ابنك جاله اكتئاب الفيسبوك إنهاردة؟!
كتبت: آية أشرف المرسي
مع تغير الأوضاع الاقتصادية وزيادة الضغوط المالية اللي نتج عنها اضطرار الأب والأم الاتنين إنهم ينزلوا للعمل، أصبحت وسائل الإعلام _الميديا بكل أنواعها _ هي مربية الأطفال الجديدة لأولادهم. في الوقت اللي كان التليفزيون بيلعب فيه الدور الأكبر، كان الخوف من تأثير الميديا على الأطفال من خلال الرسائل اللي بيتعرضوا ليها من خلال المواد المقدمة والمعروضة على الشاشة في إعلانات أو أفلام/مسلسلات أو برامج.
المخاوف كانت نابعة من فكرة إن الميديا مش بس بتعكس الواقع لكنها بتلعب دور أخطر في خلق واقع مغاير، تعرض الأطفال للميديا بشكل يفوق عدد الساعات المسموح بيها، كان بيزود من احتمالية التأثير على الأطفال وقدرتهم على التواصل مع العالم بشكل حقيقي وتكوين رؤية مستقلة عنه مش موجهة.
الهاجس الأكبر عندي في مسألة إن يبقى عندي أولاد كان لا ولايزال متعلق بفكرة إن تربية طفل هيصبح فيما بعد إنسان قائم بذاته فكرة مرعبة، دورك في حياة الإنسان ده ومساهمتك في تكوين عقله وشخصيته وإطلاقه بعد كده لمواجهة الحياة مسئولية عظيمة مفروض نفكر فيها مليون مرة قبل ما نتطوع بإننا قادرين على تحملها.
دلوقتي الهاجس ده زاد أكتر عندي بعد ما أصبحت فكرة إن كل أب وأم ضروري يواكبوا التطور التكنولوجي ، الغير منطقي في سرعته، فرض عين مش رفاهية عشان يكونوا قادرين على تأدية دورهم كأب وأم ولحماية أطفالهم _إن جاز التعبير_ من أي تهديدات سلوكية أو نفسية نتيجة حتمية وجود الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في حياتنا قبل حياتهم من الأساس!
لما ابتديت أقرا عن الموضوع بشكل أكبر اتصدمت من إدراكي لأمور أغلبنا بيعاني منها على مستواه الشخصي بس ماكنش ليها توصيف أو تسمية واضحة عندنا، عرفت مثلًا إن في ما يسمى بإحباط الفيسبوك – Facebook Depression حقيقي، قال وإحنا كنّا نستغرب الحالة العامة دي وإن كتير بيعملوا تعطيل لحسابهم الشخصي في محاولة للطفو على السطح من جديد ولملمة شتات أمورهم. حالة الإحباط دي يخرج منها أسباب كتيرة جدًا، بس الأخطر إن يبقي في مواجهة كل ده طفل!
إحنا في مجتمع ضاغط أو خلينا نكون أكثر دقة إحنا في عالم ضاغط، وكل ما الوقت اللي قضاه الأطفال على الإنترنت والسوشيال ميديا تحديدًا زاد ، كل ما إحساس بالضغط ده هيزيد أكتر! في دراسة أجراها مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني في 2015، قالت إن الأطفال اللي بيقضوا أكتر من 3 ساعات على شبكات التواصل الإجتماعي يوميًا في موسم الدراسة بيكونوا أكثر عرضة بمرتين لتأثر صحتهم العقلية بالسلب. كما إن انغمارهم بالشكل ده في العالم الافتراضي ده بيؤخر أو بيعيق بمعنى أصح تنمية شخصيتهم عاطفيا واجتماعيًا، فوفقًا للدراسة السوشيال ميديا مصدر للمقارنات غير الصحية بين الأطفال وبعضهم، وللمضايقات الإليكترونية ( Cyber Bulling) اللي ممكن نسميها البلطجة الإليكترونية بين الأطفال والمراهقين بالأخص وبعضهم، واللي ليها آثار مدمرة على نفسية البعض منهم.
ده غير تعرض الأطفال لخطاب الكراهية والعنصرية المنتشر بشكل واسع جدًا على شبكات التواصل الاجتماعي، أشارت دراسة أجراها أساتذة علم النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا، أن التوسع في استخدام الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في التعاطف بين المراهقين، وزيادة النرجسية. على الجانب الآخر بقى، هنلاقي دراسات تانية زي اللي أجرتها جامعة ميتشجان وتوصلوا فيها إن كل ما زاد الوقت اللي بيتعرض فيه الأطفال والمراهقين للسوشيال ميديا، كل ما قلت ثقتهم بنفسهم وزاد إحساسهم بالسوء تجاه نفسهم لحظة بلحظة. كل ده مع السعي لإضافة أكبر عدد ممكن من الأصدقاء وتحقيق شعبية (popularity) وهمية، واحتماليات التعرض للخداع والاستغلال عن طريق الحسابات المزيفة لأشخاص مخادعين، وموضة السيلفي والجمال، بيضع الأطفال تحت ضغط وخطر مضاعفين بيؤدي للبعض لحالات قلق دائم وتوتر مستمر مع أرق وقلة نوم، والبعض للأسف ممن طاقة تحملهم أقل وأضعف بيدخلوا في حالة انطواء وعزلة أو بيلجأوا للمهرب الدائم وهو محاولة الانتحار.
مشكلة الأطفال إنهم بيعيشوا كل المراحل دي اللي بنمر إحنا بيها كأشخاص بالغين في الوقت اللي هما فيه لسه بيكونوا إدراكهم المعرفي للأمور من حواليهم، الوقت اللي لسه بيكتسبوا فيه مهارات نقدية تمكنهم من فلترة اللي بيتعرضوا ليه بدلا من امتصاصه كاملًا! الغرض من كلامي مش إني أصور الإنترنت والسوشيال ميديا كوحش مفترس وإني أحاول أحرضكم على إبعاد أطفالكم عنهم لأني حتى لو حاولت فمحاولاتي هتفشل، بالعكس الإنترنت والسوشيال ميديا ليهم دور فعّال ومهم وكل مساوئهم دي قابلة لوضعها في قالب ماتخرجش عنه ولا نفقد السيطرة عليه لو بس اهتمينا بالموضوع وقررنا إنه مستاهل شوية وقت ومجهود!
بعض علماء النفس ومستشاري تربية الأطفال اقترحوا بعض الحاجات اللي تساعد الآباء والأمهات فيما يتعلق بالموضوع ده منها:
1-شارك ابنك/بنتك تفاصيل حياتهم اليومية، وخليهم يتشاركوا معاك في حياتك أنت كمان، ده هيخلق تواصل ناجح وصحي بينكم مش هيحسس الطفل إنك مجرد رقيب عليه، ومش هيخليه يخلق لنفسه عالم موازي منغلق على ذاته.
2-ابنك على ما تعوديه دي حقيقة، لو الطفل بقى كبير كفاية إنه يستخدم لوحده الإنترنت، يبقى في قواعد لازم تتفقوا عليها تنظم الدنيا ما بينكم. أهمها تنظيم عدد الساعات اللي بيقضيها على الإنترنت، وتحاولي تخلقي له مجال على أرض الواقع يتواصل فيه ويمارس هواياته والحاجات اللي بيحبها وتشجعيه عند تحقيق أي إنجاز ولو بسيط. في نفس الوقت لازم تكون كأب وأم قدوة وتحاول أنت كمان تعتدل في استخدامك للإنترنت عشان مصداقيتنك قدام أولادك.
3-العلماء بيفضلوا إن يكون في كمبيوتر للأسرة في مكان مفتوح زي غرفة المعيشة مثلا، وإننا مانسيبش الأطفال منفردين بالأجهزة الإلكترونية قدر الطاقة عشان يكونوا تحت رقابتنا أكبر وقت ممكن، خاصةً وإن الأطفال من بعد سن 12 سنة بيكونوا أكثر قدرة على التحايل، فمثلا يدخلوا بإيميل مزيف بعمر أكبر من عمرهم عشان يتاح ليهم دخول ومشاهدة بعض الفيديوهات أو غيره.
4-الجأ لطلفلك وخليه يعلمك إزاي تعمل حاجة معينة على الإنترنت حتى لو أنت عارفها لأن ده بيخلق جواه شعور إيجابي بإنه شاطر في حاجة وإنك معتمد عليه عشان يفهمها لك، كما إن ده هيخليك على دراية بالمعرفة اللي وصلها ابنك وقد إيه هو قادر يدير أموره لوحده خاصةً الأمور المتعلقة بالخصوصية أو التعرض لمحاولات تحرش أو استغلال محتملة قد يتعرض لها. والأفضل عند السن المناسب من 12 سنة فما فوق تبدأ تتكلم مع ابنك عن الأمور دي بوضوح عشان يكون على دراية بيها ويقدر يتعامل معاها بنفسه.
5-استخدم تطبيقات التكنولوجيا اللي بتتيح لك مراقبة المواقع اللي أولادك بيدخلوا عليها ومنع مواقع بعينها من الظهور ليهم في نتايج البحث، ومراقبة الشات بتاعهم ودي خاصة للسن الصغير من الأطفال. جوجل طرحت محرك بحث مخصوص للأطفال “Kiddle” لضمان سلامة الأطفال من التعرض لأي محتوى غير مناسب أو عنيف أو ذو إيحاء جنسي، محرك البحث بيوفر نتائج قام باختيارها مجموعة من المحررين لضمان ملاءمتها للأطفال.
لازم تعرف إن في سن معين ابنك أو بنتك هيخرج للعالم ويواجه الحياة لوحده، وإن دورك مش إنك تراقبه لكن إنك تخليه مستعد لده، ولازم تحترم مساحة خصوصيته، ماتحاولش تتطفل عليه وتخليه يحس شعور إنه محاصر، التربية الأساسية في السن ده هي اللي هتخليك مطمن قدام على ابنك أو بنتك لو واجهته أي حاجة، لأنه بقى عنده شخصية قادرة على الاختيار والرفض والتحليل والنقد، وساعتها ابنك هيكون استثمارك الأنجح على الإطلاق : )