنه يرى الالكترون في حالة واحدة فقط، إما مر أو أنعكس. وهذا الكلام بالضبط ما قاله شرودينجر في شرح نظريته الشهيرة ”قطة شرودنجر“.

قطة شرودنجر: أنا عايش ومش عايش

عام 1935 تقريبًا، قام ”إيرفن شرودينجر“ بشرح مبدأ عدم اليقين رغم عدم إتفاقه معه بشكل كامل عن طريق نظرية تقول: لو أننا مثلًا وضعنا قطة في صندوق، ووضعنا بداخل الصندوق زجاجة سيانيد (سم) صغيرة، وثبتنا فوقها مطرقة متصلة بعداد جايجر، ووضعنا بجانب العداد كمية صغيرة جدًا من عنصر مشع.

بعد مدة زمنية معينة (ليكن ساعة) يبدأ العنصر المشع بالتفاعل، فيتحرك عداد جايجر الذي يقيس هذه الإشعاعات، فتتحرك المطرقة المتصلة بالعداد بدورها، لتسقط على زجاجة السيانيد تكسرها فتموت القطة مثلًا، أو لا يتفاعل العنصر فلا يتحرك العداد وبالتالي لا تتحرك المطرقة فتبقى زجاجة السيانيد كما هي فلا تموت القطة.

لكن ماذا يقول مبدأ عدم اليقين في هذا الأمر؟

يقول المبدأ أن القطة موجودة في الداخل لكن في حالة خاصة، فهي لا ميتة ولا حية، هي 50% ميتة و50% حية، لكن عندما يتدخل في الأمر مراقب خارجي (إنسان يفتح الصندوق) فإنه سيرى القطة 100% في حالة واحدة فقط، إما حية أو ميتة، لا يمكن أن توجد في الحالتين في نفس الوقت. لم يكن شرودينجر متفقًا بنسبة 100% مع هذا المبدأ إلا أنه شرحه بهذه النظرية.

ظلت ميكانيكا الكم تقدم كل ما هو جديد وغريب من نظريات غير مفهومة بشكلٍ كامل إلى العالم، لكنها أيضًا كانت سببًا في نقلة تكنولوجية قوية بأختراعات مثل ”الشرائح الإلكترونية الدقيقة“ التي تدخل في صناعة جميع أجهزة الكمبيوتر والموبايل وغيرها من الأجهزة التى أصبحت ركن أساسي في حياة مليارات البشر على وجه الأرض.


المصادر:  Britannica.UncertaintyPrinciple  scientificamerican

زر الذهاب إلى الأعلى