الزراعة بدون تربة: قيراط الهيدروبونيك ولا فدان زراعة
كتبت: مها طـه
في الفترة الأخيرة بقينا نسمع بشكل أكبر عن فكرة الزراعة بدون تربة أو المعروفة باسم (الهيدروبونيك) أي الزراعة المائية، واللي بيبقى فيها النبات مش محتاج لتربة عشان ينمو.
الهيدروبونيك بيتم النظر ليها على إنها هتكون الطريقة المُستقبلية للزراعة، خصوصًا في ظل عدم صلاحية بعض الأراضي، إلى جانب فكرة الإلتزام بمواسم مُعينة لزراعة نباتات معينة.
الهيدروبونيك مش حاجة جديدة، هو مُصطلح تجاري معترف بيه من 1940، ومعروف باسم الزراعة بدون تربة، وهنا الاستغناء عن التربة نبع من فكرة اكتشاف العلماء في بداية القرن العشرين إن النبات مش بيحتاج للتربة في حد ذاتها، لكنه بيحتاجها كبيئة أو وسط مُغذي، وظيفته توصيل المواد الغذائية اللازمة للنبات. ومن هنا جت فكرة توصيل المواد دي بطريقة تانية وبالتالي الاستغناء عن التربة نفسها.
الهيدروبونيك الاستغناء عن التربة بالمياه
الهيدروبونيك بيندرج تحت بند الزراعة المائية، وفيه بيتم تنمية النباتات في تربة أقل من المتوسطة أو في بيئة مائية بالكامل. الهيدروبونيك بتستخدم محاليل من المُغذيات النباتية لتغذية النبات في الماء بدون تربة.
الفكرة دي بتُعتبر فكرة مثالية بالنسبة للأشخاص اللي بيحبوا زراعة النباتات وبتقف مشكلة المواسم قدامهم، باستخدام الطريقة دي ممكن تزرع أي نبات تقريبًا في أي وقت من السنة، وده لأن وسائل التنمية وتقنياتها المُختلفة أصبحت بسيطة وفعّالة ومتاحة حاليًا.
الفكرة بتعتمد على توفير الاحتياجات اللازمة للنمو، بحيث ينمو النبات بشكل صحي، زيه زي الطبيعي المزروع في بيئته الأصلية.
طبعًا وجود المُغذيات في صورة محاليل عالية الذوبان بيمتصها النبات عن طريق الجذور، بتخلي النبات يبذل مجهود في استخلاص المُغذيات أقل بكتير من المجهود المبذول لاستخلاص وامتصاص المغذيات من التربة العادية.
لما بيحصل توفير الطاقة دي، فالنبات بيستخدم معظم طاقته في عملية النمو نفسها بالإضافة لعمليتي الإزهار والإثمار (التكاثر)، بدل ما يستهلكلها في استخلاص المُغذيات.
أنواع أنظمة الزراعة المائية (الهيدروبونيك)
طبعًا لما أقولك زراعة مائية ومحاليل مُغذية، فالفكرة اللي بتيجي في دماغ حضرتك، هي نبات متعلقة جذوره في محلول من المُغذيات وخلاص كده. لأ في الحقيقة ده نوع واحد بس من الأنظمة المُستخدمة في النوع ده من الزراعة، واللي هنشرحه بتفصيل أكتر بعد شوية.
في أنواع تانية كتير من أنظمة الهيدروبونيك بيتم اتباعها في العالم كله حاليًا، واللي بيكون فيها وسط مُعين للزراعة، واللي عليه بتنمو جذور النبات المزروع، وعشان كده خلينا نتعرف مع بعض على أنواع مختلفة من الأنظمة دي، وكمان أنواع الأوساط المناسبة للنوع ده من الزراعة.
الأوساط المناسبة عبارة عن نوعين:
أولًا: البيئة العضوية
ودي بتكون فيها البيئة المائية مُضاف إليها مادة صلبة أو ما يُسمى بالمخلفات الزراعية، زي قش الأرز مثلًا أو التبن المفروم أو حطب الذرة، الوسط ده بيتم الاستنبات عليه، والمثير للدهشة بقى إن الطريقة دي بتزود من القيمة الغذائية للمحاصيل.
بمعنى إن نسبة البروتينات والسكريات بتزيد فيها، وبكده تعود الفائدة على النبات وعلى التربة أو البيئة المزروع فيها النبات، وبالتالي هي كمان ينفع استخدامها كعلف للحيوانات، وده على عكس اللي بيحصل مع التربة الزراعية في العادي واللي النبات بيستهلكها تمامًأ تقريبًا.
ثانيًا: البيئة غير العضوية
وهنا بتتم الزراعة بإضافة العناصر الغذائية والمواد المعدنية في صورة محاليل مُغذية، وهنا بيتم وضع المحاليل في خزانات وتوصيلها للنبات بطرق مختلفة، مع وضع وسط ما يمكن من خلاله توصيل المحاليل فقط، بالإضافة للاستنبات عليها، وده بالظبط اللي بيحصل في الأنظمة اللي هنشرحها دلوقتي..
-
نظام الفتائل:
بيُعتبر أبسط أنظمة الهيدروبونيك. النظام ده بيتم وصفه كنظام سلبي، أو بمعنى أوضح إنه نظام بيعني عدم وجود أجزاء متحركة من النبات، المحلول المُغذى بيتنقل من المخزن السُفلي عن طريق عدد من الفتائل وصولًا للوسط اللي بيتم فيه النمو. في النظام ده بيُستخدم عدد من الأوساط، زي (البيرليت) وده نوع من الزجاج البركاني اللي بيجتوي على كميات كبيرة من المحتوى المائي، او تربة عادية، أو ألياف جوز الهند.
-
الزراعة المائية:
النظام ده بيُعتبر نظام إيجابي، وبالتالي فهو فيه أجزاء متحركة، وبالنسبة للأنظمة الإيجابية، فالنوع ده هو الأبسط، وهنا الجذور بيتم غمرها تمامًا في الماء اللي بيحتوي على محلول متخصص للنمو، وباستخدام مضخة هواء، بيتم ضخ الأكسجين لجذور النبات عشان يقدر يتنفس. غالبًا النوع ده بيُستخدم في زراعة الخس، وبينجح مع عدد قليل أوي من النباتات التانية.
-
نظام الفيضانات والصرف (التدفق والإنحسار):
النظام ده بيعتمد على إغراق النبات بالماء المحتوي على المحلول المُغذي اللازم للنمو بشكل مؤقت، يعني غمر وبعده استنزاف، وبعده غمر وهكذا، وده بيحصل آليًا عن طريق استخدام مضخة مياه مُتصلة بالخزان المحتوي على المياه والمحاليل وبالتبادل مع بعض طول الوقت.
-
الري بالتنقيط:
ودي أكتر الأنظمة استخدامًا في حالات الهيدروبونيك، عن طريق استخدام مؤقِت (timer) لضبط المضخة. المضخة هنا بتقوم بضخ المياه والمحاليل اللازمة للنمو من خلال شبكة من النوافير المائية المرتفعة.
في حالات وجود نظام لاسترداد وجمع المحلول المُغذي الزائد عن الحاجة، بيرجع مرة تانية للخزان، وفي حالات مابيبقاش فيها نظام استرداد والهدف هنا بيكون المحافظة على درجة الحموضة في الخزان عشان ماتختلفش كنتيجة للجمع والاسترداد وغيره.
وعشان كده بيُنصح في حالة استخدام نظام الاسترداد بمراعاة قياس درجة الحموضة كل فترة للتأكد من ثباتها، وفي حالة تغيُرها يُنصح باستخدام محاليل خاصة بدرجة الحموضة عشان تظبطها عند درجة معينة.
-
نظام N.F.T:
النظام ده هو بقى اللي بييجي على طول في ذهن أي حد لما تكلمه عن الزراعة بدون تربة أو الزراعة المائية.
الـ”Nutrient Film Technique – “N.F.T بتعتمد على التدفق المُستمر للمحلول المُغذي، وبكده فالنظام ده مش محتاج لتايمر، المحلول بيتم ضخه من المخزن للعلبة المُخصصة لنمو النبات. هنا بقى النبات مش محتاج لوسط نمو مُعين، لأن الجذور بتحصل على المُغذيات من تدفق المحلول.
طبعًا لما بيحصل التدفق من الخزان (تحت) للجذور النبات (فوق)، فهو بيرجع تاني لتحت، وهنا بقى بيتم جمعه في المخزن لإعادة تدويره، في حالة النظام ده، لازم يكون في صيانة دورية للمضخات الكهربية، لأن الجذور ممكن تجف بمنتهى البساطة لو حصل أي خلل في عملية التدفق.
-
نظام الآيروبونيك:
الـAeroponic معناها الحرفي زراعة هوائية، وده نوع من أنظمة الهيدروبونيك، لكنه بيُمثل تكنولوجيا متطورة وعالية، في النظام ده الوسط اللازم للنمو هو الهواء! بمعنى إن الجذور بتبقى مُعلقة في الهواء وكأنها مبلولة بقطرات من المحلول المُغذي، وده معناه إنها لازم تتبل بالقطرات دي كل شوية وكأننا بنخلق شبورة أو ضباب حوالين النبات، لأنها ببساطة مُعرضة جدًا لفكرة الجفاف.
بكده لازم دورة الشبورة دي تفضل مُستمرة بشكل متواصل. في النظام ده بيُستخدم التايمر عشان يحافظ على توقيتات ضخ المواد الغذائية، لكنه تايمر بيشتغل لفترة قصيرة، كفيل بس بإنه يشغّل المضخة لثواني كل كام دقيقة.
فوائد استخدام طريقة الهيدروبونيك في الزراعة
طريقة الهيدروبونيك تُعتبر طريقة فوائدها كبيرة جدًا:
أولًا في الزراعة بالطريقة العادية بنقوم بتقسيم رقعة الأرض الزراعية بين المحاصيل الاقتصادية والمحاصيل الاستراتيجية اللي محتاجينها بشكل دائم، وعادةً بنحتاج لمساحات واسعة من الأرض للوصول لحجم مُعين من كل محصول.
أما باستخدام طريقة الهيدروبونيك فيُمكن توفير مساحات الرقعة الزراعية للحصول على المحاصيل الاقتصادية بس، زي القطن مثلًا، أو المحاصيل الاستراتيجية بس زي القمح، وتحويل زراعة الخضراوات وما شابهها من محاصيل استهلاكية لطريقة الهيدروبونيك، وبكده نبقى وفرنا الأرض.
ثانيًا توفير المياه، وطبعًا معروف إننا داخلين على أزمة مياه ومشاكل على نهر النيل وسد النهضة وغيره، معروف إننا في الزراعة بالطريقة العادية بنقوم بري الأرض بكميات كبيرة من المياه عشان توصل لمرحلة التشبُع، والمياه اللي بتزيد عن الحاجة بيتم التخلص منها.
أما الزراعة بطريقة الهيدروبونيك بيكون الري بأنظمة مختلفة زي التنقيط والرش أو حتى بطريقة الشبورة زي ما شرحنا، وده معناه استخدام كميات أقل من المياه، والزائد عن حاجة النبات، بيتم عمل إعادة تدوير له.
ثالثًا توفير في الوقت، الزراعة بالطريقة دي بتكون عن طريق دورات زراعية سريعة وقصيرة، يعني مثلًا الخضراوات الورقية زي الملوخية والجرجير والخس والبقدونس، بتكون دورتهم الزراعية من 48 ساعة لـ4 أيام!
محصول الشعير مثلًا بيحتاج لدورة زراعية من 8 لـ9 أيام، وبكده نقدر نزرع في السنة نفس المحصول عدد مرات أكتر بكتير.
رابعًا حجم الإنتاجية، وهنا بقى بتكمن المفاجأة من العيار الثقيل، لإن الطريقة دي بتكون إنتاجيتها حوالي من 5 لـ7 أضعاف إنتاجية الأرض الزراعية بالطريقة العادية.
يعني مثلًا حجم إنتاج 100 متر فوق سطح بيت بطريقة الهيدروبونيك بيُعادل حجم إنتاج فدان أرض زراعية كامل بالطريقة العادية، بالإضافة لإن الهيدروبونيك كمان ممكن يستغل المساحات الرأسية، وبكده ممكن نضيف أدوار أو أرفف فوق بعضها، وبكده ممكن نضاعف الإنتاج باستغلال نفس المساحة.
خامسًا التقليل من استخدام المبيدات الحشرية والكيميائية في الزراعة، لأنه مش محتاج لده كنتيجة لكل المميزات دي، وبسبب عدم وجود تربة من الأساس، وبكده المُنتج هيكون آمن صحيًا وقيمته الغذائية أعلى.
كل الفوائد دي ممكن تخلي الزراعة بدون تربة هي المستقبل الحقيقي للزراعة في كتير من بلدان العالم ومنهم مصر، وده طبعًا لأننا تقريبًا بنواجه كل المشاكل اللي بتتغلب عليها الطريقة دي في الزراعة، أولًا وأخيرًا صدقوني العلم هو الحل، كل المشاكل لو تم التفكير فيها بشكل علمي وإيجاد حلول قابلة للتطبيق، هتختفي المشاكل تدريجيًا، ويبقى أهم ما في الموضوع هو العلم وقيمته وقدرته على الحل وخلق البدائل.
المصادر:
ecopostblog.wordpress luckyroots mnn simplyhydro growthtechnology hydroponics nal.usda