.
نوّرها

الهروب من الواقع .. هل الخيال أفضل من الحقيقة فعلًا؟

كتب: أحمد حسين

في أوائل التلاتينات، حصل ما يُسمى بالكساد الكبير (Great Depression) في أمريكا، آلاف المواطنين أصبحوا بلا عمل أو مآوى، وحصل انهيار كبير في السوق الأمريكية، للدرجة اللي خلّت ناس يعرضوا أطفالهم للبيع علشان مش قادرين على مصاريفهم. طبعًا فترة حزينة جدًا. في الوقت ده ظهر لفظ الهروب من الواقع (Escapism)، للتعبير عن الأنشطة اللي بتتعمل علشان نهرب من وطأة الواقع الثقيل اللي بنعيشه.

الصورة: Flickr

الهروب من الواقع

تعريف الهروب من الواقع ببساطة، هو محاولة تجنب المواقف والأخبار الحزينة والثقيلة على النفس. بدأ المصطلح يبقى منتشر زي ما ذكرت في أوائل التلاتينات، لما كانت شركة ديزني بتنتج أفلام كارتون كتير، بهدف مساعدة الناس على الهروب من واقعهم السيء. السينما برضه في الوقت ده ركزت في الأفلام الكوميدية والموسيقية، علشان الناس تنسى همومها شوية.

الهروب من الواقع ممكن يتحقق بسهولة، عن طريق لذائذ الحياة، اللي ممكن نقول إنها الأكل والنوم والرياضة وممارسة الجنس، ودول الأنشطة البدنية اللي ممكن نعملها بشكل طبيعي ويومي. وفيه كمان بعض الأنشطة النفسية والذهنية، زي القراءة والفرجة على الأفلام، اللي ممكن يمنحونا متعة لمدة ساعة أو اتنين، من غير أي تفاعل مع الواقع اللي حوالينا.

اعرف أكتر| معجزة الأكل .. طبق ملوخية يحميني من الاكتئاب؟

الصورة: Wikimedia Commons

بعد الحرب العالمية التانية في أواخر الأربعينات، بدأت تنتشر فكرة المجلات الهزلية (Comics) والأبطال الخارقين، سوبرمان وباتمان وآيرون مان وغيرهم، منها قصص مسلية ولطيفة وتضيّع الوقت، وفي نفس الوقت حدوتة عن بطل بيفوز في الآخر دايمًا، وده الناس كانوا محتاجينه جدًا وقتها.

المهم إن مفهوم الهروب من الواقع أخد أشكال كتير جدًا، منها الطبيعي اللي جسمك بيحتاجه، ومنها الاستهلاكي اللي ممكن ماتكونش محتاجه أوي، بس يعني حاسس إن واقعك حزين ومحتاج تتعاطاه، بما يشبه المخدرات كده، بس بتكون حاجات قانونية ومشروعة.

لكن يبقى السؤال هنا، هل الهروب من الواقع ده شيء كويس؟ ولا الفكرة نفسها غلط ومحتاجين نشوف لها حل؟

الهروب من الواقع وحش؟

كلمة الهروب نفسها بتحمل وقع سيء على معظم الناس، لأنها بتصوّر أو بتمثّل شخص بيجري ويبعد عن حاجة خايف منها، والحقيقة إن الهروب من الواقع مايختلفش كتير عن ده. التفاعل ما بينا وبين الواقع قايم على فكرة التقبل، تقبل إن الحزن والخوف وكل المشاعر السيئة جزء من الواقع ده، ومش بس نتقبّل ده لأ ونتعامل معاه كمان. كل ده ثِقل على نفسنا، فكل ما بنلاقي ساعة ولا اتنين نقدر نهرب فيهم من المشاعر السلبية، بنهرب وبنبعد على قد ما نقدر.

اعرف أكتر| قوة العزاء أو لماذا يجب أن نترك العنان لمشاعرنا؟!

الصورة: Flickr

البعض عندهم نظره سلبية جدًا تجاه الهروب من الواقع، وبيقولوا إن هدف الهروب من الواقع هو تدمير النفس، وإنه شيء مش صحي خالص ولا مفيد. السبب في ده إنه مابيديناش الوقت الكافي للتواصل مع مشاعرنا ومع نفسنا، وإنه في النهاية كمان مابيحلّش أي حاجة، يعني لما بنهرب من مشكلة ما، طيب ما هي كده كده بتفضل موجودة، ولما بنرجع للواقع بنلاقيها وبيكون لزامًا علينا مواجهتها.

بعض الدراسات العلمية، قالت إن الهروب من الواقع طريقة من طرق مواجهة الاكتئاب السريري، لأننا كل ما بنهرب أكتر من المشاعر السلبية، بنراكمها وبنزوّد أعراض الاكتئاب ومابنقللهاش. الهروب من الواقع كمان، بيتضمّن البُعد عن الأصدقاء والعيلة وأي تفاعل اجتماعي حقيقي، واللي ممكن نعوّضه بتفاعل افتراضي سريع غير مُشبع.

كل ما يزيد الوقت اللي بنقضيه في العالم الخيالي أو الافتراضي، كل ما قلّت طاقتنا في التفاعل أو فعل أي شيء حقيقي في العالم الواقعي. النظرة السلبية دي كمان بتتضمّن الخيال، وبيقولوا إن الخيال ده هدفه تخدير مشاعرنا الحقيقية، وكل ما بنزود فيه بيتحول لإدمان زي المخدرات كده. علشان كده بيشوفوا إن تقضية الوقت في أرض الخيال أمر المفروض يكون غير جذاب.

الصورة: Flickr

والمعترضين على الهروب من الواقع مش بس انتقدوه، لأ دول كمان قدموا حلول أو أسئلة مهم علشان تساعدنا نرجع للواقع.. زي:

  • مبدئيًا، محتاجين نعرف إحنا بنهرب من إيه بالأساس.
  • امتى بالظبط بنحس إننا عايزين نهرب وفي أنهي موقف؟
  • هل فيه حالة مزاجية معينة بتزوّد حاجتنا في الهروب من الواقع؟
  • بنحس بإيه لما بنرجع للواقع مرة تانية؟

ورغم كل الانتقادات دي، إلا إنهم قالوا إن الهروب من الواقع مش دايمًا وحش، وإنما ساعات بيكون حلو، وده ينقلنا للسؤال اللي جاي.

الهروب من الواقع حلو؟

خلونا نتفق على حاجة، الهروب من الواقع مش دايمًا بيكون كويس، ومش دايمًا سيء. اللي شايفين الهروب من الواقع شيء جميل، بيتكلموا برضه على شرط إنه يبقى مرتبط بخوض تجارب جديدة والحصول على المتعة، مش بس بمحاولة التخلص من المشاعر السيئة. لذلك بينصحوا بممارسة الرياضة، والسفر لأماكن جديدة ماشوفناهاش قبل كده، وعمل أنشطة ماعملناهاش قبل كده، زي إننا نطبخ مثلًا أو نزرع ولو زرعة صغيرة، وحتى الخيال وأحلام اليقظة يُعتبروا هروب جيد من الواقع، بس أهم حاجة مانتعاملش معاهم كمُخدّر لضيقنا وغضبنا من الواقع زي ما اتفقنا، هما بس عوامل مساعدة للراحة، والحصول على أفكار جديدة وتجربتها.

باختصار، الهروب من الواقع هنا بيكون أشبه بالإجازة، بالوقت الفاضي اللي بيكون لنفسك، من غير مسؤوليات شغل سخيف، ولا زن وتليفونات، ولا ميتينج وكلام كتير عن المطلوب إنجازه. في الحالة دي الهروب من الواقع بيكون ضرورة، علشان تقدر تاخد وقت لنفسك وترتاح، وبعدين ترجع مرة تانية للواقع، وتشوف اللي عليك مواجهته، سواء مشاعرك السلبية أو الأشياء السيئة المُحيطة بيك. وطبعًا اتمنى لكم ولنفسي واقع أفضل دايمًا، وهروب من غير تبعات سيئة.


المصادر:  welldoing  psychologytoday  theatlantic

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى