.
نوّرها

الصابون المضاد للبكتيريا: بكتيريا أقوى ومناعة أقل!

كتبت: مها طـه

المكان: كلية العلوم جامعة حلوان، داخل أول سيكشن تشريح في مادة علم الحيوان. التوصيات من كل المعيدين كانت واحدة: “بداية من السكشن الجاي ولحد ما تتخرجوا إن شاء الله، أهم 3 حاجات في شنطتك هما البالطو الأبيض، وأدوات التشريح، والصابون المضاد للبكتيريا“.

على مدى 4 سنين وبما إني تخصصت بعد كده في علم الحيوان، يعني معامل تشريح لا نهائية، فكان الصابون المضاد للبكتيريا هو رفيقي الدائم اللي مش بيفارقني أبدًا. وفضلت الصابونة المضادة للبكتيريا هي الأقرب ليا لحد ما صدر قرار بمنع استعمالها من إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية!

“الصابون المضاد للبكتيريا” الضرر أكبر من النفع

يوم 2 سبتمبر 2016، أصدرت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) قرار بحظر استعمال 19 مادة بتدخل في مكونات الصابون المضاد للبكتيريا، وسمحت للشركات المنتجة للنوع ده من الصابون بمهلة مدتها سنة تقدر خلالها تتوقف عن إنتاج النوع ده من الصابون.

قبل ما نفهم السبب وراء المنع ده، لازم نتكلم شوية عن طبيعة الصابون في العموم وإزاي بينضف ويتخلص من البكتيريا والجراثيم المسببة للأمراض زي ما كل الإعلانات بتقول لنا.

بالرجوع لدرس الكيمياء في أولى ثانوي، فالجزيئات نوعين: قطبية (تذوب في الماء زي السكر) وغير قطبية (لا تذوب في الماء زي الزيت). الصابون بقى له طبيعة مزدوجة يعني فيها خصائص قطبية وغير قطبية، وده اللي بيخلي الصابون قادر على إذابة معظم أنواع الجزيئات، ومن هنا بتيجي قدرتها على التنظيف عمومًا.

أما بالنسبة للقضاء على الجراثيم المسببة للأمراض – غالبًا البكتيريا والفيروسات – فالصابون له تأثيرين: الأول كيميائي والتاني سلوكي. التأثير الكيميائي: ناتج عن الطبيعة المزدوجة للصابون، اللي بتخليه يقدر يدوب المواد اللي بتخلي البكتيريا والفيروسات تلزق على الإيدين، وبالتالي يبقى من الأسهل غسلها، والتأثير السلوكي بيكون على حضرتك، لأنك لما بتستعمل الصابون بتميل لغسل إيديك مدة أطول، عشان تحس إنك تخلصت فعلا من كل الجراثيم وبقت إيديك نضيفة فعلًا.

كل الكلام ده موجود في الصابون العادي زيه زي الصابون المضاد للبكتيريا بالظبط، طب يا ترى إيه الفرق اللي بيخلي السعر أضعاف؟ السر كله في المكونات اللي بتمنع البكتيريا المتبقية على الإيدين من التكاثر، ومن هنا بيتم التسويق لفكرة إنها حماية من 99.9% ولمدة أطول.

اعرف أكتر| المنظفات والبحث عن الـ0.01% جرثومة الناجية من الموت

بالمناسبة، الكلام ده بيمشي على البكتيريا بس، لكن مالوش أي تأثير على الفيروسات. وللسبب ده الصابون بيكون مضاد للبكتيريا تحديدًا مش أي حاجة تانية، والفضل لمادة “تريكلوسان – Triclosan” اللي جت على رأس قايمة من 19 مادة تانية تم حظرهم في بيان الـFDA.

التريكلوسان سلاح ذو حدين

في أول الستينات وتحديدًا 1964، كانت شركة “Ciba-Geigy” السويسرية هي أول شركة تنتج مادة التريكلوسان وبحلول سنة 1970، كانت المادة دي بتستخدم في جميع أنحاء العالم كمنظف جراحي بيستعمله الأطباء وطقم التمريض قبل العلميات. والنهاردة التقديرات بتقول إنه 3 من كل 4 من الصابون المضاد للبكتيريا بتحتوي على التريكلوسان كعنصر أساسي.

مادة التريكلوسان على ظهر أحد منتجات الصابون المضاد للبكتيريا/ صورة: flicker

التريكلوسان كمان بيعتبر من المواد المهمة والمفيدة جدًا في معجون الأسنان، والدراسات بتوضح إن معاجين الأسنان المحتوية عليه بتكون أكثر فاعيلة في مكافحة تكوين البلاك والجيوب الجيرية والتهاب اللثة من غيرها من معاجين الأسنان، لكن ده مش معناه إنه طالما حلو في حاجة يبقى حلو في المطلق.

من وقت ظهوره ولحد النهاردة، دايما كانت في مخاوف من استخدام التريكلوسان. من ضمن المخاوف دي، كانت وجود دراسات بتشير لتأثيره على الإشارات الهرمونية والعمليات البيولوجية في الحيوانات، ده غير وجود أدلة على إن تراكمه في البيئة المائية بيؤثر سلبًا على الطحالب اللي عايشة فيها، لكنه برضه ولحد اللحظة دي ماكنش له تأثير مباشر وواضح على البشر.

لكن مؤخرًا المخاوف زادت، بعد ما تم الإشارة إلى إنه ممكن يساهم في إنتاج بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، ومن المعروف أصلًا إن البكتيريا بطبيعتها، وبعد فترة من التعرض لمادة معينة، بتكوّن مقاومة ضدها وده اللي بيحصل مع التريكلوسان نفسه.

البكتيريا المقاومة للتريكلوسان بتحتوي على طفرة جينية في بروتينات غشاء الخلية (ENRs)، ودي البروتينات اللي بيتسهدفها المضاد الحيوي من الأساس، طبعًا بتراكم مادة التريكلوسان واستعمالها بشكل دائم ومفرط، البكتيريا بتبدأ تطور مقاومة أكبر تجاه المادة وبالتالي تجاه المضادات الحيوية.

اعرف أكتر| عصر ما بعد المضادات الحيوية.. المقاومة التي تهدد البشرية

ومن المعروف إنه مؤخرًا أصبحت فكرة البكيتيريا المقاومة للمضادات الحيوية واحدة من أهم القضايا الصحية المطروحة للنقاش ومحاولة إيجاد الحلول. وبما إن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) دورها الأساسي هو حماية الصحة العامة، فكان لازم التحقق من العلاقة بين مادة الترايكلوسان المستخدمة في الصابون المضاد للبكتيريا ومقاومة المضادات الحيوية.

وبالفعل بدأ التحقق من الأمر ده في 2013، لحد ما صدر قرار الحظر في 2016، مع مهلة سنة لتنفيذ القرار، لكن الحقيقة مانعرفش مصير القرار ده إيه لحد دلوقتي على الأقل هنا في مصر، وخصوصًا مع انتشار ثقافة القضاء على الجراثيم وإن الست الشاطرة هي اللي تجيب الصابون الغالي اللي بيقضي على 99.9% من الجراثيم.

الصابون العادي

في النهاية، ووفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض (CDC) فغسيل الإيدين بالماء والصابون العادي، بتقلل من وجود البكتيريا بنسبة 82% ودي نسبة عظيمة جدًا،  ومنها ممكن نفهم إن استعمال الصابون العادي في غسل الإيدين ميفرقش عن الصابون المضاد للبكتيريا، وبالعكس إحنا ممكن نؤذي نفسنا وبيئتنا عن طريق استخدام النوع ده من الصابون، واللي استعماله ممكن يكون سبب في زيادة الأمراض المناعية وضعف المناعة بشكل عام، لأن الجهاز المناعي بيتم تنشيطه عن طريق التعرض للبكتيريا ومسببات الأمراض.

اعرف أكتر | الجهاز المناعي.. اللي له ظهر ميضربش على بطنه


المصادر: healio  fda washingtonpost medicaldaily  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى