سيبني أتشاءم يا أخي، فربما لست بخير!
”هؤلاء الأشقياء بالأمل ينطفئون سريعًا بخيباته.“
أول مرة قرأت الجملة دي على الفيسبوك حسيت إن صاحبها بيديني بوكس في وشي أو إن حد لطشني بالقلم على غفلة. أذكر بصفتي واحدة من ذوي الضحكات العالية في أي مكان وزمان إن كذا صديق ليّا من ذوي الطبع التشاؤمي متبعي مقولة ”مافيش فايدة“ كانوا بينظروا على أمثالي. فيقوم أمثالي ينظروا على أمثالهم وهكذا.
يعني هما بيشوفوا المتفائلين ناس عندهم رفاهية الأمل اللي بيه بيشوفوا الدنيا ويقدروا يعافروا ويكملوا فيها ، رغم إن عادي ممكن نقع على جدور رقبتنا لما الأمل ده يطلع سراب. وعلى الجانب الآخر، إحنا نشوفهم ناس عندها القدرة على الاستمرارية لأنهم وصلوا بمرحلة إن مافيش حاجة هتخذلهم لأن كل توقعاتهم دايما بتكون للأسوأ وبس، رغم إن ده بيمنع عن كتير منهم فرص عظيمة كان ممكن يستغلها لو صدق فيها ولو للحظة.
طبعًا جو هما وإحنا والهري ده مش عاطفي. وكوني واحدة من المتفاءلين حبيت أبيّض وجه المتشائمين وأترفع عن تنظيراتنا الطفولية وأخلي ساحتهم من أي تهم موجهة ليهم من نشر المناخ التشاؤمي وكده عشان بس القلق اللي في البلد اليومين دول.
المناخ التشاؤمي بيلف يلف ويصب عندكم حضرتك!
حسب الدراسات العلمية وكده، المناخ التشاؤمي اللي مزعلهم ده ساعات بيكون هو الخيار الأمثل. إحنا هنا مالناش علاقة بقى لا بتوجهات فلان ولا خلايا علان. إحنا جايين نتكلم عن التشاؤم ونوضح إنه يمكن يكون الأفضل حاليًا للناس، بس هما يركزوا وهيفهموا القصد والله. إحنا في فترة لازم وحتمًا فيها نوطى بالتوقعات ونعلي باللي يحصل يحصل عشان نقدر نكمل. وده باختصار تعريف التشاؤم الدفاعي، اللي هنتكلم عنه ولن ننسى ذكر أخوه ونظيره المقابل التفاؤل الاستراتيجي طبعًا.
التشاؤم الدفاعي هو استراتيجية بيتبعها الأشخاص اللي بيعيشوا في حالة قلق دائم عشان يقدروا يتعاملوا مع القلق ده من غير ما يؤثر على إنتاجيتهم وشغلهم وحياتهم. المتشاءم الدفاعي شخص بيخفض توقعاته عشان يكون جاهز دايما للأسوأ لو حصل. فيقدر يتعامل عقليًا معاه ويمر بسلام خلال الظروف السيئة دي اللي ممكن تحصل. ورغم إن الكلام يبدو محبط، لكنه بالفعل بيساعد الأشخاص دي على إنها تجنب مشاعرها شوية وتركز بدون تشتيت في حياتها وشغلها إلخ.
التفاؤل الاستراتيجي بقى عادةً بيتبعه الاشخاص الـcool اللي قادرة إنها تسيطر على أعصابها ومش بييجي لها نوبات قلق وتوتر خلال أغلب الأمور في حياتها، فبيحطوا توقعات عالية عادي وبيقدروا يتجنبوا التفكير الزايد عن حده في إيه اللي ممكن يحصل.
مزايا أن تكون ”متشائمًا دفاعيًا“ The perks of being
كثير من الأبحاث اللي قام بيها أساتذة جامعيين في علم النفس من بلاد مختلفة زي ألمانيا وجامعة نورث كارولينا وكلية ويلسلي بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم، أكدت إنه التشاؤم الدفاعي بيقلل فعلا من معدلات التوتر والخوف والقلق في مواقف بعينها، اعرف أكتر من هنا. كما إنه بيمنحك شعور بالسيطرة على الأمور. فتوقعك للاحتمالات الأسوأ هنا هيدفعك لتقييم الاحتمالات دي والقدرة على التعامل معاها لما تحصل بنجاح.
كمان هو بيقدر يطوع الأمور لصالحك، فيخلي تقييمك لنفسك وأداءك مش واقعي، واللي مش واقعي هنا بيكون مردوده إنك تعلي على نفسك وتعمل أحسن من المتوقع والمطلوب منك، وده كان من أساليب تحفيز النفس وتشجيعها المثيرة للاهتمام عند بعض علماء النفس لأنه دايما العقل الجمعي عندنا بيتوقع إن الحوار هيمشي بالعكس.
كان في مقولة لطيفة لصحفي أمريكي اسمه ”جورج ويل“ بيقول فيها: ”الشئ اللطيف بخصوص كونك متشائم هو إنك دايما إما على حق أو مندهش بسعادة.“ يعني في كل الأحوال أنت كسبان. اتباعًا لنظرية لو طلع كلامي صح فأنا كنت عارف، ولو طلع غلط فماحدش يكره الخير يعني، بمنتهى البساطة والتصالح مع الكون بمشاكله وناسه ومصايبه.
كما إن التشاؤم هيطول عمرك وهيخليك تعيش لمدة أطول. والكلام رغم غرابته إلا إنه ما توصل إليه بحث علمي تم نشره في الجمعية الأمريكية لعلم النفس، واللي دعم ما توصل إليه وأكده بحث استبياني قام بيه أستاذ علم نفس في جامعة إيرلانغن نورمبرغ في ألمانيا وفريقه على أكتر من 40.000 شخص في فئة عمرية تتراوح ما بين الـ18 والـ96 واللي أخد عشر سنين من 1993 لحد 2003.
أما على مستوى العلاقات العاطفية طويلة المدى، فقليل من التشاؤم لازم وضروري. في أكتر من دراسة توصلت إلى أن بعض الحالات من التفاؤل بتؤدي إلى تدهور العلاقة والحياة الزوجية لإن الطرفين ما اهتموش بوضع حلول مسبقة لمشاكل كان وارد هتحصل ما بينهم. تقريبًا هنا كانوا بيتكلموا عن نظرية ”التراب تحت السجادة“ عندنا.
متشائم سعيد خيرٌ من متفائل محبط!
على جانب آخر لازم ناخد بالنا أوي، إن التشاؤم غير الإحباط لإن ساعات بنربط الاتنين ببعض لسبب ما مجهول، الاتنين ماينفعش نخضعهم للمقارنة ببعض أصلًا. فالتشاؤم هو حالة، منظور الشخص بيشوف منه الحياة والدنيا حواليه ماشية إزاي. وفي ناس بتكون بطبيعة الحال متشاءمة لكنها سعيدة في حياتها وده مش عامل لها أزمة. لكن الإحباط هو شعور تجاه أي مما يحيطك وقد يصل لمرتبة المرض في بعض الحالات، فوارد يكون الشخص محبط وحزين لكنه متفاءل وعنده أمل إن الأمور تتحسن.
طبعًا كل الدراسات اللي بتتكلم عن مزايا التشاؤم لا تتعارض مع أخواتها التانيين اللي بتتكلم عن التفاؤل وأهميته كمنظور للحياة نفسيًا وجسديًا، يعني فيه أكتر من إن الدراسات أثبتت إن التفاؤل بيحمي من خطر التعرض لسكتة دماغية. بس لو ركزنا هنلاقي إن الفكرة أو الزتونة هنوصل لها لما ندرك إن الحياة بتحب المرونة. يعني ماينفعش تكون متشائم ولو دفاعي طول الخط ولا متفائل ولو استراتيجي طول الخط برضه. و”لو“ هنا عشان التشاؤم والتفاؤل أنواع. كل موقف في الحياة حاول تتعامل معاه بما يتطلبه هو والظروف والمعطيات.
فنحاول نوسع أفقنا ومايبقاش منظورنا للحياة أحادي عشان نقدر نكون سعداء ونتعامل مع الحياة بذكاء مايهدرش طاقتنا في عبث لا طائل منه وتتحقق لنا الراحة ونضمن برضه إن ماحدش يقفشنا بتهمة نشر مناخ كده ولا كده لا قدر الله.