.
هيدروجينا

البعض يموتون كمدًا لا وزنًا!

كتبت: آية أشرف المرسي

أحدث صيحات الرشاقة المنتشرة هذه الأيام هي موضة الصفحة الـA4 ، انطلقت من الصين وانتشرت في عدة بلاد أخرى، لوضع قياس خصرك ”قياس وسطك يعني“ مقياسًا للجمال من عدمه اعتمادًا على عرضه، فإن لم يتعدى عرض وسطك عرض الصفحة الـA4  أخذتي علامة الجودة عزيزتي، وإن  تعداه فنتمنى لك حظًا أفضل المرة القادمة!

في الوقت نفسه الذي نشرت فيه جريدة الجارديان البريطانية قرار البرلمان الفرنسي بوجوب أن تحصل عارضات الأزياء على شهادة صحية لضمان أن يحافظوا على أوزان صحية وإلا تعرضن لغرامة مالية تصل لـ75 ألف دولار ومدة حبس قد تصل لستة أشهر، كما فرضت على مجلات الأزياء والموضة أن يشيروا للصور الفوتوغرافية للعارضات اللي تم تعديلها ببرامج على شاكلة الفوتوشوب!

وبما إن زيادة الوزن وصمة عار على صاحبها عالميًا كما يبدو، ومع انتشار موجات مضادة في المقابل تروج لتقبل أجسامنا أيًا كان شكلها وأحجامها وظهور العديد من عارضات الأزياء الـplus-size وظهورمصطلحات الـcurvy  وغيره كما تطرقنا في المقال السابق، فعليه كان السؤال الأهم لحسم هذا الجدل والنقاشات الدائرة ما بين الآخرين وما بين أنفسنا على الأخص  هو ”كيف يؤثر الوزن والرياضة على صحتنا؟!“ وتحديدًا سنتطرق لهؤلاء من يندرجون تحت مظلة البدناء أو الـoverweight.

مبدأيا مصطلح زيادة الوزن أو الـoverweight مصطلح فضفاض ونسبي يختلف حسب السياق الجغرافي والثقافي لكل بلد، فالشخص ذو الوزن الزائد وفقًا للمعايير الأمريكية يندرج تحت بند ”السِمنة“ وفقا للمعايير اليابانية. معايير تصنيف البدانة والنحافة تختلف من وقت لآخر، الطريقة الأكثر شيوعًا لدى العديد من الناس في العموم هي الطريقة التقليدية من قسمة الطول على الوزن، والتي لا تعد طريقة موثوق فيها كما هو معروف، لأنها تتعامل مع كتلة الجسم ككل غير بدون تفريق ما بين نسبة الدهون والماء والعضلات في الجسم، وهو ما يدور حوله نقاشنا بالأساس!

في أوليمبيات 2012، واجهت السباحة الأسترالية ”ليزل جونز“ موجات من النقد حول وزنها واتهامها بالبدانة وأنها لا تستحق أن تمثل بلدها، جدير بالذكر أن جونز حصلت على مجموع 8 ميداليات أوليمبية. لم يسلم فريق كرة الشاطئ البريطاني للسيدات هو والسبّاحة البريطانية ”ريبيكا أدلينجتون“ من سخرية متعلقة بالوزن وصلت إلى حد العنف من خلال توجيهها لهم على تويتر وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي، ما يطرح سؤال كيف يمكن لنا أن نصف بطلات ومتسابقات أوليمبيات حصدن ويحصدن ميداليات أوليمبية كهؤلاء بعدم اللياقة البدنية ”unfit“ لأن أوزانهم تتعدى المسموح به وفقًا لمنظومة الصحة والرشاقة لدى البعض!

 
السباحة الاسترالية ليزل جونز                    السباحة البريطانية ريبيكا أدلينجتون

في دراسة نشرتها دورية ”European Heart Journal“ أظهرت أن طالما حافظ البدناء على المعدلات الصحية من عمليات الأيض والتمثيل الغذائي، ما يعني حفاظهم على المعدلات الطبيعية والصحية لضغط الدم والكوليسترول والسكر في الدم وغيرها من مؤشرات صحية، فهم ليسوا معرضين لمخاطر الوفاة من أمراض القلب أو السرطان بنسبة أكبر من هؤلاء ذوي الوزن الطبيعي.

دراسات مختلفة أُجريت أثبتت أن ما يؤثر بالشكل الأكبر على صحتنا هو النشاط البدني والتغذية وليس أوزاننا. الأمر لا يخضع لكونك رفيع/نحيف أو بدين/سمين بقدر ما يخضع لأسلوب حياتك، مدى لياقتك البدنية وسهولة حركتك وقيامك بمختلف الأنشطة. في قديم الزمان، كانت البدانة ضمانة للبقاء على قيد الحياة في بعض الأحيان، فمهما بلغت مخاطر زيادة الوزن لن تتجاوز مخاطر التعرض للمجاعة خاصة في ظل ظروف عيش قاسية! بعدها بعدة قرون أصبحت البدانة دليل على الثراء والرفاهية إلى أن أصبح الأمر عاديًا غير مثير للدهشة من بعد القرني التاسع عشر والعشرين. بعض الدراسات الحالية ترجح أن الدهون توفر لأجسامنا ما نحتاجه من طاقة أثناء فترات مرضنا، وأن هؤلاء ذوي نسبة دهون منخفضة في أجسامهم عرضة أربع مرات لأمراض القلب أكثر من نظرائهم ذوي الوزن الزائد والذين خضعوا لنفس التشخيص الطبي.

لا أدعوكم لزيادة وزنكم من خلال هذا المقال بالطبع ، كما أنني أدرك أن في مقابل الدراسات التي أشرت إليه هناك دراسات تشير للعكس مما أقول، ولكن هناك العديد ممن حاولوا إنقاص وزنهم وفشلوا ومع تكرار المحاولات يعودون بعدة كيلوجرامات زيادةً عن وزنهم السابق، ينتهي الأمر بإحباط تام ويأس لا نهاية لهم، فالبعض لا يموتون إثر زيادة الوزن ولكن قد يموتون كل يوم يوم بما يحملونه من آثار نفسية مدمرة من الوصمة الاجتماعية التي تلاحقهم لكونهم يعانون من السِمنة أو الوزن الزائد حتى أثناء ذهابهم لممارسة تمرينات اللياقة البدنية في الجيم نفسه على سبيل المثال.

المراهقين خاصةً يقعون في فخ الانتحار كحل دائم للتخلص من المضايقات المستمرة التي يتعرضون لهم في محيطهم ما بين أقراهم في المدرسة أو الجامعات. وهو الأمر الذي جعل بعض الدول تسن العقوبات على عارضات الأزياء ومجلات الموضة اللاتي يدعون من خلال مظهرهن للنحافة، فإن لم ينتحر بعض المراهقين يموت بعضهم إثر تجويع أنفسهم أو لسوء التغذية. لا يخفى عليكم كذلك أن بعض المؤسسات تخضع الوزن كعامل لتوظيف المتقكمين للوظيفة ضمن حسن المظهر، وآخرين يعانون من مشاكل عاطفية إثر الرفض الذي يتعرضون له بسبب شكلهم ومظهرهم.

تعمدت أنا أبتعد تمامًا عن عالم الموضة وصناعة الأزياء لإدراكي أنها صناة ربحية أولًا وأخيرًا، معاييرها متلاعبة وفقًا لما تمليه الأرباح ورؤوس الأموال، لذا ذكرت أمثلة لرياضيين في الأعلى في محاولة مني لتوضيح أن أحيانا تكمن مشكلتنا مع شكل الشخض ومظهره فقط لا غير، لا يهمنا لياقته البدنية ولا يهمنا مؤشراته الصحية وعمليات التمثيل الغذائي بداخل جسمه، وهو الأمر الذي ينبغي أن يستعير انتباهنا خاصةً فيما يتعلق بأجسامنا نفسها. الصورة الذهنية المقلوبة لنا فخ كبير قد يبتلعنا ويضعنا في حالة من رثاء الذات وفقدان الثقة بالنفس!

دعوني أختم المقال بدعوة للجمال في المطلق لكم ولي شخصيًا معكم من خلال عدة نصائح لطيفة على موقع  fitness magazine.com :

لا يجب علينا أن نعاني لكي ننقص أوزاننا، إذا كرهت كل دقيقة تقضينها في الجيم أو على التريدميل، فلن تستطيع أن تستمر، حاول أن تلعب رياضة مختلفة، ان تمارس أنشطة بدنية مختلفة كالرقص، وأخيرا المشي الوسيلة الأجمل والأبسط!

أنت لست وحدك في هذا الأمر. لا ينبغي عليك الانطواء أو الشعور بالخجل كمنبوذ رفضه من حوله، انزل واخرج ومارس الرياضة والأهم تمتع بصحة نفسية، فهي ما يهمك أمرها لكي تكمل ما بدأته من محاولة وصول لنظام حياة صحي ولطيف.

احرص على معرفة ماهية ما تأكله، ليس المهم أن تلتزم بأن لا تتعدى السعرات الحرارية التي ستدخل جسمك الـ 1500 – 2000 سعر حراري، ولكن المهم هو أن توفر لجسمك ما يحتاجه من كميات بروتين، دهون، نشويات، مياه إلخ. تجاهل الوزن وركز على معدلاتك الطبية ولياقتك البدنية فهي الأهم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى