.
الملف

ختان الإناث.. لماذا نقطف الزهور؟

كتبت: مها طه

فى 2005، كانت أول معرفة ليا بمصطلح ”ختان الإناث“ من خلال كتاب المدرسة، واللي تم ذكره فى سطر واحد بالظبط بيقول إن عملية الختان للإناث عملية لها آثارها النفسية والجسمانية الخطيرة. الحقيقة إن الجملة بالنسبة لى كانت مبهمة وغير مفهومة تمامًا، لكن ماكنتش مشكلة طالما مش هنتسأل عنها فى الامتحان.

فى 2008، جرمت الدولة ختان الإناث في  فى قانون العقوبات، وعلى أثر قانون التجريم ده انطلقت الحملة القومية الشهيرة للتوعية تحت اسم ”البنت المصرية“. دي كانت تانى مرة اصطدم بالموضوع، لكن وقتها حاولت أفهم يعنى إيه ختان؟ وكل اللى قدرت أوصل له إنها عملية بتتعمل للبنات الغرض منها هو الطهارة، بيتم فيها إزالة جزء من الجهاز التناسلى للأنثى! الموضوع كان مرعب فكرة إنه ليه ده يحصل؟

لقطة من إعلان حملة ”البنت المصرية”

لحد فترة قريبة قناعتى كانت إن أكيد العادة السيئة دى انتهت، أو على الأقل انحسرت بشكل كبير فى المناطق اللى بترتفع فيها نسبة الأمية، واللى بتفتقر للرعاية الصحية والتوعية السليمة، خاصةً وإن الدولة بتجرم الختان! لكن التقيت بالختان مرة تانية، بس المرة دي كانت فى أثناء شرحى لجزء من منهج الأحياء لطلبة في مرحلة الثانوية العامة، وبمجرد ما تطرقت لقصة الختان، فوجئت بطالبة بتبكى، و استأذنت للخروج!

لما سألت البنت عن السبب فوجئت بإنها تعرضت لعملية الختان هي وأخواتها البنات الأربعة، بالرغم من المستوى الاجتماعى والتعليمى الجيد، وبالرغم من تجريم الدولة قانونيًا للموضوع! الحقيقة ده كان صادم جدًا بالنسبة لى، كل التفاصيل اللى حكتها البنت كانت مؤذية وقاسة، العملية قام بيها دكتور فى عيادته الخاصة، البنج كان موضعي، وبالتالى البنت فاكرة كل التفاصيل تقريبًا، والأهم إن الدافع وراء كل ده هو الأعراف المجتمعية وبعض الاعتقادات الدينية الخاطئة عن مفهوم الطهارة، وعشان البنت دي و عشان غيرها كتير فى مصر كان لازم نتكلم عن الختان.

إيه هو ختان الإناث؟ وإيه الغرض منه؟

أولًا، لازم نقول إن الثقافة الجنسية فى مصر شبه غايبة، تحت مسمى إننا مجتمع محافظ، حتى لما بنعلم أولادنا فى المدارس عن أعضائهم الجنسية، مش بنقول كل حاجة مطلوبة، ومش بنفتح باب المناقشة معاهم. ثانيًا، المناهج التعليمية بيتم فيها تدريس الأعضاء الذكرية كاملة، بنشرح و نقول إن الذكر له أعضاء جنسية خارجية، وأعضاء تانية داخلية، لكن فى الأنثى بنكتفى بذكر الأعضاء الأنثوية الداخلية بس، من غير ما نذكر إيه هى الأعضاء الخارجية، اللي ممكن البنت تكبر وتتجوز وماتبقاش عارفة عنها حاجة أصلًا!

Figure_28_02_02

صورة توضح الأعضاء الداخلية والخارجية للجهاز التناسلي للأنثى

الأعضاء الخارجية للأنثى هي اللي بتحصل فيها عملية الختان، واللي بيتم استئصال جزء منها وأحيانًا إزالتها بالكامل. الأعضاء الخارجية تتمثل في الشفرين الكبيرين والشفرين الصغيرين والبظر. الأعضاء الخارجية _بالإضافة للمهبل_ هى المسئولة بشكل رئيسى عن الإحساس بالمتعة الجنسية، لأنها غنية جدًا بالنهايات العصبية اللى بتساعد على الإحساس، وبالتالي هى اللي بتحقق الوصول للنشوة الجنسية عند الإنثى، ومن كده ممكن نفهم إن الغرض من الختان هو تقليل المتعة أو النشوة الجنسية مثلًا. طب ليه؟ وإيه علاقة ده بالطهارة أصلًا؟

لما نبحث عن الموضوع بشكل ديني هنلاقي اختلاف. فمثلًا هنلاقي فيديو لأحد شيوخ السلفية المشهورين جدًا بيتكلم فيه عن الختان، وبيقول إن الختان ذُكِرَ فى حديث عن الرسول أنه ”إذا التقى الختانان وجب الغُسل“، وإن الختان بيكون للست وللراجل. بعدها ذكر إن رأي الأئمة اختلف، فى منهم اللي قال إنه واجب، ومنهم اللي قال إنه سُنة مؤكدة، بعدها رجع وقال إنه من الضروري سؤال طبيبة وعرض حالة الطفلة عليها لأنها ممكن تبقى مش محتاجة للعملية دي، واسمحوا لي أتخلى عن حسن الظن هنا وأقول إن طبعًا الشيخ الجليل قال كده بس لأن الدولة بتجرم الختان أولًا وأخيرًا بصرف النظر عن بنسبة قد إيه القوانين دي بيتم تطبيقها.

لكن لو تعمقنا أكتر هنلاقي إن فيه فقهاء كبار فى الدين قالوا إن قطع الشفرين أو الاعتداء عليهم يُعتبر فى الإسلام جريمة تستوجب الدية_ يعنى لو اعتديت على أعضائها التناسلية فكأنك قتلتها بالظبط_، وإن الختان المقصود من الحديث هو إزالة غشاء رقيق بيُسمى ”حشمة البظر“، وده بالظبط اللي بيحصل فى ختان الذكور، أي إزالة غشاء رقيق على العضو الذكري، والغرض من إزالة الأغشية دي هو منع التكاثر البكتيري اللى ممكن يحصل عليها، ولأن كمان فى بعض الحالات الغشاء ده ممكن يتسبب فى انسداد لفتحة التبول.

الأغرب بالنسبة لي كان وجود فيديو بيتكلم عن ”الفوائد الطبية للختان“، الفيديو من حلقة على أحد القنوات الدينية برضه، وفيه بيتكلم ”دكتور“ أستاذ فى علم التسمم، بيقول إنه لما بتحصل عملية الختان للبنت وهي صغيرة، لما بتكبر الخلايا الحسية ”بتهاجر“ للمهبل، فلما تتجوز ده بيزود أصلًا من متعتها الجنسية، وبيخلى حياتها الزوجية سعيدة، أما لو البنت اتسابت من غير ختان، فمصدر الإحساس هيبقى موجود بس على العضو البظري، وبكده هتبقى باردة جنسيًا إلى حد ما! وأضاف كمان إن الختان بيحميها من إنها عند كل حكة لجسمها ممكن تحس بإستثارة، وبكدة ممكن تمارس العادة السرية، فالختان بيحمى البنات من ده.

تعليقًا على الكلام الغريب اللي اتقال فوق ده من الناحية التشريحية والطبية، فالأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى تُعتبر من أكتر الأماكن الحساسة بالجسم، وغنية جدًا بالنهايات العصبية، ومن المعروف لأى حد تقريبًا إن النهايات العصبية مش بتتجدد ولا بتهاجر، بالإضافة لإن عملية المتعة الجنسية، لازم يشترك فيها المهبل العضو الداخلي مع باقى الأعضاء التانية الخارجية، لأن عملهم مع بعض هو اللي بيوصل للإحساس بالمتعة فى النهاية، وبكده بإزالة أي جزء من الأعضاء الخارجية للجهاز التناسلي عند البنت بيخلي الإحساس عندها مقتصر فقط على المهبل.

الختان فى مصر.. إحصائيات صادمة!

بالبحث عن الختان فى مصر، هنلاقي إحصائية قامت بيها منظمة ”اليونيسيف“ فى أفريقيا فى 2015، بتقول إن نسبة السيدات والبنات اللاتي تعرضن لعملية الختان فى مصر وصلت 91%! تتراوح الأعمار ما بين 15 – 49 سنة. مصر كانت فى المركز الرابع بعد الصومال وجيبوتى 98% و غينيا 97%! أغلب الدول الأفريقية اللي ممكن تكون بتعاني من مجاعات أو انتشار التطرف الديني ونسب فقر وأمية مرتفعة، أقل من مصر فى نسب البنات اللي تعرضن لعملية الختان فيها. طبعًا الإحصائية الصادمة دي هي اللى دفعت اليونيسيف إنه يعمل حملة إعلانية منتشرة حاليًا على الفضائيات للتوعية ضد الختان وأضراره. وهنا السؤال التاني، هل تأثير الختان بيكون على الإحساس بالمتعة الجنسية بس؟

FGM_prevalence_UNICEF_2015.svg

هل تأثير الختان بيكون على الإحساس بالمتعة الجنسية بس؟

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فختان الإناث بيُعتبر تدخل جراحي بدون أي فوايد، بل بالعكس بتنتُج عنه أضرار كتيرة، كفاية جدًا إننا نقول إنه إزالة لأعضاء طبيعية موجودة فى الجسم، وطبعًا كل ما كان التدخل أعنف، كل ما كانت المخاطر الناتجة عنه أكبر، مثلًا المضاعفات المباشرة له، ألم شديد، نزيف حاد، تورم فى الأعضاء والأنسجة الجنسية، انتقال العدوى زى التيتانوس مثلًا، حمى وارتفاع فى درجة الحرارة، مشاكل فى المسالك البولية، صدمة عصبية، وأحيانًا التسبب بالوفاة!

أما العواقب اللى بتظهر على المدى الطويل منها بيكون:

  • استمرار الالتهابات فى المسالك البولية حتى بعد التئام الجرح.
  • ألم عند التبول.
  • الالتهابات البكتيرية للمهبل.
  • الحكة المستمرة _الهرش_.
  • حيض مؤلم لصعوبة نزول الدم بشكل طبيعى بسبب تضرر المنطقة دي.

كل ده غير الندبات وآثار الجرح جسديًا ونفسيًا اللى بتفضل كعلامة واضحة. أما بقى لو اتكلمنا عن ممارسة الجنس، فبالإضافة لعدم الإحساس بالمتعة الجنسية، غالبًا بتكون العملية الجنسية نفسها صعبة ومؤلمة  للست اللي تعرضت للختان. كمان الختان بيسبب زيادة خطر حدوث المضاعفات فى أثناء الحمل والولادة؛ كالولادة المتعسرة، النزيف المفرط، تضرر المهبل لدرجة اللجوء لعمليات قيصرية لإخراج الطفل، أو الحاجة لإجراء عملية إنعاش للطفل بعد الولادة، وأحيانًا ممكن يؤدى لوفاة الطفل أصلًا فى أثناء الولادة.

أما عن المشاكل النفسية فحدث ولا حرج! الختان ممكن يؤدى للاكتئاب، الحصر النفسي أو القلق بشكل مفرط، اضطرابات ما بعد الصدمة، وانخفاض الثقة بالنفس، كل ده بالإضافة للإحساس بالقهر اللي بتعاني منه الأنثى، ونفورها من العلاقة الزوجية الطبيعية بينها وبين جوزها، لأنها غالبًا وفى كل مرة بيرتبط عندها ممارسة العلاقة الحميمية بالألم سواء العضوي، أو النفسي لأنه بيفكرها بحادثة ”الختان“، واللي ذاكرتها احتفظت بيها كذكرى عنيفة ومؤلمة.

كل الأضرار دي بتحصل لو قام بالعملية طبيب، فما بالك لو العملية عملها شخص غير مختص، ممرضة مثلًا _وده غالبًا اللى بيحصل حاليًا_، أو حلاق صحة أو داية _دول غالبًا كانوا زمان وإن كانوا موجودين لسه بالأرياف والقرى_، تخيل أدوات غير معقمة وعملية جراحية بتتعمل فى مكان مفتوح وفى أوقات كتير ببنج موضعي أو من غير بنج أصلًا!

من المؤسف إنه مع انخفاض نسب الأمية والجهل فى مصر، إن الأرقام والإحصائات عن عدد الإناث اللى تعرضوا للختان تكون كبيرة بالشكل ده، وده له معنى واحد غالبًا وهو إننا بنقدس العادات المجتمعية أيًا كان ضررها، بالإضافة لاعتقاد البعض بوجود أسباب ودوافع دينية تدعو للختان.

من ناحية تانية بيظهر أمل في تحسين الوضع ووضع حد ليه بعد ما أعلن المجلس القومى للسكان عن تراجع حقيقي في نسب انتشار ختان الإناث، بعد ما تراجعت نسبته من 74%  في سن ما بين 15 – 17 سنة سنة 2008 لـ61% سنة 2014. مش تراجع عظيم لكن خطوة كويس نتمنى تتحسن أكتر وأكتر. فالحقيقة الواضحة اللى لا تقبل نقاش إن الختان هو انتهاك جسدى ونفسي عنيف لبنات فى سن الطفولة، واعتداء على حقهم فى الإحساس بمتعة حلال شرعها ربنا بين الزوج وزوجته بداعي صون الشرف والعِرض، وكأن البنت لو لم يتم تختينها، هتفجر وتنحرف سلوكيًا في تناسي وتجاهل تام إن الأساس هو التربية  السليمة، وإن الالتزام بالأخلاق عمره ما هيكون مرتبط بعملية جراحية نقطف بيها الزهور قبل ما تفتح.

كاريكاتير دعاء العدل
كاريكاتير دعاء العدل

المصادر:  youtube  youtube1  who.int  who.int1  ljworld  unfpa  teachmeanatomy edition.cnn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى