كتبت: مها طـه
من سنتين تحديدا يوم الأربعاء 19 أكتوبر، توفى طفل عمره 12 سنة داخل مستشفى حميات نجع حمادي في محافظة قنا بعد إصابته بمرض السعار أو داء الكلب، كنتيجة لعضة كلب ضال. بعدها بحوالي 10 أيام نشرت جريدة الأهرام قصة الطفلة “زينب” البالغة من العمر 8 سنين، واللي كانت راجعة من مدرستها في أسيوط، في الوقت اللي هجم عليها كلب أحد ساكني الفيلات القريبة من طريق عودتها. الكلب للأسف إلتهم جزء من وجه الطفلة وتسبب في تشوه كبير. أحد أهم الأسباب اللي ممكن تكون دفعت بالكلب ده لمهاجمة الطفلة هو كونه مُصاب بداء الكلب أو السُعار!
الحادثتين دول ساعتها عملوا ضجة على السوشيال ميديا وانتشروا وسط زعر وهلع من الناس على ولادها خصوصا في ظل تزايد أعداد الكلاب الضالة في الشارع، ومشيهم في مجموعات كده. وفضل الحال كما هو عليه مع تزايد الأخبار اللي بنسمعها عن حوادث مشابهة للأسف.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، مرض السعار بيتسبب في وفاة حوالي 59 ألف شخص سنويًا، وده معناه إن كل 10 دقايق في شخص ما بيموت بمرض السعار، ومن بين كل 10 أشخاص في 4 أطفال أقل من 15 سنة بيموتوا بالمرض في أفريقيا وآسيا.
بيانات الهيئة العامة للخدمات البيطرية قالت إن عدد الكلاب الموجودة في الشوارع تُقدر بحوالي 15 مليون كلب معظمهم في الريف والمناطق الشعبية، وإن عدد حالات العض والعقر من الكلاب تُقدر بمتوسط 370 ألف حالة سنويًا وأغلبها للأسف بتحصل للأطفال.
الكارثة هنا إن عدد الكلاب اللي بتتمتع برعاية صحية بيقدر بأقل من 30 ألف من أصل المليون كلب دول، واللي للأسف بيحملوا كتير من الأمراض اللي بتتسبب في حالات وفيات بمتوسط 65 حالة سنويًا. الكلاب تقدر تنقل أكثر من 300 مرض مشترك للإنسان سواء أمراض بكتيرية زي السل أو طفيلية زي التوكسوبلازما/مرض القطط بتتنقل للكلب نتيجة لأكل القمامة والفضلات غيرها، أو أمراض فيروسية وعلى رأسها داء الكلب أو السعار، واللي بيتعتبر واحد من أخطر الأمراض اللي بتصيب الإنسان في العموم، نظرًا لإنه مرض مالوش علاج لحد دلوقتي.
اعرف أكتر| الفرق بين الفيروس والبكتريا والطفيل – الميكروبات وأنواعها
داء الكلب وفيروس السعار
مبدئيًا المرض ده بيُسمى بداء الكلب لأنه طبقًا لمنظمة الصحة العالمية فـ99% من الأشخاص المصابين بالسُعار بيصابوا بيه كنتيجة لعضة كلب مُصاب بفيروس السُعار.
الفيروس ده بيتسبب في حدوث عدوى حادة في الجهاز العصبي المركزي، وبيتم التعرف عليه وتشخيصه في الإنسان على 5 مراحل عامة وهي:
- فترة الحضانة
- فترة الأعراض البدائية
- فترة الأعراض العصبية الحادة
- فترة الغيبوبة
- وأخيرًا الوفاة
فترة حضانة الفيروس في الجسم بتختلف من شخص لشخص، أقلها 10 أيام، وأقصاها ممكن توصل لسنتين، لكن الشائع إنها بتبقى ما بين شهر و3 شهور.
بمجرد ما الكلب المُصاب بيعض الشخص، الفيروس بيتنقل من لعاب الكلب لدم الشخص. هنا بيبدأ الحمض النووي للفيروس (RNA) يتحرر منه ويستخبى ويكمُن لفترة في سيتوبلازم الخلية المُصابة _السيتوبلازم هو المادة اللي بتملى الخلية من جوا وتسبح فيها باقى العُضيات الخلوية_.
هنا بقى بتظهر القدرة العجيبة للفيروسات، واللي بتتمثل في إنها بتعمل ”تجنيد إجباري“ لخلايا الجسم المُصابة، وتبدأ تخليها تشتغل لصالحها بشكل فائق الذكاء الحقيقة.
عملية التجنيد الإجباري للخلايا هنا بتتم عن طريق إن الـRNA الفيروسي، بيبدأ يتدخل في عملية ترجمة البروتينات الطبيعية في خلايا حضرتك، وهنا الخلايا بتبدأ تستجيب للمعلومات الوراثية دي، وعلى أساسها بتنتج بروتينات مشابهة للي بينتجها الفيروس، وبكده خلية جسمك بتبقى مُغيبة وبتلعب ضدك من غير ما تاخد بالك.
التجنيد الإجباري والإصابة القاتلة
بعد كمون الفيروس وتجنيده للخلايا بالشكل ده، بيبدأ يدخل واحدة واحدة للجهاز العصبي الطرفي، ومنه إما يتجه مباشرةً للمخ، أو إنه يروح على الأنسجة العضلية ويفضل كامن فيها لحد ما تنتهي فترة الحضانة بتاعة الفيروس ودي الفترة اللي بينضُج فيها الفيروس وتبدأ أعراضه تظهر.
أول ما تنتهي فترة الحضانة، الفيروس بيهاجر على طول للجهاز العصبي المركزي، ويبدأ يهاجمه مرارًا وتكرارًا ومنه بقى ينتشر لباقي أجهزة الجسم.
الفيروس في الحالة دي بيبقى وصل لجهاز التحكم المركزي، ببساطة كدة كأنه عمل انقلاب وطلع على قصر الرئاسة وبدأ يتحكم في كل حاجة، لك أن تتخيل إن كائن صغير أوي كدة بيتحكم في عقل كائن بالغ التعقيد زي الإنسان. في بعض العلماء مش بيعتبروا الفيروس ده كائن حي أصلًا، وبيصنفوه كمجموعة ذرات ميتة، لكنها وللأسف ليها قدرة رهيبة على التحكم في عمليات حيوية مُعقدة زي السيطرة على الخلايا ونشر نفسها تجنيد الخلايا لصالحها.
أعراض السعار: الإصابة بالفيروس وتوابعها
للأسف في البداية بتبقى الأعراض مش واضحة إنها أعراض فيروس السُعار، واللي بتبدأ بألم في مكان العضة نفسها، وإحساس عام بالتعب بالإضافة للحمى والصداع وفقدان الشهية ووجع العضلات، وأخيرًا الإصابة بالاكتئاب.
بعدها بحوالي من 4 لـ10 أيام بتبدأ الأعراض العصبية في الظهور وهي:
- شعور غير مُبرر بالقلق والارتباك.
- إفراز اللُعاب بشكل مُفرط.
- الهلوسة والوصول لمستوى عالي من الاستثارة.
- الأرق.
- شلل في الساقين وتشنجات عضلية.
- مشاكل في البلع
- والأغرب بقى هو الخوف المرضي من المياه.
تخيلوا إن شخص يبقى بيخاف من المياه من مجرد حتى إن تيجي سيرتها قدامه. الحالة دي بتعرض المريض لحالة شديدة من العطش والجفاف. حالات الوفاة بالمرض ده بتحصل كنتيجة لفشل رئوي في عملية التنفس، وده لأن العضلات مع الوقت بتبقى مرهقة جدًا والتشنجات بيصعُب السيطرة عليها.
الوقاية و علاج عضة الكلاب
للأسف وبالرغم من إن البشر يعرفوا المرض ده من حوالي 4 آلاف سنة، إلا إنهم مايعرفوش أي علاج له للأسف، بمجرد ظهور الأعراض بيستحيل معاها العلاج وغالبًا بتنتهي الحالة بالوفاة، وعشان كدة بيكون الحل في حالات العض، هو اتخاذ بعض الخطوات السريعة مباشرةً بعد الحادث للوقاية من آثار الفيروس قبل ظهور أي أعراض على المريض.
صحيح الفيروس مالوش علاج، لكنه له أمصال بتمنع انتشاره للجهاز العصبي المركزي وحدوث الوفاة.
في حالة العضة بينصح الأطباء إننا نفضل نغسل الجرح بالماء والصابون على قد ما نقدر لمدة ربع ساعة على الأقل، ويُفضل إن الجرح يفضل تحت المياه الجارية وبعدها يتنقل المُصاب بسرعة لأقرب مستشفى أو وحدة صحية واللي فيها بقى بيتم حقنه بالمصل المُضاد وده عشان يمنع أي فيروس من الدخول للجرح نفسه.
اللقاح هدفه تنبيه جهاز المناعة في الجسم، وبالتالي يقدر يتغلب على الفيروس من قبل ما يوصل للمخ أصلًا، وفي الحالة دي الفيروس مايقدرش يخدع الجسم بالطريقة اللي شرحناها فوق. الأهم بقى ولأن دي غلطة بتحصل عند ناس كتير وخصوصًا في المناطق النائية أو الريفية، الجرح مش بيتخيط خالص، غير بعد وقت كافي ويكون ساعتها الطبيب اتأكد من إن الفيروس مش موجود جوه الجرح، وحتى في وقت الخياطة فالدكتور بيحقن من المصل حوالين الجرح كزيادة اطمئنان وعشان يحاصر الفيروس لو موجود.
أما بالنسبة للوقاية من الأساس، فتتمثل في تطعيم الحيوانات اللي ممكن تحمل الفيروس وتنقله، وبالمناسبة هي مش بس الكلاب، لكنها ممكن تكون موجودة في القطط والقوارض والخفافيش وغيرهم كمان، وبالتالي الشخص اللي بيربي أي حيوانات زي القطط والكلاب والهامستر لازم ياخد باله ويطعمهم أول بأول لضمان الوقاية ليهم ولنفسه، ده غير ضمان عدم احتكاك حيوانات المنزل بالحيوانات بره لأنهم ببساطة ممكن يتنقل ليهم الفيروس من عضة حيوان تاني.
مع محاولة الابتعاد عن الحيوانات البرية قدر الإمكان، لأن الحيوانات المُصابة بالسُعار بتميل لإنها تهاجم الأشخاص والحيوانات التانية كنتيجة لإن الفيروس بيسيطر على المخ، وبيديه إشارة بإنه يعض أي كائن تاني عشان يضمن انتقاله.
زي ما قلنا الفيروس طبقًا لمنظمة الصحة العالمية بيتسبب في وفاة حوالي 59 ألف شخص في العالم سنويًا، وللحظ السئ فالفيروس بينتشر أكتر بكتير في أفريقيا والهند، وبما إننا في أفريقيا ونظرًا لعدد الكلاب الضالة العظيم اللي عندنا، ففرص الإصابة تُعتبر كبيرة إلى حدٍ ما، وعشان كده بيُنصح الأشخاص المُسافرين لدول أفريقيا والهند، بإنهم ياخدوا التطعيمات الخاصة بالإصابة بالسُعار، وبيتم توعيتهم للتعامل في المواقف دي لو حصل هجوم وعض.
بالطبع الوقاية خير من العلاج، وبالتالي لازم نتعامل بحرص شديد مع المواقف اللي زي دي، وخصوصًا مع أعداد ضخمة ومتزايدة كل سنة من الكلاب الضالة (15 مليون كلب تقريبًا)، بالإضافة لقدر لا بأس به برضه من الاستسهال، والتعامل مع الحالات دي بالفهلوة، وعدم اللجوء للأطباء، والاكتفاء بالتعامل مع الجرح عن طريق ممرض وأحيانًا حلاق صحة، وده كله ممكن يتسبب في وفاة عدد كبير من الشباب والأطفال سنويًا، والسبب الرئيسي فيه هو غياب الثقافة والتوعية الصحية. التعامل مع الحالات دي يكون عن طريق الأطباء في الوحدات الصحية المستشفيات فقط، وربنا يحفظنا من أي كلب ضال، أو حتى مش ضال، يحفظنا من أي كلب أو عضة كلب.
الجدير بالذِكر إن وزراة الصحة حاولت تتعامل مع المشكلة من خلال مديريات الطب البيطري ووزارة الزراعة بإنها كانت بتتعامل مع الكلاب الضالة بطريقة القتل، سواء باستخدام الرصاص أو السم، لكن الطريقة دي لاقت اعتراض من جمعيات حقوق الحيوان. الاعتراضات بين الأطراف مازال قائم. تعديل خطة التعامل مع الكلاب والقيام بعمليات تعقيم أو إخصاء للكلاب بحيث يتم منعها من التكاثر يُعتبر مُكلف جدًا على الدولة خصوصا مع أعداد الكلاب المتزايدة واللي بتقدر بالملاييين.
اقتراحات كتير بيتم طرحها أخرها اقتراح إحدى عضوات البرلمان بتصدير الكلاب الضالة لكوريا الجنوبية المعروفين بأكلهم للكلاب. اقتراحات ومناقشات مع استمرار لطريقة القتل التقليدية بالسم ولازالت المشكلة قائمة وبتزيد.. فلحين ما يوصلوا للحل خلوا بالكم من نفسكم ومن أطفالكم وماتستنوش لو لا قدر الله حصل عض من كلب، بسرعة توجهوا للمستشفى وماتستهونوش بالأمر.
المصادر: gate.ahram bodyandhealth.canada ncbi healthline who medicalnewstoday
