.
ليه وإزاي؟

الفوط الصحية: سلعة ترفيهية أم ضرورة صحية؟!

كتبت: مها طـه 
#مقال_رأي

صادفت من يومين فيديو عند صديقة بيصور مجموعة من السيدات الأمريكيات اللي قرروا يعترضوا على فرض ضرائب على منتجات العناية النسائية زي الفوط الصحية والسدادات القطنية (tampons). الفيديو بيعرض صور لسيدات قرروا يسيبوا دماء دورتهم الشهرية تسيل بشكل طبيعي ومن غير أي عائق، كشكل من أشكال الاعتراض وتوصيل فكرة إن المنتجات النسائية مش سلع ترفيهية عشان يتفرض عليها ضرائب بالشكل ده!

الفيديو ده تصادف مع انتشار خبر عن زيادة أسعار الفوط الصحية عندنا هنا وتبادل النقاشات غير المقتصرة على الستات والبنات حوالين فكرة كونها سلعة ترفيهية ولا ضرورة صحية لازم توافرها، طب إيه بدايلها وغيره. لقيت نفسي بتساءل، هو إحنا كمان نقدر نحتج ونعترض، ولا هنكتفي بالسكوت ولا اللي غير مقتدرة ماديا تلجأ للأساليب القديمة نرجع تاني لاستخدام قطع القماش القطنية القديمة؟

الفوط الصحية .. أزمة إنسانية

في ظل الأزمة اللي بتعيشها سوريا من 5 سنين، وما بين مشاكل وصراعات بين الدولة والتنظيمات الموجودة هناك، بتتجلى بشدة المآسي الإنسانية، وبالإضافة للقتل والخراب، بتظهر مشكلة اللاجئين كأزمة بتتطلب التدخل العاجل لتوفير أساسيات الحياة الآدمية في المخيمات اللي بيسكنها اللاجئين دول.

في تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية بتاريخ 4 ديسمبر 2015، كان بيتكلم عن مأساة بتواجهها اللاجئات بالإضافة لكل المآسي المتعلقة بالوضع هناك، وهي عدم توافر رعاية صحية كافية، وتحديدًا عدم توافر فوط صحية لكل العدد ده من السيدات اللي في سن ما بين 12 -50 سنة واللي كلهم بيحيضوا طبعًا!

وفقًا لواحدة من البنات في مخيم الزعتري بالأردن، واللي تحدثت للإندبندنت عن إن الفوط الصحية بتتوزع مرة كل 6 شهور على المخيمات، لكن الحقيقة العدد ده من الفوط الصحية بينتهي بعد شهرين بس، ده غير إن السيدات فوق الـ42 سنة بيتم استثنائهم من قواعد الحصول على الفوط الصحية.

مخيم الزعتري

وفقًا لتقرير تاني لوكالة الأنباء الفرنسية وقام بنقله موقع مصراوي، فالعاملين بمجموعات الإغاثة في سوريا قالوا إن الفوط الصحية اللي بيتم ارسالها للمناطق المحاصرة في سوريا أقل بكتير من حاجة السيدات في المناطق دي.نقص الفوط الصحية بالإضافة لنقص الغاز والماء وغيرهم، بيتسبب بالفعل في كارثة إنسانية، ومشاكل صحية خطيرة بدأت في الظهور والتفاقم كنتيجة للوضع ده.

وعلى الرغم من جهود اليونيسيف اللي أوصلت حوالي 84 ألف رزمة من الفوط الصحية _الرزمة بتحتوي على 10 فوط_ للمناطق المحاصرة في سوريا سنة 2016، مقارنةً بحوالي 17 ألف رزمة بس في 2015، إلا إن المشكلة لازالت قائمة، لأنه وبحسبة بسيطة يتضح إن عدد السيدات في المناطق المحاصرة واللي بيُقدر بـ860 ألف سيدة تقريبًا، ولو تلتين العدد ده محتاج فوط صحية، فالإجمالي هيكون إن المطلوب سنويًا هو حوالي 10 مليون فوطة صحية، بما يُعادل مليون رزمة تقريبًا!

الغريبة إن التقرير ده لما تم تغطيته عندنا من بعض المواقع الصحفية كانت تعليقات القراء بتهاجم ومستهجنة بشكل غريب! مش عارفة إيه يضايق ناس في تقرير أزمة عن نقص كتير من مستلزمات الحياة الضرورية واللي منها الفوط الصحية للاجئات!

الفوطة الصحية.. الصحة والمرض يبدأن هنا

معظم كلامنا اللي فات كان عن سوريا والوضع هناك، طب هنا بقى وعندنا، يا ترى مع زيادة سعر سلعة مهمة زي دي، إيه هي الحلول المطروحة؟ ويا ترى ينفع نستغنى عنها ونرجع لأيام زمان ونعتبرها فعلًا سلعة استهلاكية، واللي عاجبه الكحل يتكحل؟!

شكل من أشكال تطور الفوط الصحية

زمان كانت السيدات بتلجأ لوسائل مختلفة للحماية قبل ظهور فكرة الفوط الصحية بشكلها الحالي، بدأت باستخدام العشب وجلود الأرانب والأسفنج والأقمشة والخرق وأي مادة ممكن تمتص.

لكن ده كله كان بيتسبب في كتير من الأمراض والمشاكل الصحية للسيدات، نظرًا لقلة النظافة الشخصية، وعدم كفاءة المواد ده في امتصاص دماء الدورة الشهرية.

رجوعًا لواحدة من السيدات السوريات اللاجئات، قالت إنها كانت بتضطر تستعمل نفس الفوطة الصحية كذا مرة، بسبب عدم وجودها، وده تسبب في إصابتها بالتهابات فطرية ومشاكل مهبلية وآلام في الكلى في أثناء التبول.

خطر العدوى المهبلية 

أحد أخطر الأمور الصحية المترتبة على عدم وجود أو توافر الفوط الصحية هو الإصابة بالحالة الطبية المعروفة باسم Bacterial Vaginosis، وده أحد أنواع العدوى المهبلية، وبتحصل كنتيجة لتغيير البيئة البكتيرية الطبيعية في المهبل، ومن المعروف طبعًا إن المهبل زيه زي غيره من المناطق في الجسم، له بيئة بكتيرية خاصة بيه، وبتؤدي وظيفة مهمة في الحفاظ عليه.

تغيُر البيئة البكتيرية في المهبل بيؤدي لكتير من المشاكل الصحية، زي حدوث العدوى والالتهابات المهبلية، وانتقال العدوى كمان للجهاز البولي، نظرًا لقرب الجهازين من بعض، ده طبعًا غير الالتهابات الجلدية اللي ممكن تحصل في المنطقة المحيطة بالمهبل، وكل ده ممكن يؤدي لانتشار وانتقال الأمراض كمان عن طريق الممارسة الجنسية أو غيرها من الأمور نتيجة لنقص النظافة.

دم الحيض بيكون بالطبيعة مليان بالبكتيريا، وطبعًا مع وجود ترطيب طبيعي في منطقة المهبل وخصوصًا في فترة الحيض، فالبيئة مناسبة جدًا لنمو كل أنواع البكتيريا وغيرها من مُسببات الأمراض كمان، وعشان كدة دايمًا بتكون أحد أهم النصايح الطبية اللي يجب اتباعها، هي عدم ارتداء الفوطة الصحية لمدة أطول من 6 ساعات، وأحيانًا يُفضل تغييرها كل 4 ساعات، عشان نمنع أي تكاثر بكتيري ممكن يحصل، وفي بعض منتجات الفوط الصحة بتكون كاتبة التعليمات دي على غلاف المنتج … لكن ده في حالة كان متوفر وسعره في متناول اليد.

تخيلوا معايا بقى إن الكلام ده للي قادرة تشتري الفوط الصحية ، طب بالنسبة للي مش قادرة؟ الوضع الاقتصادي حاليًا لا يخفى على أي شخص، وفي ظل ارتفاع أسعار معظم السلع ومن ضمنها الفوط الصحية، بقى من الصعب على بعض الطبقات من محدودي الدخل توفير نفقات الأكل والمعيشة فما بالك بالفوط الصحية؟، واللي حتى أردأ أنواعها يُعتبر بالنسبة لبعض الفئات غالي أصلًا. ومن هنا هنرجع تاني لأول حاجة افتتحنا بيها المقل ونطرح السؤال الأهم هل فعلًا الفوطة الصحية سلعة ترفيهية؟

اعتقد إنه مفيش خلاف على إن الدورة الشهرية، هي حدث طبيعي بيحصل شهريًا لملايين وملايين السيدات في العالم كله، وبما إنه طبيعي، فمن الطبيعي توفير وسائل للتعامل معاه، يعني مثلًا عشان نقدر نوفر الزيت والسكر والسلع الأساسية عملنا منظومة مدعمة للتموين عشان نقدر نسد الحاجة الأساسية للأكل، لكن هل يا ترى ممكن في يوم من الأيام تنزل فوط صحية مُدعمة؟

اعرفي أكتر عن : ”الدورة الشهرية “ التي لا يجب ذكر اسمها! 

في الأغلب إجابة السؤال ده هتكون لأ، ومن وجهة نظري هيكون سبب لأ، هو إن السيدات بس هما اللي بيعانوا من المشكلة، في ظل تجاهل أو خلينا على الأقل نقول إنه عدم إدراك من الجنس الآخر لحجم المأساة اللي ممكن تعيشها ست بتشتغل وبتحاول توفر مصاريف الأكل والشرب والمدارس عشان تساعد جوزها وفي نفس الوقت، هي مضطرة تستعمل في فترة دورتها قماشة غالبًا هتعملها التهابات ومشاكل صحية،  لأ ويا سلام لو بالصدفة القماشة دي سربت منها.

هنا بنشعر كسيدات بنوع من الخجل من دورتنا الشهرية، وكأنها شئ عجيب مثلًا، أما الرجالة فغالبًا تعاملهم مع مشهد واحدة ست مع بقعة دم على هدومها هيتنوع ما بين  إنه يقول بامتعاض (إيه القرف ده؟) أو إنها هتكون مادة خصبة للسخرية ومش بعيد التغطية الإعلامية كحدث غرائبي صعب تصديقه، نظرًا لافتقاد الثقافة اللي تخلينا نتعامل مع هذه الأمور ككل بمنظور وأفق أوسع!

الدورة الشهرية حدث طبيعي وعادي، والفوط الصحية وسيلة عملية وحيوية للتعامل مع الفترة دي، استخدام الفوط الصحية ضرورة لتجنُب أضرار صحية كتيرة، الفوط الصحية مش سلعة استهلاكية من أجل الرفاهية، وبالطبع محدش مضطر يرجع يركب ناقة لمجرد إن في أزمة بنزين!


المصادر: ted  healdove  masrawy  independent  healthylife  thehealthsite

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى