.
ليه وإزاي؟مشاركات حرة

”يعمل إيه التعليم في وطن ضايع ؟ “ .. لأ إحنا نسأل اليابان!

كتبت: مها طـه

جرب تمشي في الشارع كدة وتسأل أي طالب يا ترى إيه فايدة التعليم اللي بتتعلمه، غالبًا هتلاقي إجابته بتدور حوالين الوظيفة الكويسة، أو إني عاوز أخد الشهادة وأسافر، أو عشان ماما وبابا يبقوا فخورين بيا وبشهادتي، الغريب بقى إنك نادرًا ما هتلاقي إجابة ليها علاقة بأهمية العلم والتعليم في حد ذاتهم.

طبعًا الوضع التعليمي عندنا لا يخفى على عاقل، من أول حشو المناهج بكل ما هو بعيد عن التفكير العملي والمنطقي، لحد المنظومة التعليمية كلها، واللي محتاجة الحقيقة لإعادة بناء من الأول وعلى أُسس علمية ومنهجية سليمة. النهاردة بقى فوجئت بالسؤال ده قدامي، إيه فايدة التعليم في بلد ضايع؟

اليابان ونموذج التعليم في البلد الضايع

قبل الحرب العالمية التانية اعتمدت اليابان علي نظام التعليم العسكري، وده بالطبع كان نابع من الظروف السياسية والأيدولوجية اللي كانت بتسود اليابان في فترة ما قبل الحرب العالمية التانية، وبعيدًا عن التفاصيل المتعلقة بالحرب والسياسة ومين عمل إيه، كانت أحد أبرز النقاط المضيئة المترتبة على الحرب هي قبول اليابان لإعلان بوتسدام والاستسلام التام لقوات الحلفاء من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية.

بعد قبول اليابان للإعلان في أغسطس 1945، وبعد ما كانت اليابان في وضع سئ بكل المقاييس، أهم ملامحه هو إنها بلد مهزومة خارجة من الحرب مستسلمة بعد ضربها بقنبلة نووية تسببت في كارثة على المستوى الإنساني، راح ضحيتها حوالي 129 ألف مواطن على الأقل، ده غير الكوارث البيئية والدمار اللي حصل في البنية التحتية للبلد بتدمير حوالي 67 مدينة يابانية خلال الحرب.

الظروف دي بدت وكأنها ظروف لا يُمكن تجاوزها، وبلد ضايع بالمعنى الحقيقي لكلمة ضياع، لكن الحقيقة مش ده اللي حصل، لأن بحلول أكتوبر 1945 _بعدها بشهرين_ بدأت الحكومة اليابانية في تنفيذ توصيات القيادة العامة، وبحلول بداية 1946، وجهت القيادة الدعوة لبعثة من الخبراء المتخصصين في مجال التعليم في الولايات المتحدة الامريكية لوضع خطة للنهوض بالتعليم في اليابان.

التعليم

لجنة الخبراء بالفعل لعبت دور حاسم في إقامة نظام تعليمي جديد ومتطور في اليابان، وقامت بوضع خطة إصلاحات شاملة وجذرية للتعليم الياباني. وبناءًا عليه تأسست لجنة إصلاح التعليم وكانت اللجنة دي بتقع تحت المسئولية المباشرة لرئيس الوزراء، وده لأنهم وضعوا التعليم كأحد أهم أولويات الحكومة، ومش بس كده لكن كمان البرلمان الياباني أقر مجموعة من التشريعات والقوانين لخدمة الهدف ده.

النظام التعليمي الجديد كان متقسم كالآتي، 6 سنين للمرحلة الابتدائية، و3 سنين للمرحلة الثانوية الدُنيا، و3 سنين للمرحلة الثانوية العُليا، و4 سنوات للجامعة، صحيح ده شبه عندنا شوية، لكن الحقيقة إن البرلمان وقتها أقر إن فترة الحضور الإلزامي تبقى 9 سنين، يعني الطالب لازم يتعلم لحد ما يخلص المرحلة التعليمية التانية، ده غير إنها فرضت جزء من مخصصات التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين جسديًا وغيرهم.

إصلاح النظام التعليمي بدأ بإلغاء الكتب المدرسية التقليدية وحل محلها الكتب الخارجية اللي بتشرح المناهج بأساليب مبتكرة أكتر، والأهم إن المدارس كان بيتم إدارتها محليًا من قِبل مجالس تعليمية مُنتخبة. الخطة كمان تضمنت منظومة إعداد من أساتذة جامعيين للمُعملين، ومكنش حد بيحصل على شهادة مُعلم إلا بعد اجتيازه لفترة تعليم جامعي وبعد فترة للتدريب المهني، بالطبع ده ساهم في تخريج دفعات من المُعلمين المُدركين لقيمة العلم ورسالة توصيله.

في فترة الخمسينات وبعد تحرر اليابان من قيود الاحتلال تمامًا، تم تعديل بعض المناهج وطرق التدريس، وإضافة بعض المواد زي التربية الأخلاقية بشكل إلزامي لمرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي بهدف الحفاظ على الهوية اليابانية كجزء من التعليم، لكن في النهاية تم الحفاظ على كل الإصلاحات التعليمية والتشريعية اللي حصلت.

وفي الستينات تم إجراء حركة تنقيح واسعة للمناهج التعليمية اليابانية، وعمل تغييرات على نوعية المناهج نفسها، بالاهتمام بالعلوم ورفع مستوى التعليم الفني والمهني، وده كان بمثابة استجابة لمجموعة متنوعة من الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية وقتها في اليابان.

كنتيجة للاهتمام المستمر بالتعليم في اليابان ووضعه كأحد أهم أولويات الحكومة، شهدت الستينات فترة نمو ضخم لكلٍ من الاقتصاد والتعليم. النمو الاقتصادي غير المسبوق حفّز الحكومة لوضع خطة وطنية طموحة لزيادة دخل الفرد، واللحاق بالحركة الصناعية التجارية العالمية.

بما إن الفترة دي شهدت تسارع في الأحداث على المستوى الاقتصادي والصناعي، زاد عدد الملتحقين بالمدارس الثانوية من 57.7 % سنة 1960 لـ91.9% سنة 1975، وزادت نسبة الالتحاق بالجامعات من 10.3% سنة 1960 لـ37.8% سنة 1975.

المُلفت للنظر في التجربة التعليمية في اليابان، هي إنه مع التطور وحركة العلم، كانت بتواجه النظام التعليمي مشاكل، زي مثلًا زيادة عدد الطلبة عن القدرة الاستعابية للمدارس والجامعات، وعدم ملائمة المناهج بين وقت والتاني لمتطلبات سوق العمل أو لاهتمامات الطلبة نفسهم، ومع ذلك ظلّ المجلس المركزي للتعليم في وضع خطط لإصلاح نظام التعليم والقضاء على المشاكل المرتبطة بيه.

حاليًا وبناءًا على وضع التعليم كأولى أولويات اليابان كدولة، وفي خلال أقل من 75 سنة من كارثة القنبلة النووية والحرب العالمية، أصبحت اليابان صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وبتخرج سنويًا آلاف الأبحاث العلمية والباحثين النابهين وأبرزهم حاليًا ”يوشينوري أوهاسومي“ الحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 2016، وبتعتبر 14 من جامعاتها ضمن أحسن 500 جامعة على المستوى العالم، وبالمناسبة أحسن الجامعات المصرية (جامعة الأسكندرية) واللي بتقع في المركز الـ579 على مستوى العالم!

 العالم الياباني ”يوشينوري أوهاسومي“ الحاصل على نوبل في الطب

بالطبع مفيش أي وجه للمقارنة بين الوضع التعليمي في مصر واليابان دلوقتي، ولا بين إمكانيات التعليم وكفاءة المُعلم والميزانية المرصودة من الدولة اليابانية للتعليم وعندنا، ولا حتى في مقارنة بين أسوأ ظروف مرينا  بيها وبين ظروف اليابان بعد الحرب العالمية التانية، لكن في النهاية حاولت أدور على إجابة للسؤال، هل يا ترى التعليم ممكن يصنع أمة وينهض بيها؟ وإيه اللي ممكن يعمله التعليم في بلد ضايع ؟ ومن خلال التجربة دي وغيرها واضح إن التعليم بيقوم البلد الضايع.

المصادر: britannica  members   webometrics  state.gov

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى