.
ليه وإزاي؟

هل ممكن نعتمد على الإنترنت في تشخيص الأمراض؟

كتب: أحمد حسين

القريبين منّي عارفين أهمية جوجل عندي، لأني مابعتبروش مجرد مُحرك بحث عادي، بل كان في وقتٍ ما صديقي الشخصي، اللي ممكن اسأله عن أي حاجة، وألاقي عنده إجابة بالفعل. لسنين طويلة اعتمدت عليه في حاجات كتير، وصفات أكل وأسماء كتب وأبيات شعر وكلمات أغاني، وطرق تنظيف أشياء مختلفة وطريقة تصليح الموبايل لو باظ مني وغيره. كمان كنت ساعات بعتمد عليه في تشخيص حالتي لو حاسس بتعب ما في جسمي، بس مؤخرا بقيت بسأل نفسي هل اللي بعمله ده صح ولا غلط؟ وإلى أي مدى أقدر أعتمد على جوجل أو غيره في تشخيص مرض ما؟

الصورة: HiCare

دكتور جوجل أسهل وأسرع؟

حاليًا، أصبح التوجه كله للإنترنت في كل المجالات. كل حاجة أصبحت بتتعمل أون لاين من غير ما تروح أي مكان، فإشمعنى الطبيب مايكونش أون لاين هو كمان؟ وبالفعل بعض الشركات طوّرت برامج وتطبيقات للتشخيص، منهم مثلًا اللي يقدر يقول لك عن طريق الكاميرا، عن نوع الطفح الجلدي اللي في جسمك وعلاجه كمان. وليه لأ؟ في النهاية دي أداة أسهل وأسرع بكتير من المرواح للدكاترة.

بس للأسف، ده ماكانش نفس رأي الباحثين اللي عملوا دراسة جديدة نُشرت في جريدة “JAMA Internal Medicine”، واللي قالوا إن المرواح للدكاترة لا يزال أفضل على صحة المريض من فكرة التشخيص عبر جوجل والإنترنت. مع تأكيدهم بإن الأدوات الخاصة بالإنترنت والتطبيقات ممكن تساعد الدكاترة المحترفين على حسم تشخيصهم أو التأكّد منه على قد ما يقدروا يعني.

الصورة: Stillness Meditation Therapy Centre

الباحثين عملوا مقارنة لطيفة بين تطبيقات التشخيص والدكاترة، بإنهم إدّوا للدكتور التاريخ المرضي للمرضى، والأعراض اللي أصابتهم، وجاوبوا على الأسئلة اللي بتسألها تطبيقات التشخيص. في النهاية لقوا إن الدكاترة شخّصوا عدد 72% من المرضى بتشخيصات صحيحة، بينما تطبيقات التشخيص شخّصت عدد 34% فقط بشتخيصات صحيحة.

التطبيقات ومواقع التشخيص تضمّنت مواقع شهيرة زي WebMD و Mayo Clinic وAskMD وغيرهم. واللي خلّى الباحثين يفكروا في إجراء بحث زي ده، إن في جدل حوالين نسب التشخيص الصحيحة بين الأطباء، وهل فعلًا التطبيقات والمواقع دي ممكن تساعدهم في التشخيص بشكل أفضل؟

دكتور جوجل طلع فشنك يعني؟

الإجابة الحقيقة مش بالبساطة دي. على الجانب الآخر، الباحثون بعتوا حوالي 45 سيناريو سريري (سيناريوهات أمراض بتُستخدم في امتحان الدكاترة في التشيخص) لحوالي 234 طبيب بتخصصات مختلفة (باطنة وطب أطفال وغيرهم). السيناريوهات دي موجود معاها التاريخ الطبي ليهم والأعراض اللي واجهت المرضى.

اعرف أكتر| أنا مش روبوت يا جوجل!

وطبعًا وقتها اتساوت الروس بين الأطباء والتطبيقات، لأن الأطباء مايقدروش يعملوا تحاليل أو إشاعات مقطعية مثلًا، فبقى معاهم نفس المعلومات اللي مع تطبيقات التشخيص. السيناريوهات دي كمان كانت متنوعة، 15 منهم كانوا لأمراض خطيرة، 15 كانوا لأمراض متوسطة الخطورة، و15 كانوا أمراض روتينة بسيطة، بالإضافة كمان إلى إن 19 سيناريو من الـ 45 دول كانوا لأمراض نادرة وغير منتشرة.

الصورة: CBC

اتضح في نهاية البحث، إن الدكاترة قدروا يشخّصوا كل السيناريوهات تشخيصات صحيحة، لكن دقة تشخيصهم كانت أعلى في الأمراض ذات الأعراض المعقدة والملعبكة. في المقابل، تطبيقات التشخيص أظهرت قدر جيد من الدقة فيما يخص الأمراض المنتشرة واللي أعراضها بتكون أوضح ومفيش فيها أي تعقيد.

ليه بقى ظهرت النتيجة بالشكل ده؟ لأن التطبيقات أو المواقع الخاصة بالتشخيص، دايمًا مش هتقدر تشوف الصورة كاملة، أو على الأقل مش هتقدر تقول لك على تشخيص مُحدد أوي. مثلًا، لو كنت حاسس بدوخة، فده عرض مشترك ما بين أمراض كتير جدًا، من الأمراض البسيطة زي التهاب الأذن الوسطى، لحد الأمراض الخطيرة زي النوبات القلبية.

لو إنت بقى كتبت إنك حاسس بدوخة، وقريت إنك ممكن يكون عندك مرض من الاتنين دول، في الغالب هتحس بقلق شديد، لأنك مش عارف الموضوع بسيط ولا خطير ولا إيه بالظبط. ساعتها الموضوع هيرجع لتقديرك الشخصي، اللي لو كان خاطئ -لا قدّر الله- فده معناه إنك تسببت لنفسك في ضرر ما، ولو كان صح وجت معاك بضربة حظ، فيعني هيبقى ربنا سلّم المرة دي، بس المرة الجاية ماحدش عارف ممكن يحصل إيه.

الصورة: Flickr

زائد إن عَرَض بسيط زي الدوخة ده، ممكن الدكتور يطلب بسببه تحليل دم أو قياس الضغط أو غيرهم من التحاليل، اللي هتساعده في إنه يشخصك بتشخيص صحيح، أما التطبيقات والمواقع، فمفيش في إيديها إنها تطلب منك ده، وهتلاقي كل اللي بينصحوك بيه، إنك تحاول تروح لطبيب مختص، علشان يقدر يشخصك بصورة أدق.

يعني من الآخر، إنك تروح لدكتور متخصص أفضل من إنك تحاول تشخّص نفسك، خصوصًا لو ماكانش عندك معلومات طبية كافية. زائد إن الدكتور هيقدر يشوف الصورة كاملة، بالتحاليل والتاريخ الطبي وغيره، إنما الموقع للأسف مش هيبقى قادر يشوف ده.. على الأقل لحد دلوقتي.

اعرف أكتر| إزاي تتعامل صح مع الدوا بتاعك في البيت

الثورة الطبية التكنولوجية

بالنظر للي بيحصل في الأوساط التكنولوجية الطبية، فاللي جاي ممكن يغيّر شكل الطب تمامًا. حاليًا في محاولات لابتكار هواتف ذكية طبية، تقدر تعمل تحليل دم وتكشف على الأذن تشوف إذا كنت مصاب بعدوى أو التهاب، أو حتى تكشف على نظرك. ودي كلها حاجات تُعتبر ثورية جدًا وهتخلينا نبص للبحث اللي ذكرناه ده بصورة مختلفة.

الدراسة المذكورة كمان بتتفق على أهمية وجود تطبيقات ومواقع، تساعد الأطباء على التشخيص بشكل أفضل. ومش بس التشخيص، بل كمان التواصل مع المرضى وعائلاتهم عن بُعد. علشان يبقوا قادرين في أي وقت، يعرفوا هل المريض محتاج يتنقل للمستشفى بسرعة، ولا ممكن يكون محتاج رعاية طبية منزلية بسيطة مش أكتر. ده اللي أطلقوا عليه اسم “عصر المريض المُتصل – The Connected Patient Era”.

الموضوع ده معمول تحديدًا، علشان يساعد المرضى الكبار في السن وعائلاتهم على التواصل بسهولة وبسرعة مع الدكاترة، أو على الأقل مع تطبيقات ذكية تساعدهم على تنظيم حياتهم بشكل أفضل، والحفاظ على صحتهم لوقت أطول. زائد إن ساعات بيفضّل بعد كبار السن يعيشوا لوحدهم، سواء بسبب إنهم مش عاوزين يكونوا عبء على عائلاتهم، أو مش عايزين حد يتحكم في حياتهم. التكنولوجيا دي بقى، هتساعدهم على الاستقلالية دي، وفي نفس الوقت هتطمن عائلاتهم عليهم.

الصورة: AMA

على الجانب الآخر، اختلف د. ساتجيت بُسري، طبيب القلب في مستشفى لينوكس هيل في مدينة نيويورك، مع فكرة صعود التكنولوجيا في الأوساط الطبية، ومساعدتها في التشخيص، أو الاعتماد عليها في التشخيص الذاتي. وقال إنه مهما وصلت التكنولوجيا من ذكاء وسرعة، إلا إنها مش هتقدر تتفوق على “اللمسة الإنسانية”، اللي عن طريقها الطبيب بيناقش مع المريض الكثير من الحلول والخيارات المتاحة، وبيمشي معاهم في رحلتهم للشفاء خطوة بخطوة.

د. بُسري أضاف إن موضوع البُعد الإنساني ده أشبه بفن اختيار العلاج، ودي حاجة يصعب على الذكاء الاصطناعي عملها، لأنها بتحتاج إنك تشوف المريض بنفسك، وتتكلم معاه وجهًا لوجه، وتعرف ظروفه ومشاعره، علشان تقدر توصف له العلاج المناسب. وفي النهاية، سواء شايف إن د. بُسري صح، أو إن وجود الذكاء الاصطناعي في عملية التشخيص هو اللي صح، كل اللي يهمنا واللي يفرق معانا، إن الناس جميعًا يبقى ليهم الحق في العلاج والراحة، ساعتها دي اللي هتبقى ثورة طبية فعلًا.


المصادر: forbes  theconversation  sciencedaily

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى