.
ليه وإزاي؟

هوس الكاميرا .. بنشوف الحياة بعيوننا ولا بعدسة الكاميرا؟

عن أسباب دفعت أغلبنا لتوثيق حياتنا "افتراضيا" على السوشيال ميديا

كتب: أحمد حسين

كنت مرة خارج مع أصدقائي، وراكبين العربية وماشيين في شارع عادي جدًا، بنغني مع أغنية “لأ لأ” ومبسوطين، فجأة حد فيهم اقترح إننا نعمل لايف (Live)، وطلع الموبايل شغّل الكاميرا الأمامية، وبدأ يرقص ويغني مع الأغنية اللي شغالة، ساعتها أخدت جنب وماشتركتش في ده، مش لأنه تصوير، بس علشان ده طالع لايف، حسيت إني خوفت، وفكرت في سؤال، هو ليه قرر يشارك الناس اللي عنده على أكونته (حسابه الشخصي) بهزارنا؟ هل ده شيء يستحق التوثيق أو المشاركة؟

هوس الكامير والتوثيق

الموقف اللي حكيته ده، هتلاقي شبهه كتير جدا. مواقع وجرايد ودوريات علمية مختلفة اتكلموا عنه. البي بي سي مثلًا عملت تقرير سنة 2013، عن تزايد الاهتمام بالسيلفي، اللي كان موضة وقتها، وموبايلات كتير طوّرت الكاميرا الأمامية اللي كانت مهملة علشان تناسب هوسنا الجديد بفكرة التصوير الذاتي دي.

والموضوع ماوقفش عند كده، لأ ده البعض بدأوا يدوا نصايح للتصوير الذاتي، وإزاي تظهر في أحسن صورة، كأنك من غير عيوب تقريبًا، تقف إزاي وتبص للكاميرا إزاي وتصور من أنهي زاوية، كل ده علشان تشارك أحسن صورة ليك مع الناس. ومع وجود اللايك على فيس بوك، والقلوب على إنستجرام، بدأ الهوس في التزايد.

الصورة: Colossal

وقتها بعض علماء النفس، قالوا إن اللايك بيعمل ما يُسمى بالـ “متعة الزائفة لنظام المكافأة – Pseudo Pleasure of Reward System”، ونظام المكافأة ده عبارة عن مجموعة نواقل عصبية في المخ، مسؤولة عن المتعة والتحفيز والرغبات والتعزيز الإيجابي، ودي اللي بتشتغل مع أكلة حلوة، أو علاقة حميمية، أو الفوز بحاجة نفسك فيها، أو المخدرات.

العلماء شرحوا إن اللايك واللوف، وكل المكافأت اللي بناخدها على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بتحفّز النواقل العصبية الخاصة بنظام المكافأة، لذلك بنحس بالمتعة (اللي وصفوها بالزائفة)، وبنحاول نكرر تاني اللي عملناه علشان نحصل على المتعة دي، زي إننا نحط صور لينا، وصور غريبة ومضحكة، أو نحكي حكايات فيها مفارقات مضحكة.

طبعًا الكلام ده مشروع جدًا وجميل، لكن بيبدأ يبقى مزعج أو مُقلق لما يدخل في الهوس، زي الهوس بجمع اللايك بأي طريقة، حتى لو كانت غير مشروعة. مثلًا، من ضمن أشكال هوس الكاميرا والتوثيق، إن حد يبدأ يصور حاجات المفروض إنه يستأذن أصحابها، وينشرها من غير حقهم في إنهم يرفضوا ده، علشان بس يحصل على بعض الانتباه.

الصورة: Pixabay

مثال واضح على ده، في فيلم “Nightcrawler 2014” إخراج دان جيلروي، اللي بيحكي قصة شخص عنده خلل اجتماعي ما، عايش لوحده ومابيتواصلش مع البشر، بيلاقي شغل بيعجبه جدًا وبيناسب شخصيته، وهو إنه يبقى مصوّر متسلل، بيصور الحوادث والجرائم من داخل الحدث، يعني لو في جريمة قتل، بيحاول يصور الجثث في أسرع وقت، علشان يلحق يبيع ده لقنوات الأخبار بمبالغ كبيرة.

اعرف أكتر| ما لم يقله مخرجي السينما عن السيكوباتي!

طبعًا دي ممارسة غير أخلاقية، لكنها في النهاية مطلوبة، وكل ما صوّر لقطات مزعجة وصادمة، كل ما اتباع الشريط اللي صوره بمبلغ أعلى. لو طبقنا ده على السوشيال ميديا -افتراضيًا يعني-، هتلاقي ناس بتعمل حاجات شبه كده، بتصوّر كل ما هو عجيب وصادم، وتألف قصص ماحصلتش، علشان بس تحصل على متعة الإعجاب والاهتمام.

صورتك مش شبهك

المؤلف الأمريكي دامون براون، بيحكي في كتابه “ظلنا الافتراضي – Our Virtual Reality”، عن فكرة هوس الكاميرا والتوثيق، وتفضيل الذاكرة الافتراضية للسوشيال ميديا عن ذاكرة المخ. في النقطة دي تحديدًا، ممكن يكون ده أمر إيجابي وسلبي، إيجابي لما يبقى لتسجيل لحظات عاوز تحتفظ بيها، وترجع له كل شوية، زي ألبومات الصور القديمة كده، زي ألبوم فرح الأب والأم، أو ألبوم طفولتك وأعياد ميلادك وزيارات جنينة الحيوان والملاهي.

أما الجزء السلبي، فبيظهر في فكرة إنه التوثيق أصبح أسهل بكتير، فبقى الأمر الموثّق أو اللي بنصوره مالوش قيمة مع الوقت، وبتقل قيمته كل ما زاد التوثيق، وبنحول لأشخاص بنتفاعل مع اللي بيحصل حوالينا، من خلال عدسة الكاميرا مش عيوننا. بس مش دي المشكلة الوحيدة.

الصورة: Grace Guru

على جانب آخر، في تأثير سيء عليك، وهو تأثير المتعة الزائفة، وتأثير أسوأ على غيرك، وهو الاحساس بإن حياتهم مش حلوة زي حياتك، لأنك بالتأكيد مابتوثقش اللحظات السيئة، أو على الأقل مابتحكيش كل اللي حصل، في اليوم اللي اتصورت فيه صورة حلوة، لأنه ممكن يكون سيء بس تطلع منه بصورة حلوة، هي اللي تظهر قدام الناس، فتظهر حياتك إنها حلوة وحياتهم سيئة. المشكلة إنك بتبدأ تخلق حياة افتراضية مش موجودة في الواقع، مفيهاش صعوبات ولا أيام مملة وعادية، لأن دي حاجات مابتجيبش لايكات.

وبالمناسبة، شركات الموبايل وإدارات السوشيال ميديا، مدركين تمامًا فكرة هوس الكاميرا والتوثيق، لذلك كل شوية بيطوّروا نفسهم علشان يبقوا قد مطالب الجمهور. وإدارات السوشيال ميديا كمان، فاهمين كويس إزاي ممكن يحوّلوا نفسهم لعادات داخل يومك، بدل ما يكونوا مجرد أداة بتساعدنا على التواصل، وبقينا نصحى نبص على الحسابات بتاعتنا والإشعارات (Notifications) قبل ما نعمل أي حاجة.

الصورة: Pixabay

ده معناه يعني إن السوشيال ميديا وحشة؟ لأ، ببساطة ماعنديش مشكلة شخصية معاها، بالعكس، هي مفيدة جدًا في التواصل وفي شغلي، وفي إني اطمئن على الناس اللي ماشوفتهمش بقى لي كتير، وفي إني كمان أعرف اللي بيحصل حواليا، ولو في عرض لفيلم نفسي أشوفه بعرف إنه بيتعرض، ودي كلها إيجابيات لطيفة جدًا بالنسبة لي.

لكن لما الموضوع يقلب هوس، ويبقى في شخص “بيسرق” كلام مش كلامه، أو صورة مش بتاعته، ويحطها على جروب مثلًا، علشان بس يحس بالمتعة الزائفة في نظام المكافأة، اللي بتشبه متعة المخدرات، فده معناه ببساطة إن في مشكلة كبيرة، وإن الموضوع محتاج نظرة تانية، قبل ما يتحول لإدمان، ويبقى استهلاك اللايكات هو الغاية، والوصول إليه يتم عن طريق السرقة والابتذال والكدب واستجداء التعاطف، لأن ده مؤشر سيء على إن الشخص ده، محتاج يشوف طبيب مختص، لو كان طلبه للإعجاب أو الاهتمام، مؤثر على حياته الاجتماعية أو شغله بشكل سلبي.

اعرف أكتر| 5 آثار مباشرة لاستخدام السوشيال ميديا على المخ


المصادر: bbc billbennett thejournal medium ted thecut psychologytoday

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى