الفيزياء يمكن أن تكون طريقك للحب والمال

كتب: أحمد حسين

كلنا عانينا من الفيزياء بطبيعة الحال، خاصةً من عبروا طريق الثانوية العامة من خلال بوابة شعبة ”العلمي“. لم تكن الفيزياء من المواد المحببة للنفس، ولا حتى من المواد التي يمكن قبول وجودها كمادة أساسية تحتفظ لنفسها بخمسين درجة، عليك أخذ منهم ما استطعت كي تتمكن من الوصول لمجموع درجات يمكنَك من الوصول لحلمك عن طريق دخولك للكلية التي ترغب في دراسة تخصصاتها. أمامك خياران، إما أن تصارع هذه المادة العنيفة أو أن تهرب وتسلك الطريق من خلال بوابة ”الأدبي“ ويبقى انت ونصيبك.

كان السؤال الذي يدور في ذهن معظمنا في هذا الوقت ”هو أنا ليه بدرس فيزيا؟ هتفيدني في إيه؟“ ولأننا كنا نشعر بالغضب من مجرد ذِكر هذه الكلمة، فإننا لم نبحث عن إجابات جادة عن هذه الأسئلة، بل كنا نريد فقط التخلص منها في أقرب وقت وبأقل خسائر ممكنة.

لكن، ماذا لو كانت الفيزياء أحد الذين ظلمتهم الصورة الذهنية الخاطئة عند البعض؟ ماذا لو كانت كل حياتك تدور حول الفيزياء حتى في أبسط الأمور وأقلها تعقيدًا؟

الفيزياء _في تعريفها العام_ هي: ”علم مختص بدراسة خصائص المادة والطاقة“، والمادة والطاقة هما أصل كل شيء في الطبيعة والكون، مما يعني أن دراسة الفيزياء هي دراسة جميع الظواهر الطبيعية في الكون، من حركة الكواكب والنجوم إلى دراسة الجزيئات الدقيقة بداخل المواد لمعرفة نشأة الكون.

أهمية الفيزياء تكمن في كونها ”أم العلوم“ أي أن جميع مجالات العلوم والمعرفة مثل (الكيمياء – الهندسة – الأحياء– الطب – الفلك – التكنولوجيا) وغيرهم هم مجرد فروع خرجت من شجرة واحدة اسمها ”الفيزياء“.

حياتنا الآن مليئة بالتطبيقات الأساسية التي كان للفيزياء دورًا مهمًا فيها، ففي فرع الهندسة مثلًا نجد أن مجالات الإتصالات والميكانيكا يعتمدون اعتمادًا كليًّا على الفيزياء كأصل لكل التطبيقات، من الألياف الضوئية إلى الأجهزة اللاسلكية إلى السيارات وصناعتها وسيرها على طريق ممهد أو غير ممهد بثبات.

أيضًا في الطب، فكرة استخدام تكنولوجيا النانو والجزيئات متناهية الصغر في اختراع أجهزة دقيقة جدًا يمكنها مقاومة الخلايا السرطانية والقضاء عليها، وفكرة عمل جهاز يعتمد فقط على الأشعة لرؤية الكسور التي تحدث في العظام هي أفكار عبقرية والفائدة منها لم تكن لمن يعملون في المجال الطبي فقط، بل للبشر بشكل عام.

الفيزياء أهميتها ايضًا تكمن في الإجابة على الأسئلة الكبيرة التى ترد على أذهاننا، مثلًا ”ليه السماء لونها أزرق؟“ أو ”ليه البحر لونه أزرق؟“ أو ”ليه الطيارة بتطير؟“ أو ”إزاي القمر الصناعي ثابت في مداره بالشكل دة؟“، كلها أسئلة لابد أن تكون قد وردت على أذهاننا على الأقل مرة، حتى لو لم نعرف لها إجابات.

في الحقيقة السماء بلا لون، فهي شفافة كالماء، هي فقط تعكس ضوء الشمس، بحيث تفتت جزيئاته، وتحلله  إلى سبعة ألوان رئيسية (ألوان قوس قزح) وتمتص جميع الألوان ماعدا الأزرق تعكسه، لذلك إذا نظرت إلى السماء بعيدًا عن الشمس،ستجد أن لونها يميل إلى البياض أو الشفافية.

كذلك البحر، عندما تنظر له من بعيد تجد أن لونه أزرق، لكن عندما تمسك ببعض الماء بين يديك تجد أن لونه شفاف، إذن ما الذي يجعلني أراه باللون الأزرق؟ هو نفس السبب الذي يجعلني أرى السماء باللون الأزرق، فالبحر أيضًا يعكس اللون الأزرق فقط من ضمن الألوان السبعة الرئيسية.

أما بالنسبة للقمر الصناعي فهو ثابت في مكانه نتيجة لقوانين نيوتن، الرجل الذي وقعت فوق رأسه التفاحة فلم يأكلها ونام، بل بحث وراء الموضوع فاكتشف الجاذبية التي لعبت دورًا مهمًا في الكثير من التطبيقات في حياتنا العادية.

هذا ليس كافيًا كي تعرف أن الفيزياء مهمة لحياتنا؟ ماذا عن الضوء؟ كيف تم جمعه في ”لمبة“ تضيء حياتنا بهذا الشكل؟ كيف تتم إضاءة غرفة كاملة بمجرد ضغطة زر مثبت على الحائط؟ ما الذي جعل أحد البشر يفكر في تحويل غاز مثل ”النيون“ إلى لمبات تضيء بألوان مختلفة؟ ماذا عن المواد الغير ناقلة للكهرباء التى تم وضعها كغطاء للأسلاك الكهربائية لحمايتنا من خطر الصدمات الكهربائية؟ كل هذه الأشياء تتدخل فيها الفيزياء كلاعب أساسي ضمن التشكيل لا يمكن الاستغناء عنه.

من الذي فسّر ركلة ”روبرتو كارلوس“ الإعجازية أمام المنتخب الفرنسي في عام 1997،  والتي لولا وجود قوانين مثل ”قانون ماجنس”  الفيزيائي، لتحول روبيرتو كارلوس من لاعب كرة قدم إلى ساحر تلقى السحر الأسود على يد أحد الممارسين له.

لازلت غير مقتنع أن الفيزياء شيء مهم؟ ماذا عن الألعاب الصغيرة التي كنا نمارسها ونحن صغار؟ ألم تمسك يومًا بالمسطرة لتضعها فوق الجاكيت، وتحركها عليه بسرعة كبيرة، وبعدها تضعها على ورقة صغيرة فتلتقطها كأنها مغناطيس؟ تحويل الطاقة الحركية (kinetic energy) إلى طاقة مغناطسية يمكنها إلتقاط الأشياء. المغناطيس نفسه الذي كنا نلهو به فنقربه من مجموعة عملات معدنية لتلتصق به تحول إلى رافعة مغناطسية عملاقة يمكنها رفع أطنان من الحديد لبناء المباني الضخمة، كالمولات الكبيرة التي نراها يوميًا تقريبًا.

ماذا لو قلت لك أن دراسة الفيزياء توفر لك حياة أكثر سهولة؟

فدراسة الفيزياء تعطيك مهارات بإمكانها أن تجعل حياتك أكثر تنظيمًا، كمهارة حل المشكلات بطرق عقلانية عن طريق البحث والتحليل وجدولة الأمور، فتستطيع _عن طريق خطوات بسيطة_ تحليل أي مشكلة ومعرفة أسبابها ومحاولة حلها. ثم أن التفكير التحليلي بالأساس يدخل في الكثير من المهن التي يمكنك العمل بها، كالصحافة والإدارة وغيرهم من المهن التي تحتاج إلى تحليل المعطيات ومعرفة المطلوب ومحاولة الوصول إليه.

فإذا وصلت إلى هذه الفقرة ولم تكن قد إقتنعت بأن دراسة الفيزياء شيء مهم، فيمكنني اللعب بأخر كارت في يدي، وهو أن الفيزياء يمكنها أن توفر لك المال والحب، لكن بشرط أن يتم تدريسها بطريقة متقدمة، ومبتكرة، وسهلة، وتقديمها على نحو سلس وبسيط إلى الدارسين.

في هذه الحالة سأضمن أن توفر الفيزياء لك المال إذا قررت العمل في إحدى الجامعات في الخارج، وستوفر لك الحب عن طريق إعجاب الفتيات بمدى ذكائك، إذا لم تصدقني فشاهد مسلسل ”نظرية الانفجار الكبير“ أو ”The big bang theory“ لتعرف ما أتحدث عنه.

في النهاية أود أن أقول أن الفيزياء في غاية الأهمية فهي تلعب دور حيوي في مختلف نواحي حياتنا. فكل شيء حولنا، كل شيء بداخلنا يعمل نتيجة لقانون فيزيائي، لكن مجرد وجودها في ذهننا كمادة دراسية قد تتحكم عدد درجاتها في مصيرنا أو مصير أحد أولادنا فيتم التعامل معها بمنطق ”جمّع أكتر تكسب أكتر“ يجعلها مكروهة للجميع، فمشكلة الفيزياء ليست في كونها فيزياء، وإنما في طريقة تناولها وتدريسها بالأساس.

المصادر :  phystec  scientificamerican thefreedictionary  spaceplace.nasa  scientificamerican syr-res