.
ليه وإزاي؟

اندفاع المشاعر: هل نحن دُمي في يد مشاعرنا؟

كتب: أحمد حسين

الصراع بين العقل والقلب بادئ من زمان، يمكن من أيام الإنسان الأول. خلينا نكون أدق في التعبيرات، ونقول إن الصراع هنا مجازي، لأنه في النهاية كل شيء بيتم في المخ، والقلب مالوش علاقة بالمشاعر، لكنه بيُستخدم مجازًا للدلالة على المشاعر، فخلينا نقول إن الصراع بيكون بين المنطق أو التفكير المنطقي وبين المشاعر.

الصراع ده بيتم بشكل غالبًا ما يكون لا إرادي، يعني إنت بتبقى غضبان فبتعبّر عن غضبك ده في نفس اللحظة، عن طريق بقى إنك تزعّق أو تخبّط في الأشياء اللي حواليك أو حتى تاخد بعضك وتمشي، أو بتكون حزين فبتبكي وبتعبّر عن حزنك، ولو فرحان بتضحك أو بتبكي برضه، يعني عمومًا بتعبر عن الشعور دون أدنى إرادة من التفكير المنطقي في اللحظة دي.

التصرّف ده بيُطلق عليه اسم اندفاع المشاعر، وده شيء موجود عند كل البشر تقريبًا بس بدرجات متفاوتة، ناس مشاعرهم بتندفع بسرعة وبتهدى بسرعة، وناس مشاعرهم بتندفع ببطء شديد لكنها بقوة ومابتهداش لفترة طويلة. بس بشكل عام لازم المشاعر تندفع في لحظة من اللحظات، وتحركنا تجاه التعبير عنها، فهل ده معناه إننا أصبحنا دُمي في يد المشاعر؟ هل ده معناه إننا مش «عاقلين» أو مابنفكرش بشكل منطقي؟

العقل vs. القلب ما بين أفلاطون وإسبينوزا

السؤال ده شغل دماغ فلاسفة كتير من زمان، من ضمن هؤلاء كان أفلاطون، واللي كان رأيه في المشاعر إنها شيء بيسبب عبودية للبني آدم، وقال إن الحب مثلًا بيخلي الشخص يتصرف زي العبد المجنون، آه بيحس إنه مبسوط لكنه مش مدرك إنه ببساطة عبد لشيء لا حيلة له فيه، وكمان مجنون وماعندوش عقل يفكر به بشكل منطقي حتى.

اعرف أكتر| اللامفرداتية.. أو العيش بلا مشاعر!

ومعظم فلاسفة اليونان القدماء كان لهم نفس الرأي ده، وكانوا بيشوفوا إن المشاعر دي شيء يحتاج لترويض من العقل أو التفكير المنطقي، علشان العقل نفسه يتحرر والإنسان يفكر صح. في القرن السابع عشر، جيه فيلسوف هولندي اسمه «باروخ سبينوزا»، وقال كلام عكس ده خالص. سبينوزا كان رأيه إننا لو حسينا بالشعور المناسب في الوقت المناسب، ده هيخلينا قادرين على الوصول لأهدافنا.

معناه إيه الكلام ده؟ يعني مثلًا لو كنا في غابة ما ولقينا ثعبان، هل التصرف السليم في الوقت ده هو إننا نقرّب منه بدافع الفضول والتفكير في ماهيته وشكله وسلوكه؟ ولّا الأفضل إننا نهرب؟ الهرب ده بقى هيتم عن طريق شعورنا بالخوف، يعني في الحالة دي الشعور أتى قبل التصرّف، والشعور ده أنقذنا من خطر وشيك.

في الوقت الحالي، معظم علماء النفس موافقين على منهج سبينوزا ورؤيته تجاه المشاعر، وبيشوفوا إن المشاعر، هي الوسيط بين دافع الإنسان وبين أفعاله. في القرن التاسع عشر، تشارلز داروين عالم التاريخ الطبيعي والجيولوجي البريطاني الشهير، عمل تجربة على موضوع رد الفعل المفاجئ أو اندفاع المشاعر ده.

داروين في يوم من الأيام، جاب شيء أشبه بالشنطة، وحط فيها ثعبان وسابها في مكان تواجد الشمبانزي، بعد شوية جيه شمبانزي وبص جوه الشنطة بدافع الفضول، ولما لمح الثعبان فضل يصرّخ وبعِد عن الشنطة، وبعد فترة من الهدوء رجع تاني بص في الشنطة ولقى الثعبان برضه فعاد نفس المشهد. كل ده وداروين واقف بيراقب القصة كلها، وفي النهاية استنتج إن الخوف سبب في تطوّرنا.

المشاعر ومد حبال دُمي الماريونت

يعني إيه الخوف سبب تطوّرنا؟ يعني الخوف هو اللي خلانا عايشين لحد ما نتطوّر ونبقى بالشكل اللي إحنا عليه حاليًا، لأن زمان البشر كانوا عايشين وسط أماكن مفتوحة وعايش فيها حيوانات مفترسة، وعناكب سامة بقى وثعابين، يعني الموت جاي من كل مكان.

في الوقت ده كان كل اللي محتاجة الإنسان هو إنه يبقى متيقّظ لأي هجوم جاي عليه، وهيكون متيقّظ إزاي؟ الإجابة كانت الخوف، الخوف خلى الإنسان عنده استعداد دائم لحالة الاشتباك أو للهرب حسب إمكانياته في ذلك الوقت، وده اللي خلانا عايشين لحد دلوقتي باختصار.

اعرف أكتر| الخوف من الظلام كمحفز أساسي للبقاء!

طبعًا في مشاعر تانية ساعدتنا في البقاء، زي مشاعر الحب والرعاية، خلتنا ننشئ روابط اجتماعية قوية، وده برضه سبب من أسباب بقائنا لحد دلوقتي، لكن الخوف كان السبب الرئيسي. لكن خلينا في السؤال الأساسي، هل ده معناه _برضه_ إننا مجرد دُمي في يد مشاعرنا؟ الإجابة بشكل مباشر وواضح لأ.

«ستيفن أسما»، أستاذ الفلسفة في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، ومعاه الباحث «جلين كوران»، كان رأيهم واضح في النقطة دي، وهو إن المشاعر مابتحولناش لدُمي ولا حيوانات، أولًا لأننا _من الناحية التشريحية والتطوّرية_ كائنات أكثر تطوّرًا، وبنمتلك قشرة حديثة (Neo Cortex) متطوّرة عن الحيوانات أو بمعنى أدق الرئيسيات من الثدييات، وده بيخلينا نشعر بشكل أكثر تعقيدًا منهم، وبيخلينا كمان عندنا اختيارات تجاه الأمر ده، يعني ببساطة بيخلينا قادرين نفكر ونستغنى عن شيء مقابل شيء آخر، أو نرقّي شعور على حساب شعور آخر لمجرد إننا نشوف إن مصلحتنا مع الشعور ده، ودي حاجة مابتعملهاش الكائنات التانية.

بشكل نهائي، إحنا مش دُمي في إيدين المشاعر، بل على العكس، إحنا لو اتغلبنا على مشاعرنا هنتحول فعلًا لدُمي ميكانيكية، بتاكل وتشرب وتنام وتشتغل بشكل روبوتي كده، وده شيء ماسخ بكل صراحة، لأن جزء من فكرة البشرية هو إنها تكون مُحمّلة بكم من المشاعر المختلطة، أو حتى المشاعر الواضحة، اللي هي بتكون جزء من اختياراتنا وطموحتنا تجاه الحياة، المهم يكون في مشاعر علشان دي اللي بتخلينا نحس إننا بشر مش مجرد آلات.


المصادر:  scientificamerican  verywell

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى