لغة التحوير: ”إنت كدّاب يابو صلاح“!
كتب: أحمد حسين
فن التحوير والكدب ده فن قديم جدًا، البشر لما ابتدوا يدركوا إن في حاجات تستحق الكدب أو التحوير عملوا كده فورًا. والكدب في الأساس هو إنك تتكلم بعبارات مش حقيقية، عن نفسك أو عن غيرك أو عن موقف مريت بيه، ومعظم الوقت بنستخدم الكدب علشان نحسّن صورتنا قدام الناس، أو حتى قدام نفسنا أحيانا، بس الأكتر بيكون قدام الناس.
زي مثلًا المشهد بتاع محمد هنيدي وغادة عادل، لما كانوا قاعدين على البحر، وبيكلمها في أشعار نزار قبّاني، وحب يعني يحسّن صورته قدامها، فقال لها إن نص أشعار نزار قبّاني دي مستوحاه منه. أو مثلًا لما علاء ولي الدين في فيلم الناظر لما اللمبي سأله هل حب بنات قبل كده، فرد صلاح بإنه حب واحدة معظمها حلو، ودي كدبة واضحة جدًا مش محتاجة نِقاش، علشان كده قاله بعدها على طول: ”إنت كدّاب يابو صلاح“، بس نعمل إيه بقى في الكدب اللي ساعات مابيكونش واضح ومابنعرفوش؟
تقريبًا كلنا بنكدب في اليوم من 100 لـ 200 كدبة على الأقل، وبيكون الكدب كله بيدور في فكرة الاعتذارات أو غيره من طرق تحسن الصورة عند الآخرين برضه. وتاريخيًا، البشر اخترعوا أجهزة كتير جدًا لكشف الكدب، بدايةً من الأجهزة البدائية في العصر المُظلم (كراسي المسامير وغيره)، لجهاز كشف الكدب (Polygraph)، لأجهزة مراقبة ضغط الدم وانتظام النفس، لأجهزة تحليل توتر الصوت، لأجهزة تتبّع حركة العين والمسح الضوئي للمخ وغيره كتير.
وعلى الرغم من تطوّر الأجهزة دي بمرور الزمن، إلا إنها مع التدريب السليم ممكن يتم خداعها بسهولة، ومفيش أي جهاز فيهم يعتمد عليه بشكل كامل لدرجة إن المحكمة مابتعترفش بتحليلاتهم ونتائجهم. وده غالبًا لأن الموضوع مابيعتمدش بس على الأعصاب وضغط الدم، لكن كمان بيعتمد على حركات بدنية (فسيولوجية) ونفسية (سيكولوجية) ممكن تبيّن إذا كان الشخص بيكدب ولا لأ، لأن في الوقت اللي بنكون بنكدب فيه، عقلنا بيبذل طاقة رهيبة وبيستغرق في الكدب لدرجة إن في بعض الإشارات بتفلت منه.
السبب في ده إن عقلنا الواعي بيتحكم في 5% بس من وظائفنا الإدراكية، بما في ذلك اتصالنا مع الأخرين، بينما الـ 95% الباقيين بيقعوا في منطقة اللاوعي، والعلماء/الباحثون في موضوع الكدب ده بيقولوا إن نتائج بحثهم أثبتت إن اللي بيحكي موقف حقيقي بيستخدم لغة مختلفة تمامًا عن اللي بيحكي موقف متخيّل أو مش حقيقي، وده ما يُعرف بـ ”تحليل النص اللغوي – Linguistic Text Analysis“.
السبب في إن اللي بيحكي قصة مش حقيقية ده، بيبذل مجهود أكبر في سرد قصة تبدو واقعية، لذلك بيستخدم لغة مختلفة وغير مباشرة وفي الأغلب بيتكلم بصيغة الشخص الثالث (زي اللي يقول: كذا ماكانش بيعمل، مش أنا ماكنتش بعمل)، والكلمات غالبًا مابتكون بعيده عن المباشرة (مفيش حفلة اتعملت هنا خالص غير طبعًا أنا ماعملتش حفلة هنا).
تاني حاجة ممكن تعرف منها اللي بيكدب، إنك هتلاقيه بيميل لاستخدام الشتيمة كتير في تبريره لموقفه، لأنه في الأغلب بيكون حاسس في اللاوعي إنه مذنب، لذلك بيحاول بأي طريقة يمحي التهمة دي من عليه تمامًا، فبيلجأ للشتيمة والعصبية (تليفوني الغبي فصل وماعرفتش أكلمك ودي حاجة تقرف وزفت).
تالت حاجة، غالبًا اللي بيكدب بيستخدم كلمات كبيرة ومقعّرة ومجعلصة في وسط الكلام، علشان يحاول يلهيك عن الحقيقة شوية. زي لانس أرمسترونج بطل سباق الدرّاجات الفرنسي، لما اتواجه مرتين بتهمة تعاطي المنشطات، المرة الأولى كانت في 2005، وكان كلامه كله تحوير وصيغته بتقول إن مش هو اللي بيعمل كدة ولا حاجة، وكأنه بيتكلم عن حد تاني، أما في 2013 لما اعترف بده فعلًا، قال الجُمل بصيغة المتكلم (أنا غلطت وأنا هتحمّل نتيجة غلطي ده) ببساطة.
مثال تاني، المرشح الرئاسي جون إدوارد، اللي عمل علاقة مع أحد الفتيات، وخلّف منها بنت وبعدين طلع قال إن الطفلة اللي ظهرت في وسط الأحداث دي، تخص الست دي وتخص أب افتراضي تاني، ودي الصراحة نسخة مطوّلة من جملة ”البنت دي مش بنتي“ . نيجي بقى للصيغة اللي اتكلم بيها في وقت ما اعترف، ببساطة قال ”أنا والد كوين (الطفلة)، وهعمل كل اللي أقدر عليه علشان أوفر لها الحب والمساعدة اللي هتحتاجها“، بسيطة ومفيهاش تحوير زي ما أنتوا شايفين.
المصادر: