.
نوّرها

ثنائية الجنس ولغز ”كاستر سيمنيا“ بطلة أولمبياد دي جانيرو!

كتبت: مها طـه

كاستر سيمنيا/ الصورة: wikimedia

في خلال متابعتي لأولمبياد ريو 2016، ولأني بحب أتفرج على ألعاب القوى وبهتم بيها، تحمست جدًا لما المذيع أعلن عن بدء سباق الـ800 متر عدو للسيدات. بدأت الكاميرا تمشي وتصور كل بطلة مع نبذة صغيرة عنها بتظهر على الشاشة، وفجأة انتابني إحساس غريب أول ما وقفت الكاميرا عند ”كاستر سيمنيا“!

سيمنيا عداءة جنوب أفريقية. الشكل والملامح رجولية جدًا ومش لمجرد كونها أفريقية فبتتميز بملامح حادة. لأ الملامح فعليًا ذكورية! وده اللي دفعني للبحث عنها وخصوصًا بعد فوزها بالميدالية الذهبية في السباق وبفرق يُعتبر كبير عن باقي المتسابقات.

“كاستر سيمنيا”: لغز ثنائية الجنس

لو بحثت وكتبت اسم كاستر سيمنيا في جوجل، هيظهر قدامك عدد كبير جدًا من المواقع الرياضية والعلمية والإخبارية اللي بتتكلم عن حالة ”كاستر سيمنيا“ وكتير غيرها من الأشخاص ثنائيّ الجنس.

ثنائي الجنس هو شخص مولود بتشريح تناسلي أو جنسي لا يتناسب مع التعاريف النموذجية للذكر والأنثى، مثلًا شخص مولود بشكل خارجي أنثوي لكن داخليًا ومن الناحية التشريحية غالبًا مماثل للشكل النموذجي للذكور، أو شخص مولود بأعضاء تناسلية غير واضحة هل هي لذكر أو لأنثى.

بمعنى تاني، ثنائي الجنس ممكن يكون بنت مولودة ببظر حجمه كبير بشكل ملحوظ أو بنت ماعندهاش فتحة مهبل، أو العكس ولد بقضيب صغير جدًا أو بكيس صفن منقسم وكأنه على شكل الشفتين، أو إن الخلل بيكون جيني، فتلاقي شخص بتحتوي بعض خلاياه على التركيب (XX) وبعض خلاياه على (XY).

في الحالة دي ولما بيتم الاستقرار على تحديد جنس مُعين زي ما هو في حالة ”سيمنيا“، بيكون في مشكلة وهي إن الجسم في الحالة دي بيفرز كميات أكبر من التستوستيرون الموجود طبيعيًا في الإناث، وده اللي أثار جدل حوالين سيمنيا من قبل مشاركتها في الأوليبمياد.

تسليط الضوء على القضية دي في ممارسة الرياضة، بدأ مع العدّاءة الهندية ”دوتي تشاند“ اللي تحدت القاعدة المفروضة على الرياضين أصحاب الحالات دي. القاعدة الرياضية كانت بتطالب ثنائي الجنس بتخفيض مستويات هرمون التستوستيرون لدرجة أقل من اللي وضعها الاتحاد الدولي لألعاب القوى، واللي تُعتبر الحد الأدنى النموذجي للرجال. كنتيجة للطعن على القرار ده، تم السماح للرياضين اللي بيعانوا من الحالة دي بالمنافسة في المناسبات الرياضية من غير تخفيض لهرمون التستوستيرون.

Duttee-Chand.jpg.pagespeed.ce.nXvE_0gRbq

بعد خفوت نجم ”تشاند“ تحول النقد والتساؤل كله ناحية حق ”سيمنيا“ في ممارسة الرياضة والمشاركة في الأوليمبياد وبطولة العالم وغيرهم، وبدأ الهجوم فعليًا والتساؤل عن حق ”سيمنيا“ في المشاركة بعد فوزها ببطولة العالم لألعاب القوى في برلين سنة 2009.

النقاش المُحتدم كان ومازال بيتمثل في تأثير التستوستيرون على سيمنيا، وهل فعلًا بيعطي ميزة تنافسية؟ لكن السؤال الحقيقي المفروض يكون: وإيه المشكلة لو حتى التستوستيرون الزيادة يعتبر ميزة تنافسية؟!

من المعروف مثلًا إن سباقات العدو بيسيطر دايمًا عليها اللاعبين واللاعبات الأفارقة حتى الأمريكان بيكونوا من أصول أفريقيا، وده لأن الأفارقة بيتمتعوا فعليًا بمميزات جسدية وفسيولوجية بتخليهم أقدر على التنافس في ألعاب القوى من غيرهم، زي مثلا فكرة كبر حجم الرئتين واللي بيكون نتيجة لارتفاع دول أفريقيا كتير عن سطح الأرض، وبالتالي التنفس فيها بيحتاج لمجهود أكبر ونَفَس أطول. مش دي ميزة تنافسية؟

طبعًا إحنا في المنافسات اللي من النوع ده بنحب نقول إننا مؤمنين بفكرة تكافؤ الفرص لكن فعليًا تكافؤ الفرص مجرد أسطورة. يعني مثلًا أوليمبياد ريو شارك فيها 207 دولة، لكن هل كلهم داخلين ينافسوا على ميداليات وعندهم نفس الفرص؟

-قطعًا لأ، في 75 دولة بالفعل عمرها ما أخدت أي ميدالية، وطبعًا ده بسبب فروق كتيرة جدًا؛ أهمها الفروق الاقتصادية وتوافر ميزانية للرياضة، ونشر ثقافة ممارسة الرياضة من الأساس، ولذلك فكرة تكافؤ الفرص هنا ممكن تكون مضروبة بالنار أصلًا. أما بالنسبة للحالة اللي بنتكلم عنها ففعليًا هي حالة فطرية بيتولد بيها الشخص، والعلماء مازالوا في بداية محاولات فهم الحالة دي.

الباحثين وجدوا بالفعل ارتباط ما بين الأداء البدني وأكتر من 200 اختلاف جيني، في أكتر من 20 اختلاف جيني منهم مرتبطين بس بألعاب القوى. الاختلافات الجينية دي ممكن بفضلها يتحسن الأداء البدني، واللي ممكن تكون في الطول وتدفق الدم وكفاءة التمثيل الغذائي والكتلة العضلية وتكوين الهيكل العظمي وتحمل الألم ومقاومة التعب والقوة والسرعة والتحمُل والقابلية للإصابة وكفاءة التنفُس ووظائف القلب كمان.

وطبعًا كل الصفات المختلفة دي مستحيل تكون عائق قدام حد إنه يشارك في المنافسات الرياضية، بالعكس ده كل ما كان بيتمتع بمميزات ”طبيعية“ أكتر، كل ما كنا بنعتبره بطل أكتر.

طفرة الميدالية الذهبية

”ييرو مانتيرانتا“ لاعب فنلندي أوليمبي فاز بـ7 ميداليات في الأوليمبياد الشتوي في لعبة التزلج على الجليدما بين سنة 1960 – 1968. لعبة التزلج على الجليد تُعتبر رياضة صعبة وبتتطلب قدرة تحمُل غير عادية ووجود عدد كبير من كرات الدم الحمراء اللي بتحمل الأكسجين للعضلات.

كتير من الرياضيين بيحرصوا على التدريب على ارتفاع شاهق أو النوم في غرف على ارتفاع كبير عشان يقدروا يدربوا جسمهم على انخفاض نسب الأكسجين وبالتالي زيادة عدد كرات الدم الحمراء عشان تنقل للجسم أكسجين أكتر، وفي أحيان تانية بعضهم بيلجأ لتعاطي المنشطات (هرمون الإريثروبيوتين أو EPOR المسئول عن زيادة عدد كرات الدم الحمراء لكن في صورة صناعية).

1305766624050
اللاعب الفنلندي “ييرو مانتيرانتا” / الصورة: ويكبيديا

مانتيرانتا بقى ماكنش محتاج إنه يعمل أي حاجة من دي، لكنه كان بيعاني من حالة خلقية طبيعية مرتبطة ببعض الاختلافات في الجينات المسئولة عن تخليق هرمون (EPOR). الحالة دي بتخلي جسم مانتيرانتا ينتج طبيعيًا كمية أكبر من كرات الدم الحمراء في الرجل العادي بـ65%، وعشان كده الطفرة الوراثية الموجودة عنده كانت بتتوصف بطفرة الميدالية الذهبية.

حالة مانتيرانتا ماتفرقش كتير عن حالة سيمنيا _لاعبة جنوب أفريقيا_ الاتنين أشخاص اتولدوا بخلل جيني ما، خلاهم يتمتعوا بقدرات مختلفة عن الباقيين لكن طبعًا لولا حبهم للرياضة وممارستهم ليها مكانوش هيوصلوا لأي شئ مميز. وفي الحقيقة في كتير من البشر بيتمتعوا بقوى ”خارقة“ فعليًا بسبب بعض الطفرات الجينية اللي اتولدوا بيها أو اكتسبوها، ومع ذلك هما مش أبطال رياضيين.

اعرف أكتر| “الطفرات سلاح القوى الخارقة لدى البشر” من هنا

في النهاية مش من حق أي شخص المصادرة على ”كاستر سيمنيا“ أو غيرها من الأشخاص اللي بيتمتعوا بقدرات بيولوجية مختلفة عن غيرهم. فلو اتمنعت سيمنيا من ممارسة الرياضة والاشتراك في النوعية دي من المنافسات بسبب طبيعتها اللي اتخلقت عليها، فهيبقى لازم إن كل اللاعبين واللاعبات اللي بيتمتعوا بقدرات طبيعية فطرية مختلفة يتحرموا بقى تمامًا من ممارسة الرياضة هما كمان، الأمر المستحيل تنفيده طبعا، ولا من حق أي شخص في العالم.

المصادر: isna  newscientist  independent  sportsscientists

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى