.
نوّرها

الكوزمولوجي-أصل-الكون-ونشأته

كتب: احمد حسين

عندما كنت صغيرًا، كانت حدود الكون بالنسبة لي بيتي ومدرستي والشوارع التى تصل بينهم فقط، لم أكن أعرف بوجود شيء ما خارجهم. بعد سنوات، بدأت اكتشف وجود الكثير خارج هذا الإطار، بلدان وبحار ومحيطات وبشر آخرين.  فاعتبرت أن هذا هو الكون، لابد أنه كذلك فلا يوجد شيء خارج هذه الدائرة حتمًا، الكون إذن يعني الكرة الأرضية، هذا كافي بالنسبة لي. بعدها، بدأت اكتشف مرة أخرى أن هناك في الفضاء الواسع المهيب شيء يسمى المجرة، وهذه المجرة تتكون من ملايين النجوم والكواكب والشمس والقمر، حينها أن ذلك هو الكون ولا شيء غيره، فكوكب الأرض الذي نعيش عليه جزء من هذه المجموعة التى تسمى بالـ”مجموعة الشمسية“

، جيد، الكون بالنسبة لي إكتمل في هذه اللحظات، لكنني لم أكن أعرف أن الكون سيتمدد بداخل أفقي المحدود مرة أخرى، فبعدها بسنوات أكتشفت أن هناك مجرات أخرى، وأن الكون ليس هو الشمس والقمر والنجوم التى نراها والكواكب التي نعرفها، الكون أوسع بكثير من هذا، ولازال يتوسع حتى يومنا هذا.

نقطة البداية ..

قبل عام 1920 لم يكن لدى علماء الفلك أي معرفة بحجم الكون، أو عمره الافتراضي أو كيفية تمدده، كانت معرفتهم مساوية لمعرفتي صغيرًا. لكن في سنة 1920 جاء عالم فلك اسمه ”إدوين هابل“

اكتشف وجود مجرات أخرى، بملايين الكواكب والنجوم الأخرى، وأنها تتحرك بعيدًا عنا بمقدار ثابت عُرف بإسم ”ثابت هابل“. اكتشاف هابل لهذا الأمر كان حدثًا عظيمًا، ولم يأت من قبيل الصدفة، فهابل قام بحساب المسافة بيننا وبين المجرات عن طريق ظاهرة ”الانزياح الأحمر أو Redshift“، وهي باختصار تعني أن النجوم التى تنتمى لمجرات أخرى عندما تتحرك بعيدًا عن مجرتنا بسرعة، يتغير لون الضوء الآتي منها، فإذا افترضنا مثلًا أن اللون القادم من النجم هو اللون الأزرق، فإن هذا اللون يتغير إلى الأحمر كلما ابتعد عنّا هذا النجم، وهو ما كان يحدث عندما راقب هابل حركة النجوم الموجودة في المجرات الأخرى.

هذا الاكتشاف العظيم أدى في النهاية إلى إنشاء علم جديد وهو ”علم الكونيات“ أو الـ ”Cosmology“.

ما هو الكوزمولوجي؟

هو علم دراسة الكون، بمعنى دراسة الأصل، والتطور، والمصير الحتمي لكل شيء. هو علم يعتمد في المقام الأول على النظريات والفرضيات التي ترصد التغيرات الكونية الكبيرة، في الكواكب والنجوم والمجرات، تمامًا كما فعل هابل، فما فعله أدى فيما بعد إلى اكتشاف واحدة من أعظم النظريات الحديثة وهي نظرية ”الانفجار الكبير“ التى تم تأكيدها بين عامي 1950 و1965،والتي تقول أن الكون كله كان كتلة واحدة  ثم انفجر وتمدد، فتشكلت المجرات والكواكب والنجوم.

تمدد الكون والجاذبية

بعد زمن بسيط، حوالي 13.77 مليار سنة، تم اكتشاف أن الكون إنفجر وفي حالة تمدد مستمر، لكن ما سبب هذا التمدد؟ وهل له حدود أم أنه لا نهائي؟

سنة 1916، طرح اينشتاين نظرية جديدة سماها ”النظرية النسبية العامة“، واعتبرت نظرية حديثة في الجاذبية. تقول هذه النظرية أن المادة تتوزع في الكون بشكل متساوي/موحد على مقياس كبير، وأن لكل نجم/كوكب في الكون قوة جاذبية خاصة به، وأن جاذبية الأرض تختلف عن جاذبية النجوم الأخرى، وتعتمد قوة الجاذبية على ثِقل كتلة النجم/الكوكب الموجودة عليه. لكن ما علاقة هذه الأمور بتمدد الكون؟

تمدد الكون في الأساس يحدث نتيجة قوة تسمى ”قوة الدفع“ أو ”Momentum“ وهي القوة التى خلّفها الانفجار الكبير. هذه القوة تقابلها قوة أخرى يمكن اعتبارها القوة ”المقاومة“ بالنسبة لها وهي قوة ”الجاذبية الكونية“. وجود هذه القوى تحديدًا سببًا أساسيًا في أننا لازلنا نحيا في الكون حتى الآن، فلو أن قوة منهم تسارعت ولو بنسبة ضئيلة جدًا عن نظيرتها، لتمدد الكون بسرعة حتى تلاشى، أو تقلّص حجمه حتى إختفى.

أعظم ما في الكون

معرفة أمور الكون هي شيء عظيم بحق، وأعظم ما فيه هو أن هذا الكون الواسع المهيب كله يعتمد بشكل أساسي في توازنه على أصغر جزء فيه .. الذرة.

في إحدى المقابلات، سُئل عالِم الفيزياء الفلكية ”نيل ديجريس تايسون“ عن أكثر شيء مذهل بالنسبة له في دراسة الكون، قال أن أكثر شيء مذهلًا بالنسبة له كان معرفة أن الذرة التي تتألف/تتكون منها الأرض، والبشر، وكل شيء في الوجود يمكن تتبعها لتصل إلى نشأة الكون. وأن تكوين الكواكب والنجوم، من النايتروجين والكاربون والاكسجين، تعتبر هي المكونات الأساسية للحياة، حياة البشر وجميع الكائنات الحية. يقول د. تايسون: ”لذلك عندما أنظر إلى السماء، أعلم أننا جزء من هذا الكون، نعيش بداخله، لكن أهم من كل ذلك هو أن الكون موجود بداخلنا. الكثير من البشر يشعرون أنهم صغار الحجم ضِئال لأن الكون كبير، لكنني أشعر بأنني كبير، لأن ذراتي أتت من هذه النجوم“ وهذا القول قد يُعادل القول المنسوب للإمام علي الذي قال فيه ”وتحسب أنك جرم صغير وفيك أنطوى العالم الأكبر“.

”ريتشارد فاينمان“ الفيزيائي الأمريكي عندما طلبوا منه أن يلخص أكبر أنجاز علمي عرفته البشرية حتى الأن في جملة واحدة قال: ”كل شيء مصنوع من الذرة“.


المصادر

  1. newscientist
  2. map.gsfc.nasa
  3. map.gsfc.nasa_theory
  4. map.gsfc.nasa_concepts
  5. theguardian

Footer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى