البتر الذاتي: ليه فيه حيوانات ممكن تقطع أعضاءها بنفسها؟
ترجمة: أحمد حسين
سنة 2010 اتعرض فيلم اسمه “127 Hours”، من إخراج “داني بويل” عن قصة حقيقية لمتسلق جبال إيديه اتحشرت بين صخرتين وهو في إحدى مغامراته. وبعد معاناة استمرت لـ127 ساعة من أجل النجاة، اضطر في النهاية هذا المتسلق إنه يقطع جزء من دراعه المحشور علشان ينقذ حياته، وده ما يطلق عليه عملية البتر الذاتي. العملية دي بتحصل برضه في المملكة الحيوانية، بس هل بيحصل لنفس الأسباب؟ خلونا نعرف.
البتر الذاتي في المملكة الحيوانية
طبعًا اللي حصل في الفيلم _وفي الحقيقة_ للمتسلق ده أمر مش منتشر ومابيحصلش عادةً، لأن الموقف اللي كان واقع فيه ده متطرّف جدًا وصعب حد يقع فيه بسهولة، وكان لوحده فمفيش أي حل غيره. عمليات البتر عادةً مابتكونش ذاتيه للبشر، فيه طبيب هو اللي بيقوم بيها، علشان ينقذ باقي أعضاء الجسم، من عضو مصاب بغرغرينة أو سرطان أو غيره، فعلشان يمنع انتشاره بيضطر يبتر العضو المُصاب. الكلام ده بيحصل شبهه زي ما اتفقنا في المملكة الحيوانية، بس مش شبهه أوي برضه، لأن الأسباب مختلفة شوية.
مبدئيًا فيه أكتر من 200 حيوان عندهم القدرة على بتر أعضاءهم ذاتيًا، وزي ما بيشرح د. ذاكري إيمبرتس عالم البيئة السلوكي، فموضوع البتر الذاتي للحيوانات ده أمر متطرّف رغم انتشاره بصورة أكبر من اللي موجودة في البشر، لأنه ببساطة البشر ممكن يفقدوا حياتهم بسبب النزيف الناتج عن عملية البتر دي لو حصلت بشكل خاطئ.
بالنسبة لبعض الحيوانات، موضوع البتر الذاتي مسألة حياة أو موت، لكن تأثيره عليهم مش خطير زي تأثيره على البشر. حسب كلام د. إيمبرتس، الحيوانات مابيخسروش دم كتير، وكمان الإصابات دي بتخف بسرعة، يعني ممكن في الفترة من 24 إلى 48 ساعة يكون الحيوان قدر جرحه يلتأم.
طيب جميل، إيه بقى السبب اللي ممكن يخليهم يعملوا كده؟
السبب الأساسي للبتر الذاتي هو الهروب من الحيوانات المفترسة، حاجة كده أشبه بلما حد يجي يتخانق مع مجموعة متفوقة عليه في العدد والقوة، يروح ماسك آلة حادة ومعوّر بيها نفسه، فالمجموعة دي تخاف وتهرب منه. ممكن برضه عملية البتر الذاتي تحصل في موقف مشابه للي حصل مع المتسلق، يعني عنكبوت رجليه اتحشرت في شق على شجرة، فممكن يقطعها ويسيبها، وهي هتبقى تطلع تاني.
لو حسيت إن الكلام ده فكّرك بأفلام “Saw” المرعبة، فما تقلقش، الموقف مابيكونش بالسوء ده خالص. يعني صعب نقول إن الحيوانات اللي بيقطعوا أعضاءهم بيحسّوا بأي ألم خلال العملية، لأن الموضوع كله بيتم بشكل سريع جدًا، وزي ما اتفقنا، الحيوانات مابيفقدوش دم كتير خلال العملية، والجرح بيلتأم بسرعة.
طيب بالنسبة للمخلوقات اللي زي الحبّار أو الزواحف اللي ماعندهاش فك قوي أو مخلب حاد بيعملوا العملية دي إزاي؟
- د. إيمبريتس بيقول إن المخلوقات دي بتستخدم طريقة أكثر إبداعًا. مثلًا لو فرضنا حد فيهم عضو منه محشور بين فكّين سمكة قرش ضخمة، أو متشابك مع حيوان تاني، فبيفضل يتشقلب ويرتعش ويتحرك بقوة في الاتجاه المعاكس، فيقدر ساعتها يتخلص من العضو المتشابك ده.
- فيه بقى حيوانات تانية، مش محتاجة لا فك قوي ولا مخالب حادة ولا حتى شقلبزات ورعشات، حسب تعبير د. إيمبريتس الحيوانات دي عندهم كعب أخيل، أو يعني أعضاء ضعيفة ممكن يقطعوها بسهولة جدًا. مثلًا السحالي اللي من نوع الإيجوانا، لو حصلت لهم إصابة في ديولهم، ممكن بكل سهولة يفككوا عضلات الديل ده، فيسقط في مكانه، وتتحرك الإيجوانا عادي جدًا ولا كأن حصل حاجة.
- مش بس الديول والأطراف هي اللي ممكن بعض الحيوانات تعمل لها بتر ذاتي وتستعيدها، ده فيه بعض الحيوانات زي السلمندر أو الأخطبوط أو الكابوريا مثلًا، ممكن تعيد نمو العيون والقلوب كمان. الكلام ده عادةً بيحصل في الحيوانات اللي بتبيض، لكن فيه حيوان ثديي واحد معروف عنه القدرة دي، وهو الفار الشوكي الإفريقي ذو العيون الحبرية (Inky-eyed African Spiny Mouse).
الفار الشوكي ده قدرته فعلًا عجيبة، لما بيدخل عليه حيوان مفترس، بيقدر إنه يتخلّص من جلده كله، فالحيوان المفترس ده بيترعب وبيطلع يجري. تخيل لو إنت داخل على شخص ولقيت جلده بيقع منه، ده أمر مرعب جدًا، بس الفرق بيننا وبينه، إنه بيقدر بسهولة يعيد نمو الجلد ده. بعض العلماء اقترحوا إن القدرة دي مشابهة لقدرة جلد الإنسان على علاج نفسه بعد الإصابات، بس الحقيقة ده اقتراح مش صح أوي، لأننا مابنقدرش نوقّع أو نشيل جلدنا بنفسنا ونرجّعه تاني بسهولة.
طبعًا الكلام ده مابيحصلش مع كل الحيوانات والحشرات زي ما اتقفنا، فيه مثلًا حشرات زي البق الحقيقي (True Bugs) أي بتر بيحصل في جسمهم معناه إن العضو ده مش هيطلع تاني. وزي مثلًا أحد أنواع العقارب في أمريكا الجنوبية -اسمه (Ananteris)، ممكن يقطعوا ديلهم علشان يهربوا من حيوان مفترس، بس الحقيقة ده معناه إنهم هيموتوا بعد حوالي 8 شهور، مما يتيح ليهم التوالد، فما يبقوش ماتوا على الفاضي.
بعض الحيوانات الأخرى، زي بعض أنواع السحالي، مابيقدروش يعيدوا نمو الأعضاء اللي اتقطعت، بس دي مش مشكلة بالنسبة لهم، فبيقدروا يعيشوا من غير ديل لفترة من الزمن عادي. الفرق بينهم وبين العقارب، إن أجهزة الإخراج مش موجودة في ديل السحالي، لكن العقارب دي أجهزة إخراجها في ديلها، فلو فقدوا الديل مش هيقدروا يعملوا عملية الإخراج دي بشكل طبيعي، وتفضل الفضلات تتراكم جوة جسمهم لحد ما يموتوا.
البتر الذاتي مش كله للهروب
البتر الذاتي ممكن يحصل لسبب تاني خالص عكس الهروب، وهو إنه يحصل للتكاثر أو التوالد، إزاي؟ هنقول حالًا. ناخد نجم البحر على سبيل المثال، نجم البحر بيتكاثر لاجنسيًا، عن طريق إنه يبتر أو يوقّع دراعه من دراعاته، فالدراع ده يتطوّر ويتحول إلى نجم بحر تاني.
أو مثلًا بزاق البحر الأحمر (Red Sea Slug)، ده حيوان بحري عجيب بقى، بعد العملية الجنسية بيتخلّص من العضو الذكري، وعنده 2 كمان احتياطي! العلماء قالوا إن ده احتمال يكون بيحصل لأن الأعضاء الذكرية للحيوان ده عبارة عن عضو قابل للاستعمال مرة واحدة (Disposable Tool).
وعلى ذِكر التخلّص من الأعضاء الذكرية، بعض أنواع العناكب العجيبة، الذكر فيها بيتخلص من عضوه الذكري وهو جوّة الأنثى. طبعًا ده كلام غريب جدًا بالنسبة لنا، بس يعني هما عندهم أسبابهم. العملية دي اسمها سد التزاوج (Mating Plug)، بتعملها بعض الحيوانات والحشرات، عن طريق ترك العضو الذكري جوّة أعضاء الأنثى، علشان يحافظ على الحيوانات المنوية جوّاها، وكمان يمنع أي ذكر تاني من الدخول.
طبعًا تخيّل ده على البشر شيء مقزز وصعب جدًا، لكن هو ده حال الطبيعة، والأمور مابتتقاس بمقاييس البشر خالص. يعني مثلًا، بعض الأنواع التانية من العناكب بيعملوا حاجة غريبة برضه، ممكن علشان يبيّنوا للأنثى أنهم جديرين بيها، يقطعوا عضو من أعضاءهم ويقدموه ليها هدية. د. إيمبرتس بيقول إنه الأنثى بتتغذى على العضو ده، ولما تعمل كده، يبقى معناها إنها مستعدة تاخد العلاقة دي للمستوى الأعلى، وموافق تتزاوج مع العنكبوت ده.
فيعني في النهاية، خلونا نقول إن الطبيعة مبهرة جدًا، وكل ما بنعرف عنها تفاصيل أكتر بتبقى مبهرة وجذّابة ومثيرة للتأمل أكتر وأكتر. واللي يعيش ياما يشوف، واللي يبص للطبيعة يشوف أكتر.
مترجم من موقع Popsci