فن النحت: كوكتيل فني ما بين الرياضيات والتشريح!
تشريح ده ولا تجريح؟! ما عجزت بعض التماثيل الحديثة عن إجابته :D
كتبت: مها طـه
في وسط هوجة عظيمة اجتاحت مصر فجأةً ومع بدء غزو عدد كبير من تماثيل ”الزومبي“ لشوارع القاهرة والمحافظات، اختلفت ردود أفعال الناس ما بين ناس بتتريق على شكل التماثيل المريبة اللي مالية الشوارع وناس تانية بتتكلم من باب الصدمة والحزن على اللي وصل إليه حال النحت والنحاتين في مصر.
خصوصًا إن مصر كانت مشهورة بفن النحت من زمن طويل جدًا، من أيام التماثيل فائقة الجمال للمصريين القدماء مرورًا بالتماثيل الرومانية اللي كتير منها مازال بيزين الأسكندرية تحديدًا لحد محمود مختار وفناني جيله والأجيال اللي بعده.
إيه أصلًا علاقة فن النحت بالعلوم؟
فن النحت يُعتبر من أعظم أشكال الفنون الجميلة المعروفة للإنسان. لعب دور قوي جدًا في تطور الثقافات والحضارات. ولحد النهاردة مازال فن النحت والعمارة تحديدًا هما اللي بيجسدوا ويخلدوا للحضارة عن طريق الفن.
الفكرة إنه من مايكل أنجلو وبيكاسو وهنري مور لمحمود مختار وعبدالبديع عبد الحي وغيرهم من النحاتين اللي بالفعل كان ليهم أبعد الأثر من خلال تماثيل فعلًا أقل ما يُقال عنها إنها غاية في الجمال، كان لازم وهما بيبدأو يحترفوا النحت أو حتى الرسم ثلاثي الأبعاد، يتعلموا حاجة مهمة جدًا، ألا وهي علم التشريح!
النحت والتشريح
الفنانين التشكيليين زي النحاتين والرسامين في معظم الأوقات بيكونوا محتاجين لمعرفة على الأقل بأساسيات علم التشريح البشري علشان يتم الحفاظ على الشكل الجمالي في ظل مقاييس بشرية حقيقية.
النحات أو الرسام ممكن يستعين بـ”موديل“ عشان يجسده، لكن كمان أوقات ممكن يعمل شئ جمالي من خياله، وفي الحالة دي بيعتمد على تذكره الشكل العام مش التفاصيل كلها، واللي في النهاية هي اللي بتصنع الصورة الكاملة.
ولأن اللوحة الفنية الجميلة ما هي إلا مجموعة من التفاصيل الكتيرة والصغيرة واللي كل منها بيتضافر مع التاني عشان في النهاية تلاقي تمثال بديع أو صورة مُعبرة، دايمًا بيُعتبر نحت إنسان هو الأصعب لأنه بالفعل مليان بالتفاصيل.
مثلًا العضلات وأماكن اتصالها ببعضها، والنسب ما بين الطرفين العلويين والسُفليين، وتركيب ملامح وعظام وجه الست اللي بالطبيعة بيكون مختلف عن تركيب وملامح الراجل، وهكذا.
الوضع اللي بيتخذه التمثال كمان بيحدده علم التشريح، يعني ببساطة اللي قاعد مثلًا غير اللي واقف، حركات الإيدين والرجلين وتعابير الوجه كلها عبارة عن تركيب تشريحي لعضلات وأعضاء.
مثلًا تماثيل مايكل أنجلو كلها تماثيل نابضة بالحياة، تحسها بالبلدي كده هتنطق وده بسبب اهتمامه الشديد بالتفاصيل التشريحية في النحت، كل عضلة وكل وتر في مكانهم الصحيح.
الرياضيات علم وفن الحياة
علم الرياضيات بيُعتبر من أهم العلوم اللي قام عليها فن النحت والمعمار، وبتمتد العلاقة بينهم من حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، لما بدأو النحاتين والفنانين يعملوا مقاييس رسم جديدة عشان تقدر تطلع نسب بشرية مظبوطة، وده كان واضح جدًا في التماثيل الرومانية القديمة، اللي بتمثل الآلهة وغيرهم من التماثيل العارية.
”بوليكليتوس الأكبر“، النحات اليوناني الشهير كان بالمناسبة عالم رياضيات وصنع كتير من التماثيل البرونزية. الاسهام الأكبر له كان في وضعه لنهج رياضي جديد للوصول لنحت الجسم البشري بمقاييس منضبطة. بوليكليتوس استخدم مقياس يُسمى 1:√2، المقياس ده قائم على فكرة استخدام السُلامية (عقلة الأصبع) البعيدة من الصباع الصغير كوحدة أساسية لتحديد نسب جسم الإنسان.
بوليكليتوس ضاعف طول السُلامية البعيدة باستخدام الجذر التربيعي لرقم اتنين (√2) للحصول على طول السُلامية التانية، وضاعف الرقم مرة تانية بنفس الطريق للحصول على السُلامية التالتة، وبعدها كان بياخد طول الصباع كله ويضاعفه بنفس الطريقة للحصول على طول الأمشاط (راحة اليد)، وفضل مُتبع لنفس السلسلة الهندسية من القياسات، واللي بيها قدر يوصل لطول الذراع ومساحة الصدر وباقي أجزاء الجسم.
في النهاية فن النحت ما هو إلا تسجيل فني علمي للحضارة اللي بتعبر عنها التماثيل. كما إنه تسجيل لشخصية الفنان اللي قام بيها. وفي النهاية عشان يخرج علينا تمثال رائع لازم يكون عندنا معرفة علمية كبيرة ودراسة علمية كبيرة، تحديدًا علم التشريح وعلم الهندسة.
عشان كده بتُعتبر كليات الفنون الجميلة من أكتر الكليات اللي بتتطلب دراسة علمية قوية، لكن طبعًا ما وصل إليه حال النحت في مصر حاليًا، لو دلّ على أي شئ فإنما يدُل على الحال اللي وصلت له العلوم والفنون في مصر للأسف.
أسيبكم مع مجموعة من هؤلاء الـ”زومبي“ المنحوتة المعاصرة!
المصادر: theguardian udemy zbrushworkshops visual-arts