خالي من المواد الكيميائية: الأكل الطبيعي أصلًا مش طبيعي!
كتبت: مها طـه
الحملات الإعلانية دلوقتي لمعظم الأغذية بتتنافس على كلمة ”خالي من“؛ خالي من الكوليسترول، خالي من الدهون، خالي من السكريات، وأخيرًا خالي من المواد الكيميائية؟
عمرك سألت نفسك في كل السنين اللي كنت بتاكل فيها ”يا ترى أكلت كمية مواد كميائية قد إيه؟“ أو سألت عن تأثير المواد الكيميائية دي عليك. في المقال ده هناخدكم في رحلة تصحيح مفاهيم كده تقول لنا يعني إيه مادة كيميائية؟ وإمتى تبقى المادة الكيميائية ضارة؟ وهل في مواد كيميائية مفيدة؟
خالي من المواد الكيميائية الخدعة الكبرى
خلينا نقول إنك طول الوقت وإنت بتاكل أي حاجة، فإنت بتاخد مجموعة من المواد الكيميائية اللي ممكن تكون عمرك ما سمعت عنها أصلًا. يعني مثلًا إنت بتاخد سكروز ولينالوول وحمض ستريك وحمض اسبرتيك وغيرهم كمان في حالة إنك أكلت توت أزرق وبس!
لو حاسس بالمفاجأة استنى ثانية واحدة، كل حاجة حوالينا أصلًا عبارة عن كيمياء، كوباية الميه اللي قدامك ما هي إلا مركب كيميائي، شوية الهوا اللي بتتنفسهم ما هم إلا مجموعة من العناصر الكيميائية وهكذا.
تخيل بعد اللي عرفته ده إنه تطلع عليك حملة إعلانية عشان تقولك إن منتجاتنا خالية من المواد الكيميائية، طب إزاي يا جدع!
ثمرة الموز الواحدة بتحتوي على قائمة طويلة جدًا من المواد الكيميائية واللي غالبًا لا هتبقى عارفهم ولا سمعت عنهم وكمان ممكن ماتقدرش تعدهم.
في حين إن قطعة الحلوى ممكن تحتوي على أقل من خُمس المواد دي، طبعًا السؤال دلوقتي هيكون عن طبيعة المواد الكيميائية، وإنه من المؤكد إن المواد الكيميائية المُصنعة أخطر بكتير من المواد الكيميائية الطبيعية.
اعرف أسوء 9 أطعمة “مزيفة” في السوبر ماركت!
المواد الكيميائية المُصنعة vs المواد الكيمائية الطبيعية
الحقيقة إنه فعلًا المواد الكيميائية المُصنعة ممكن تكون أخطر، لكن مش كلها بالضرورة أخطر. تخيل إن ثمرة التفاح الواحدة إذا تمت مقارنتها أو تحديدًا مقارنة ”بذورها“ بمادة ثيوبنتال الصوديوم اللي بتُعتبر مخدر سريع المفعول وممكن الجرعة منها تكون قاتلة، هنلاقي إن بذور التفاح بتحتوي على تقريبًا نفس مستوى السُمية!
المادة الكيميائية الموجودة في البذور ومادة ثيوبنتال الصوديوم الاتنين بيبقوا مواد سامة، في حالة لما يكون تركيزهم 1000 ميللجرام لكل كيلوجرام من وزن جسمك. الفكرة بقى في إن بذور التفاح حتى ولو أكلتها، فإنت غالبًا هتاخد نسبة قليلة أوي، مش هتكون كافية أبدًا لحدوث التسمم.
بمقارنة الليمون بمادة الأسبرتام المُستخدمة في عمليات التحلية الصناعية وبالذات في منتجات مرضى السكر ومتبعي الدايت، واللي بالمناسبة عليها محاذير كتيرة كل شوية تتقال، فالليمون والأسبرتام الاتنين هما كمان ليهم نفس درجة السُمية عند تركيز 1000 ميلليجرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم.
الخلاصة هنا إن تقريبًا كل حاجة ممكن تكون سامة لكن الفكرة كلها في التركيز، إيه هي الجرعة اللي عندها المادة هتكون فعلًا خطيرة أو حتى مميتة، في مواد ممكن تحتاج لتركيز لا يتعدى كام ميلليجرام، وفي مواد تانية محتاجة كام كيلوجرام، وعشان كده نقدر نقول إن السم هو الجرعة مش المادة.
الأكل الطبيعي مش طبيعي أصلًا!
نتيجة لكل الكلام ده، فالأولى إننا نفكر في نوع المواد وجرعتها أكتر من وجودها أو عدمه، ولا فكرة طبيعي ولا صناعي، لأن المادة الطبيعية مش شرط دايمًا تكون مفيدة والعكس صحيح.
يعني مثلًا هل تفتكر إن البطيخ اللي حضرتك بتاكله حاليًا طبيعي؟ يؤسفني أقولك إنه لأ، لإن البطيخ الطبيعي هو اللي كان موجود زمان من حوالي 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وكان وقتها عرض البطيخة حوالي 55 ميلليمتر، ووزنها 80 جرام، وبتحتوي على نسبة 1.9 % سكر، وطعمها مُر جدًا.
حاليًا بقى البطيخ بتاعنا عرضه حوالي 660 ميلليمتر، ووزنه في المتوسط 8 كيلوجرام، وبيحتوي على 6.2% سكر. طبعًا كل التطور ده ما هو إلا نتيجة للتغيرات اللي أدخلها البشر على الزراعة وأدت لتطور البطيخ بالشكل ده.
اعرف اكتر عن أشكال الخضروات والفواكه قبل وبعد!
على نفس النهج، الذرة الحلوة مكنش شكلها زي دلوقتي خالص، وفي خلال 9 آلاف سنة بقى حجمها أكبر بألف مرة، وطعمها أحلى بـ3.5 مرة، ونموها أسرع بكتير.
في النهاية ده مش دفاع عن المواد المُصنعة والأغذية المحتوية على مواد كيميائية، لكنه كمان توعية بإنه مش شرط التحيُز لنوع مُعين دون غيره.
وفي النهاية مفيش حاجة اسمها حياة خالية من المواد الكيميائية زي ما بتحاول بعض الحملات الإعلانية الترويج ليها، وحتى كلمة ”ديتوكس“ ما هي إلا مجرد خدعة تسويقية لإقناع الرأي العام بشئ مُعين. لو حابب تعرف أكتر عن الديتوكس من هنا.
فكل اللي عليك إن تاخد بالك من نوعية وكميات أكلك في المطلق وخلاص.
المصادر: theconversation senseaboutscience ASAPSCIENCE