.
نوّرها

«متعة التلصص».. إيه اللي بيحصل جوه عقل توم البصّاص؟

كتب: أحمد حسين

الأسطورة بتحكي عن الليدي جوديفا، اللي وقفت قدام جوزها الأمير علشان زوّد الضرايب على الشعب، فقررت إنها تقول له إن اللي بيعمله ده غلط، ولازم يخفّض الضرايب. جوزها قرر إنه يعجّزها، قال لها أنا مستعد بس بشرط، تركبي حصانك وتلفي البلد وإنتي عريانة. اتصدمت لكنها وافقت، وبعتت الحراس يطلبوا من الناس إنهم مايبصّوش، وبالفعل الشعب عمل كده احترامًا لوقفتها معاهم، ماعدا شخص واحد اسمه توم، حس إنه لازم يبص عليها وهي عريانة، وبعدين يقال إنه اتعمى كعقاب سماوي على اللي بيعمله ده، بس السؤال هنا، ليه توم البصاص كان عاوز يبص عليها والباقي لأ؟

التلصص اضطراب ولّا فعل عادي؟

الإجابة على السؤال ده ممكن تكون صعبة، لأنه علشان يتقال على حد مصاب بـ”اضطراب التلصص – Voyeuristic Disorder” ويتصنف التلصص (مراقبة البشر من غير ما يعرفوا) كاضطراب، لازم له شروط. من ضمن الشروط دي إن الشخص بيكون عمره على الأقل 18 سنة، لأن الأطفال والمراهقين بيكون عندهم فضول كبير في التعرّف على الآخر، وده بيخليهم يبصوا على جيرانهم من الشبابيك، أو يقرّبوا من باب الأوضة المقفول علشان يسمعوا اللي جوه بيقولوا إيه.

أما الشرط التاني فمتعلّق بشكل أساسي بالجنس، التلصص في الغالب فعل جنساني؛ بمعنى إن اللي بيعمله بيكون بيبص على حد بيغيّر هدومه، أو بيمارس الجنس، وطبعا ده بيكون في مكان خاص ومن غير علم الآخرين إن في حد بيتلصص عليهم.

الشرط التالت بقى إن التلصص ده يكون بيثير جنسيا الشخص اللي بيقوم بيه أو بيحفز عنده خيالاته الجنسية، وإن الموضوع ده يستمر لمدة 6 شهور على الأقل. ومن المحتمل وليس بالضرورة، إن المتلصص يمارس العادة السرية أثناء مشاهدته أو تلصصه على حد تاني في وضع جنسي أو عاري.

الاضطراب ده مالوش سبب واضح، ممكن يكون سببه اعتداء جنسي على المُتلصص، بس مش شرط. علاجه كمان مابيحتاجش أدوية، علاج نفسي كفيل بيه. الرجالة عادةً بيكونوا اكثر ميلا للقيام بالتلصص من الستات.

جدير بالذكر، إن اضطراب التلصص أو استراق النظر نوع من أنواع اضطراب البارافيليا. البارافيليا هي اضطراب عقلي وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في إصداره الرابع. الاضطراب ده مرتبط ببعض التخيلات والإلحاح والسلوكيات الجنسية اللي بتتضمّن أشياء مش حية زي الجزمة كده أو المعاناة أو الإذلال أو إن الطرف التاني مايكونش موافق.

اعرف أكتر| البارافيليا.. 10 حالات جنسية غير معتادة

الصورة: Wikimedia

هل المتلصص مصاب بإدمان الجنس؟

السؤال ده فيه خلط كبير. “د. باتريك كارنيس”، واحد من رواد مجاله المتعلق بدراسة الإكراه الجنسي والإدمان، وعضو بالجمعية الأمريكية لعلم النفس، عمل بحث عن إيه الفرق بين المتلصص ومدمن الجنس، وإيه اللي يخلّي الاتنين مختلفين. أول سبب مهم إن المتلصص مش لازم يكون حابب يمارس الجنس مع اللي بيتلصص عليهم، ولا بالضرورة يكون بيمارس العادة السرية وقت التلصص، هو مستمتع بفكرة إنه بيشوفهم من غير ما يعرفوا، بيطّلع على حاجة مش من حقه.

أما فكرة إنك تتخيل شخص من غير هدوم مثلًا، فدي فكرة ممكن تكون طبيعية وأغلب البشر بيعملوها، لو مش مرتبطة طبعًا بأي أفكار غريبة،زي إنك تكون بتتخيلهم بيتعذبوا مثلًا، لأن دي سادية. المتلصص كمان ممكن يكون بيحب يدخل على المواقع الإباحية، زي المصاب بإدمان الجنس، بس بيركز على أنواع كلها متصورة دون علم اللي بيتصور.

اللي اتفرج على فيلم “American Pie – 1999” إخراج بول وكريس ويتز، اللي كان فيه مشهد بيصوّر مجموعة من الطلبة في المدرسة الثانوية، بيتلصصوا على طالبة تبادل (من بلد تانية غير أمريكا)، عن طريق كاميرا الكمبيوتر (Web Cam)، اللي هي المعادل الحداثي أو الجديد للأخرام في الحيطان أو البيبان. و ده بقى اللي بيعمله المتلصص في العصر الحديث.

لقطة من فيلم American Pie

ثانية واحدة، في سؤال مهم ضرب في دماغك دلوقتي، ماذا لو كنا كلنا توم المتلصص بشكل أو بأخر حاليًا؟ ليه الشخص اللي بيستمتع بإنه يدخل على أكاونت ناس غيره مايعرفهاش، ويتفحّصها ويتمحّصها، مايُعتبرش توم متلصص؟ هل السوشيال ميديا أتاحت لينا التلصص بشكل طبيعي ومنطقي وبقى جزء من ثقافتنا حاليًا؟

كلنا توم البصّاص؟

اللي فاكر فيس بوك في البداية، مدرك إن الكلام ده مُستحدث. في 2007 كان فيس بوك -بالنسبة لي- مساحة خاصة للتفاعل مع الأصدقاء والزملاء، عكس مثلًا Hi5 اللي كان مشاع وكل الحسابات عليه عامة. لكن من بعد 2011 تقريبًا الأمر اختلف، ودخل على فيس بوك فكرة الحساب العام، والمتابعة (اللي كانت خاصة بتويتر)، والبث المباشر (اللي كانت خاصة بيوتيوب) وغيرهم.

كل التغيرات دي، حوّلتنا بشكل أو بآخر، إلى متلصصين ومُتلصص عليهم، أصبح عندنا دافع أكبر لعرض أجزاء من حياتنا الشخصية، ومعرفة جزء من اللي بيحصل في حياة ناس غيرنا، ناس مانعرفهاش بقينا نتعامل معاهم كأنهم معرفة شخصية.  ظهر مصطلح المتعقبين “stalkers” أونلاين، الشخص اللي يدخل على حساباتك الإلكترونية، ويجيب تاريخك وأصلك وفصلك، ويتابع حياتك وبتعمل إيه وبتقابل مين. ماقدرش أقول إن دي حاجة سيئة ولا لأ، هي بترجع لتقديرك الشخصي، لكن الموضوع أصبح فيه متعة شبيهة بالتلصص، والكلام ده -للأسف- علمي.

الصورة: Jisc

دراسة اتعملت سنة 2014 في فنلندا، بتقول إننا أصبحنا بنستمتع بالقدرة على التلصص على حسابات ناس غريبة علينا، من غير ما نكون مضطرين نديهم أي حاجة في المقابل، أو حتى نعرّفهم على نفسنا، زي ما اتكلمنا على فكرة البص على الجيران من الشباك، مش مضطرين نعرّفهم إننا بنبص عليهم، إحنا بنعرف عنهم حاجات كتير جدًا من غير ولا حِس ولا خبر، وبنستمتع بده كمان.

الموضوع كمان طلع له أصل تطوّري، بمعنى إن العلماء اكتشفوا إن البشر بشكل طبيعي فضوليين، وفيهم صفات طفولية (juvenile) محتفظين بيها بعد البلوغ، منها فكرة الفضول في اكتشاف الآخر، ومحاولة المقارنة بينا وبينه، وده بتوفره السوشيال ميديا بشكل سهل طول الوقت. أيوة ده يخلينا يعني بصاصين زي توم؟

زي ما قولت قبل كده، الموضوع معقّد جدًا، لكن بشكل عام اللي محتاجين نعرفه، إنه طالما مابنحسش بمتعة جنسية، لما بنبص على حساب حد على السوشيال ميديا، وأقصد بشكل واضح حسابات ناس عادية مش حسابات جنسية، فده معناه إننا في السليم. أما إذا كان الأمر فيه متعة جنسية، فيُفضّل إننا نزور طبيب مختص، علشان بس الموضوع مايبقاش مؤثر على حياتنا الشخصية، ولا يسبب لنا إحراج في المستقبل. وكل شخص أعلم بحاله بقى.


المصادر: psychologytoday  psychcentral sutherlandlabs bustle psychologytoday 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى