مخك فيه زرار ”delete“ اعرف إزاي تستخدمه
كتبت: مها طـه
في ظل كل اللي بنعيشه حاليًا من أحداث عالمية ومحلية وأحداث على المستوى الشخصي، فأكيد إحنا محتاجين نفصل، نشد الفيشة وننسى، والحقيقي إنه مع الوقت فعلًا بنبدأ ننسى، لكن بننسى الحاجات المهمة، والحاجات اللي بالأساس محتاجين ننساها بتفضل موجودة في ذاكرتنا وحاضرة، وده أحد أهم أسباب اكتئابنا الحالي.
زرار الـdelete وعلم الأعصاب
أحد المبادئ القديمة لعلم الأعصاب هي القاعدة اللي بتقول ”neurons that fire together wire together“، بمعنى إنك كل ما تركز على حاجة أعصابك بتبدأ تكون منها دايرة عصبية عشان تحتفظ بيها، وده لأن المخ البشري ما هو إلا مكان لمرور كتير من الشحنات والإشارات الكهربائية، وتكوين الذكريات فيه ما هو إلا تكوين لدوائر عصبية، تخليك أول ما تمسك طرف الخيط، البكرة تكُر.
حتى زمان أهالينا كانوا يقولولنا كده، الرياضيات واللغة بتيجي بالممارسة، لو سبت لغة بتتعلمها لمدة سنتين تلاتة هتلاقي قدراتك فيها قلت جدًا، وده لأنك ببساطة مش محافظ على الدايرة العصبية أو الكهربية الخاصة بالمادة دي.
طب ده عرفناه وخلاص اللي هنحب نحتفظ بيه هنمارسه ونفتكره طول الوقت، لأن ده هيبني ويقوي الاتصال العصبي وبالتالي يحفز بناء الذكريات والاحتفاظ بيها، لكن الأهم حاليًا هو إننا إزاي نعرف نعمل delete لبعض الأمور التانية وقت ما نحب، وده اللي بيُسمى بحالة ”تشذيب التشابك“.
مخك حديقة.. ازرع فيها اللي تحبه
تخيل إن مخك حديقة بس بدل ما تكون بتزرع فيها فواكه وخضروات وزهور، إنت بتزرع مناطق اتصال بين التشابكات العصبية الموجودة في الخلايا العصبية، وبكده بتبقى كأنك ربطت خليتين وأكتر ببعض. مناطق الاتصال دي هي اللي بتنتقل من خلالها النواقل العصبية بين الخلايا وبعضها زي الدوبامين والسيراتونين.
”الخلايا الدبقية – Glial cells“ في المخ بتُعتبر بمثابة الجنايني الخاص بالحديقة، هي اللي بتسرع الإشارات بين خلايا عصبية معينة، لكن على الجانب الآخر في جزء منها بيعمل بمثابة مزيل للنفايات، كل ما عليه هو التخلص من كل ما يمكن أن يضُر من مخلفات عمليات حيوية وغيرها، وبكده فهي اللي بتحقق فكرة ”تشذيب التشابك“.
إزاي وإمتى بتحصل عملية ” تشذيب التشابك “ ؟
بدأ العلماء حاليًا في محاولات لفهم لغز تشذيب التشابك، وعرفوا إن لما مناطق الاتصال بين التشابكات العصبية اللي بيتم استخدامها بتكون أقل، بتتعلم ببروتين مُعين وهو (C1q). لما الخلايا الدبقية بتكتشف العلامة دي بترتبط بالبروتين وتدمر مناطق الاتصال دي، أو بمعنى تاني بتعمل تشذيب للتشابك، وكأنك ضغطت زرار الـdelete وبناءًا عليه مخك بيفضي أماكن جديدة لبناء ذكريات ومناطق اتصال جديدة.
علاقة النوم بزرار الـdelete
أوقات بتحس إن دماغك مشغولة وكأن فيها زحمة وكركبة ودوشة ومواااال! غالبًا الإحساس ده بيحصل لما تكون بتفكر في حاجات كتير أو داخل مرحلة جديدة في حياتك سواء شغل جديد أو مرحلة دراسية جديدة، أو بتشتغل على مشروع مهم.
الإحساس ده غالبًا سببه إنك مش بتنام كويس في الوقت اللي مخك مطلوب منه يستقبل قدر من المعلومات الجديدة بشكل مستمر، الحقيقة إن مخك فعلًا مليان (الذاكرة ممتلئة)، لازم تعمل delete عشان تعرف تخزن جديد.
لما بتتعلم حاجات جديدة أو بيدخل لدماغك بيانات جديدة، المخ بيبدأ يبني مناطق اتصال جديدة بين التشابكات العصبية عشان يقدر يخلق الدواير اللي اتكلمنا عنها، لكن للأسف أحيانًا بتبقى المناطق دي كفاءتها قليلة لأنها ممتلئة.
الفكرة بقى إن المخ بيقوم بعملية التشذيب دي وإحنا نايمين، وطبعًا عشان كده لما تنام عدد ساعات أقل من الطبيعي، المخ مايقدرش يعمل التشذيب بكفاءة. المخ بينظف نفسه أول بأول وإحنا نايمين. خلايا المخ بتنكمش وإحنا نايمين لأكتر من 60% عشان تفسح مجال للخلايا الدبقية عشان تتدخل وتعمل التشذيب المطلوب.
جرب كدة تنام كويس وبدري وشوف درجة تركيزك واستقبالك للمعلومات الجديدة تاني يوم، غالبًا هتحس بفرق كبير، تخيل ده ممكن يحصل في ليلة واحدة، فما بالك لو كل يوم كان هو ده أسلوب الحياة الطبيعي.
لنفس السبب ده بيُعتبر النوم في وقت القيلولة مفيد جدًا للقدرات المعرفية، من 10 لـ20 دقيقة بيكونوا كافيين جدًا عشان الخلايا الدبقية تقوم بوظيفتها وتشذب التشابكات، وتتخلص من بعض مناطق الاتصال غير المُستخدمة.
فكرة حرمان المخ من النوم بتخلي الحديقة أشبه بالغابة، المشي فيها مرهق جدًا، وزرع أشجار جديدة فيها أصعب ما يكون، وبكده لا هتقدر تسترجع الذكريات الطبيعية الموجودة، ولا تتخلص من الذكريات المُهمَلة، ولا تخزن ذكريات جديدة، ولذلك أوصيكم ونفسي بالنوم ثم النوم ثم النوم.
خلي بالك من اللي ينفع تخليه في مخك
لو فاكر إن الموضوع لا إرادي وبيحصل بعيد عن سيطرتك على الوضع، أحب أقولك لأ.
حضرتك ليك سيطرة على نوع اللي هيتمسح وإنت نايم. بمعنى إن مخك بيعمل العلامة على مناطق الاتصال المهمَلة اللي مش بتفكر فيها، لكن اللي بتفكر فيها بيروح لها أكسجين وماء وتكبر كده وتبقى أحلى، وعشان كدة ياريت بلاش فقرة الذكريات السيئة قبل النوم دي، إنت كده مش عاوز تنسى إنت عاوز تقوي الذكرى دي.
لازم تبعدوا عن الاحتفاظ بأدق التفاصيل غير المؤثرة في مسار الحياة، يعني مش لازم كل يوم ترجع تحاسب نفسك وتناقشها وتسترجع كل اللي حصل طول اليوم، إنت كده بتقوي ذاكرة الاحتفاظ بأحداث ممكن تكون مش مهمة، ليه مثلًا تفضل فاكر خناقتك مع صاحبك على ماتش البلاي ستيشن؟ أو فاكر آخر حلقة في مسلسل ما، كل التفاصيل البسيطة دي بتاخد من مساحات الحاجات الأهم.
وأخيرًا عشان نحقق الاستفادة الأعظم من أوبشن الـdelete لازم ننام كويس، ونبطل تقليب مواجع ومآسي طول الليل، ومانفكرش في أي تفاصيل تافهة، ممكن متسمحش بتخزين الذكريات والمعارف اللي تستاهل بجد، وكنصيحة شخصية اسمعوا مزيكا حلوة قبل النوم، اقرأوا كتاب لذيذ أو حتى شغلوا قرآن، لكل واحد مننا طريقته لكن المهم نستفيد جدًا من الميزة دي، وياريت نعمل shift + delete كمان.
المصادر: fastcompany lifecoachcode ncbi faculty sleepfoundation