.
ليه وإزاي؟

معجزة الأكل .. طبق ملوخية يحميني من الاكتئاب؟

كتب: أحمد حسين

مبدئيًا، أنا بحب الأكل جدًا، بحبه بكل أنواعه وأشكاله، وبحب أجرب الجديد فيه، وبحب الطبخ وخلط حاجات جديدة ببعضها وأشوف هيطلع منها إيه، شكل الأكل لوحده بيسعدني. ورغم إنه بيسعدني، ودي حاجة خاصة بالمشاعر أهيه، بس عمري ما فكرت إن الأكل له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمشاعر.. فهل الأكل مفيد فعلًا لصحتنا النفسية ومشاعرنا؟

الأكل عذاء المعدة والروح والمخ

خلينا نتفق على حاجة في البداية، نفسية البشر معقدة جدًا، كذلك الأمراض النفسية، معقدة جدًا جدًا، وممكن تتأثر بحاجات مالهاش علاقة ببعض، زي الوراثة وطريقة الحياة (Lifestyle) وطريقة التربية وممارسة الرياضة وكمان النظام الغذائي (الدايت) الخاص بيك. علشان كده الأكل بيدخل في نطاق الحاجات اللي بتأثر علينا نفسيًا.

ورغم كده مابنبصش عليه من الزاوية دي، ومفيش اهتمام حقيقي بيه، كجزء أساسي من صحتنا النفسية، لأننا مركزين أكتر مع الاهتمام بيه علشان صحتنا الجسدية، وده شيء مش غلط طبعًا، بس يعني الأكل أهم من كده بكتير يا جماعة، الأكل ده شيء بديع فعلًا مش مجرد حاجة بنعملها علشان نعيش اليوم بيومه وخلاص.

مثلًا، زي ما بتقول د. إيفا سيلهوب على موقع جامعة هارفرد، إننا لو تخيلنا الجسم زي العربية، فالمخ هو الموتور، بس الفرق بين الاتنين، إن الموتور بيبّطل، لكن المخ بيشتغل 24 ساعة، لأن المخ بيجدد الخلايا وبينشّط النواقل العصبية أثناء النوم، لذلك بيحتاج أكسجين وغِذا، وبياخد ده من أكلنا.

الصورة: FreeStockPhotos.biz

طيب، ده معناه إننا بنحتاج الفيتامينات والبروتينات والألياف الطبيعية، مش بس علشان نبني عضلات جسمنا، لكن علشان نساعد المخ على إنه يشتغل بصورة كويسة. لذلك بتلاقي أغلب المصادر العلمية بتحاول تقول لنا نبعد عن الأكل السريع، مش علشان طعمه وحش، لكن أكله بصورة يومية مابيمدّش جسمنا ولا مخنا بالغذا اللي بيحتاجوه، لأن الأكل ده فيه نسبة دهون وسكريات أكبر من اللي الجسم بيحتاجها.

الدليل على ده، إن نسب الجلوكوز في الدم (سكر الدم) بتأثر على تفكيرنا وإدراكنا بشكل واضح، يعني لو نقصت بتخلينا مش مركزين وحاسين بالضغط والإرهاق والعصبية، ولو زادت عن الحد بنحس بنفس الأعراض تقريبًا، لذلك بينصح أغلب الدكاترة بمراقبة نسبة الجلوكوز في الدم، ومراقبة مقدار السكر اللي بنتناولها كل يوم، اللي يُفضّل تكون قليلة، أو بمعنى أدق مناسبة ليك لا عالية أوي ولا قليلة أوي.

تمام، إحنا فاهمين إننا يُفضّل ناكل وجبة متوازنة، فيها ألياف طبيعية وحبوب وبروتين وفيتامين، ونقلل السكر والزيوت المهدرجة.. ده إيه علاقته بصحتنا النفسية؟

طبق الملوخية يحميني من الاكتئاب

في قصة غريبة شوية، اتنشرت على موقع “Healthline” بتحكي عن بنت أمريكية اسمها “جين جرين”، اشتخصت بالاكتئاب واضطرابات القلق وهي عندها 14 سنة. في الأول ماكانتش عارف تتقبل الأمر، وفضلت فترة حياتها ملخبطة، بما في ذلك نظامها الغذائي طبعًا، بس الموضوع ده اتصلح لما وصلت 23 سنة.

اللي حصل إنه اتكلمت مع صديقتها خبيرة التغذية “أوتم بيتس”، فصديقتها نصحتها بنظام عذائي جديد وصعب شوية، بيلزمها إنها تتخلى عن الحبوب الكاملة (الرز كمثال) ومنتجات الألبان، وتقلل من السكر، وتكتّر من الأكل اللي فيه دهون صحية زي السمك، وتركز في أكلها على الخضار بشكل أساسي.

“جرين” قالت إنها في الأول حست إن ده جحيم، بس بعد أيام قليلة، حسّت بتحسن في مستوى الطاقة، أصبحت بتبذل مجهود أكبر من غير ما تتعب بسرعة، وتركيزها بقى أعلى، وحست إنها مابقيتش بتحس بالقلق زي قبل كده، لذلك، قررت إنها تتبع النظام الغذائي ده. هل فعلًا النظام الغذائي يقدر يساعدك في علاج الاكتئاب أو القلق؟

الحقيقة إنه مايقدرش لوحده. الأكل يقدر يحسّن مودك، أو يخليك تفرح وتبتهج، بس مش لوحده، ولازم تزور طبيب نفسي مع خبير التغذية، علشان تقدر تكون متأكد من إن أعراض مرض زي الاكتئاب مابقيتش موجودة فعلًا. لكن ماحدش يقدر ينكر دور الأكل في إنه يحسّن من مودك، وفي دراسة يابانية اتكلمت عن ده.

الدراسة اتعملت في اليابان سنة 2004، بتتكلم عن علاقة الأكل والبكتيريا المفيدة الموجودة في المعدة، بتقليل التوتر وبعض أعراض الاكتئاب، عن طريق إرسال الإشارات عبر العصب المبهم (Vagus Nerve) الواصل بين المخ والجهاز الهضمي، وكانت دراسة قلبت الأوساط العلمية، للدرجة اللي تخلي موقع بي بي سي يعمل عنها تقرير في 2018، باعتبارها أحد أهم الدراسات اللي ربطت بين الأكل والتأثير على المزاج عن طريق البكتيريا دي.

الميديترينيان دايت هو الحل؟

طبعًا الدراسة اللي ذكرناها دي، خلّت بعض العلماء يدوروا على النظام الغذائي اللي ممكن يكون مفيد في تحسين الحالة المزاجية أو الموود، وبعضهم رجّح النظام الغذائي المتوسّطي (Mediterranean Diet)، وده نظام بيتّبعه أغلب الدول اللي بتطّل على البحر الأبيض المتوسط، وكمان بلاد الشام، واللي بتعتمد على الحبوب الكاملة والسمك وزيت الزيتون والخضار واللحم الأحمر بس بصورة أقل شوية، وبيقللوا من السكريات وبعض منتجات الألبان المُصنّعة أو اللي بنقول عليها الجبنة المطبوخة.

طبعًا الكلام ده مش معناه إن مفيش نظم تانية أفضل، فيه بس يُفضّل طبيب أو خبير التغذية يقول إيه الأنسب ليك. كمان مهم جدا نقول، إنه الامتناع عن الأكل مش حل، وعند مراحل معينة بيكون له تأثيرات مضرة، زي كُتر الأكل ويمكن أكتر، وبيأثّر على نسبة البروتين والجلوكوز في الدم، وبيخلينا زي ما قولنا في حالة مضطربة جدًا.

اعرف أكتر| الامتناع عن الأكل: هل لو بطلنا ناكل فعلًا هنموت؟

الصورة: Flickr

وأهم حاجة في الموضوع كله، هو تظبيط كمية الأكل اللي بنستهلكها يوميًا، يعني المشكلة الأكبر مش في نوع الأكل بالأساس، لكن في الكميات الكبيرة اللي بناكلها على مدار اليوم، في أوقات بعيدة عن بعض، لدرجة إن جسمنا بيخزنها على إنها دهون، لأنه بيفهم إننا في مجاعة من كتر ما بنبعد الوقت بين الفطار والغدا مثلًا، فجسمنا يتملي دهون متخزنة على الفاضي، ومابحرقهاش لأن أغلبنا -للأسف وأنا منهم- مابيمارسوش الرياضة بشكل مستمر.

العيش والملح يحمينا من الأمراض

نيجي بقى لحاجة مهمة جدًا بالنسبة لي، وهي الأكل بين الصحبة والأحباب. الأمر ده يمكن يكون مش مهم للبعض، لكنه، بشكل شخصي بيمسّني، أنا مابحبش أكل لوحدي، لازم يكون في حد أشاركه بالكلام والأكل، لأنه بيحلى أكتر لما بنكون مجموعة، والضحك بيزيد، من السيراتونين اللي بيعلى من الأكل، وكمان من القلش والهزار.

سنة 2017، اتنشرت ورقة بحثية بتتكلم عن الأثار الصحية السيئة اللي بتنتُج عن الأكل لوحدك، منها مثلًا “متلازمة الإيض – Metabolic Syndrome”، وده مرض بيجي عادة بسبب السِمنة وزيادة الوزن، وبيؤدي لاضطرابات في مستويات الكوليسترول والسكر في الدم، وممكن يوصل للإصابة بأمراض القلب وداء السكري. وده بالمناسبة مرض بيصيب الرجالة أكتر من الستات.

الصورة: Flickr

كمان، الأمر مرتبط بالصحة النفسية وعلاقتها بالاجتماعيات، لأن تفضيل الأكل لوحدك، ممكن تبقى مرتبطة باضطراب نفسي ما، زي الاكتئاب مثلًا. طبعا مش بقول إن كل شخص بياكل لوحده بالضرورة مصاب باضطراب، لكن الموضوع عمومًا بيكون غريب بالنسبة لحد زيي بيستمتع أكتر بإنه ياكل وسط ناس بيحبهم.

في النهاية، سواء بتحب الأكل أو لأ، ممكن تفكر تشارك المقال مع واحد صاحبك، وأطلب منه يعزمك على أكلة حلوة، وأظن إنك لو ماكنتش بتحبه هتغير رأيك، ولو بتحبه بقى، قول لصاحبك يعزمني معاكم والنبي.

وفي نهاية المقال، لازم أوجه شكر خاص للدكتور همام يحيى، على البوست اللي كتبه عن نفس الموضوع، وفتح لي مجال أكبر ومساحة أوسع من البحث عن العلاقة بين الأكل والصحة النفسية.


المصادر: harvard mind healthline bbc time mayoclinic

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى