نظرية التطوّر مجرد نظرية! (الجزء الثاني)
كتب : د.محمد فودة
ناقشت في المقال السابق الاعتراض الشهير علي نظرية التطور، بإدعاء أن الشمبانزي ليس جد الإنسان. في هذا المقال، سأناقش الاعتراض الثاني الشهير عليها، وهو أن نظرية التطور مجرد نظرية. تندرج تلك المقولة تحت تصنيف التلاعب اللفظي. دعونا أولًا نضبط المصطلحات، فإن تعريف النظرية في المطلق مختلف عن تعريف “النظرية العلمية”. تعريف النظرية العلمية هو ”النظرية العلمية هي تفسير مثبت لبعض أوجه الطبيعة، مبني علي مجموعة من الحقائق التي تم تأكيدها مرارًا عن طريق الملاحظة والتجربة. تلك النظرية المدعمة بالحقائق ليست مجرد ”تخمين“، ولكنها تفسير معتمد للعالم الحقيقي“.
إذًا، فالطريقة العلمية تتطلب وضع مثال، ثم إجراء تجارب لإثبات صحته من عدمها. فإذا جاءت كل التجارب إيجابية وقابلة للقياس والتكرار، أصبحت النظرية العلمية مرادف للحقيقة العلمية. أما إذا أثبتت التجارب عدم صحة المثال، فإنه يُعَدَل أو يُترَك لصالح مثال جديد. إذًا، فإن تجربة واحدة محترمة كفيلة بهدم النظرية من أساسها.
دعنا قليلًا من داروين و التطور. فلنأخذ نظرية النسبية لأينشتاين مثالًا. بُنيَت النسبية علي معادلات رياضية بدون أي تجارب تثبتها، ثم مرت السنين وأثبتت جميع التجارب صحة النسبية حتى اليوم. وبعد مرور ١٠٠ عام، لازالت النظرية تثبت صحتها- من أول انشطار الذرة إلى ثبوت صحة موجات الجاذبية (-(gravitional waves. إذًا، لا يصح أبدًا أن يأتي شخص- ناهيك عن شخص غير متخصص في الفيزياء- ليدّعي أن النسبية “مجرد نظرية”، لأن النسبية حقيقة علمية متفق عليها.
من نفس المنطلق، أكّدت كل التجارب صحة نظرية التطور حتى أصبحت هي الحقيقة العلمية الوحيدة المعتبرة لتفسير تنوع صور الحياة علي كوكب الأرض. دعنا نتفق أن نظرية التطور لا تقدم الإجابة علي سؤال: “كيف بدأت الحياة علي كوكب الأرض؟”، ولكنها معنية فقط بأسباب تنوع الحياة والكائنات حتى وصلنا لأكثر الكائنات تعقيدًا وهو الإنسان.
وجب هنا أن أشير أن التعامل مع نظرية التطور هو تعامل بأثر رجعي، تمامًاً مثل المحقق الذي وصل إلى مسرح الجريمة بعد حدوثها، وبدأ في جمع الأدلة والقرائن حتى وصل إلي تصور كامل عن كيفية وتوقيت حدوث الجريمة والمتهم الرئيسي.
إن إثبات نظرية التطور جاء نتيجة لتراكم أبحاث علمية في مجالات عديدة: من علم الحفريات، إلي علوم الجيولوجيا، إلي علم الوراثة والأجنة، وعلم التشريح المقارن، والتجارب العلمية علي الانتخاب الصناعي والطبيعي. طبعًا لا يتسع المجال لذكر تلك الحقائق، ولكن سأحاول في مقالات قادمة تقديم بعض الأمثلة منها.
وفي النهاية دعني اقتبس من كتاب أصل الأنواع لداروين تلك العبارات التي تلخص نظرية التطور:
“There is grandeur in this view of life, with its several powers, having been originally breathed into a few forms or into one; and that, whilst this planet has gone cycling on according to the fixed law of gravity, from so simple a beginning endless forms most beautiful and most wonderful have been, and are being, evolved.”
“هناك روعة في تلك النظرة للحياة، من خلال قواها المتنوعة التي نشأت من خلال بضعة أنواع أو من نوع واحد؛ و بينما الكوكب كان يدور طبقًا لقانون الجاذبية الثابت، من خلال تلك البداية البسيطة، تطورت ولازالت تتطور أنواع بديعة ومبهرة لا حصر لها”.