.
حيّ يرزق

ريد ويجلر دودة قد تربيها في غرفة نومك.. كيف ولماذا ؟

تقرير: مها طـه – أحمد حامد
كتبت: مها طـه – تصوير: أحمد حامد

يتوجه “وائل يحيى” إلى الترعة الموجودة في قريته ويبدأ في جمع القمامة المتناثرة حولها، ويعود إلى أصدقائه الصغار ليطمئن عليهم، ويمنحهم نصيبهم مما تجود به المخلفات العضوية من وجبات دسمة غنية بالعناصر الغذائية، وهو ما يروق بشدة لديدان الـ”ريد ويجلر Red Wiggler” التي يربيها وائل في مخزن بجوار الترعة في منطقة بهتيم شمال القاهرة.

الريد ويجلر (Eisenia fetida) أحد الأنواع الأكثر شعبية في مجتمع الديدان، حيث تتمتع بقدرة عظيمة على النمو والتكاثر في ظل بيئة من المواد العضوية المتحللة؛ التي تتغذى عليها الدودة وتخرجها في صورة سماد عضوي غني بالعناصر اللازمة لنمو النباتات، والمعروف باسم (vermicompost) أو سماد الدودة.

الريد ويجلر تأكل “زبالتنا” لتخرجها سمادًا

كمعظم الديدان الحلقية يمتد الجهاز الهضمي لدى الريد ويجلر على طول الجسم، من العقلة الأولى وحتى الأخيرة، حيث يدخل الطعام إلى فم الدودة، ومنه إلى البلعوم الذي يخلطه باللعاب ويدفعه إلى المريء، ومنه إلى الحويصلة، حيث يتم تخزينه لفترة قبل دخوله إلى ما يشبه “القانصة” لدى الطيور، حيث يتم طحن الطعام نظرًا لعدم وجود أسنان في فم الدودة.

في هذه المرحلة يصبح الطعام جاهزًا للانتقال إلى الأمعاء، حيث يتم خلطه بالأنزيمات الهاضمة التي تفرزها الدودة، وهنا يتم تحليل المواد العضوية المعقدة وإخراجها في صورة بسيطة؛ يمكن للنباتات الاستفادة منها في الحصول على المغذيات اللازمة لنموها.

وصف تشريحي لدودة الريد ويجلر – المصدر: د/ محمد أبو السعود

سماد الدود ..ما بين المبالغة والحقيقة

يقال إن المصريين من أوائل الشعوب التي أدركت أهمية ديدان الأرض لخصوبة التربة، حتى أن كليوباترا (384 – 322 ق.م) اسمتها “ديدان الأرض المقدسة”، وأشارت إلى الدور الهام الذي تلعبه الديدان في تسميد الأراضي حول نهر النيل بعد الفيضانات السنوية، أما إزالة دودة الأرض فكانت عقوبتها الإعدام، ولم يُسمح للمزارعين المصريين حتى بلمس الدودة خوفًا من الإساءة لإله الخصوبة.

اعرف أكتر | عن “أكل الحشرات” : مزفلطة بس تملى التانك!

يُطلق البعض على سماد الدودة (vermicompost) اسم الذهب الأسود، نظرًا لأنه – من وجهة نظر بعض مربيّ الدود – أفضل سماد عضوي على الإطلاق، فضلًا عن المبالغة في سرد فوائده للنبات وأحيانًا للصحة العامة، وهو ما دفعنا لسؤال الدكتور “محمد أبو السعود” وكيل الإرشاد والتدريب بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي، التابع لمركز البحوث الزراعية حول حقيقة هذا الأمر.

“لكل سماد عضوي مميزاته.. لكن مفيش سماد يقدر يدي كل النباتات 100% من احتياجاتها” أكد أبو السعود، واستطرد “النبات زيه زي الإنسان تختلف احتياجاته حسب سنه وحجمه والبيئة اللي عايش فيها”، فمثلًا النباتات الورقية يمكنها أن تكتفي بسماد الدودة، على عكس النباتات الزهرية، التي تحتاج إلى عناصر مختلفة لنمو الثمار.

د.محمد أبو السعود أمام أحواض دودة الريد وبجلر بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي

وأضاف أن هذا لا ينفي جودة سماد الدودة، بل العكس، فهو يتمتع بالعديد من الفوائد للتربة وللنباتات، حيث أنه:

1- يمد النبات بالعناصر الغذائية الضرورية (P, K, N, Ca, Mg, S)، حيث أن نسبتها بسماد الدودة أعلى من مثيلاتها بالسمادالتقليدي.

2- يساعد على زيادة كم ونوع الميكروبات النافعة الموجودة بالتربة، وبالتالي يوفر نشاطًا بيولوجيًا جيدًا، يعمل على تحسين ظروف النمو ومواصفات التربة، خاصًة المصرية التي تعاني من فقر في المادة العضوية.

3- القدرة على مكافحة الأمراض الفطرية، حيث يستخدم منقوع السماد رشًا على النباتات، وذلك يرجع بصورة أساسية لغنى سماد الدودة بالكائنات الميكروبية النافعة.

4- القدرة على مقاومة الحشرات، لاحتواءه على أنزيم الـ”كيتينيز”، الذي يعمل على تحليل مادة الكيتين الموجودة في جدار خلايا الحشرات، وبالتالي يتسبب في موتها، وهو ناجح في مقاومة “الخنافس، حشرة المن، العناكب”.

دودة الريد ويجلر والبيئة

وفقًا لتصريحات الدكتور خالد فهمي، وزير البيئة، فإن حجم المخلفات الزراعية فقط يبلغ نحو 33 مليون طن، ما يقارب نصف حجم المخلفات في مصر “70 مليون طن”، وفي ظل عدم وجود إحصاء دقيق لحجم المخلفات العضوية وحدها، فإن أكثر من نصف مخلفات مصر يمكن أن تتغذى عليها دودة الريد ويجلر.

حيث يمكن للريد ويجلر أن تتغذى على معظم أنواع المخلفات العضوية، بما فيها مخلفات المطبخ، بالإضافة للورق والكارتون ومختلف أنواع المخلفات الزراعية، مثل قش الأرز، الذي يؤدي لمشاكل بيئية كبيرة في حالة حرقه.

يحتوي جسم الدودة على غدد تساعدها على التعايش في ظل بيئة من المخلفات العضوية، لأن إفرازاتها تعادل الحموضة الزائدة نتيجة لوجود غاز ثاني أكسيد الكربون في التربة، فتقلل من نسبته المنبعثة في الغلاف الجوي، عن طريق حبسها للكربون في التربة، وبالتالي تساهم بشكل غير مباشر في الحد من أثره المُرتبط بتغيُّر المناخ.

اعرف أكتر | عن تغير المناخ ما بين الأدلة والكارثة المنتظرة

لكن لهذه المعادلة دورها أيضًا في الحفاظ على البيئة؛ حيث أنها تُقلل من نسب غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي، عن طريق حبسها للكربون في التربة، وبالتالي تساهم بشكل غير مباشر في الحد من أثر أحد أشهر غازات الاحتباس الحراري المُرتبطة بتغيُّر المناخ.

دورة حياة الـ”ريد ويجلر”

إنفوجراف تفاعلي لدورة حياة دودة الريد ويلجر

قال الدكتور “خالد غانم” أستاذ الزراعة العضوية، كلية الزراعة جامعة الأزهر  إنه وفقًا لظروف البيئة المحيطة بالدودة من تباين درجات الحرارة أو اختلاف الـPH أي درجة الحموضة، فإن إنتاج الدودة يتغير؛ ولكن في الظروف المناسبة تكون دورة الحياة كالآتي، (مرحلة البيض أو الشرنقة، ثم البلوغ، وأخيرًا مرحلة التزاوج).

على الرغم من أن الريد ويجلر خنثى، إلا أنها لا تستطيع تلقيح نفسها، ولكن يلزم وجود اثنين منها، حيث تتزاوجان عن طريق الاتصال في اتجاهين متعاكسين، بحيث تصبح رأس إحداهما عند ذيل الأخرى، عند حدوث الاتصال يبدأ تبادل الحيوانات المنوية بينهما.

وعند الانتهاء، يحدث الانفصال بينهما، ويبدأ كل منهما في إفراز البويضات لتختلط بالحيوانات المنوية للآخر، ليحدث الإخصاب، وعندها يخرج البيض المخصب في شكل شرنقة لتبدأ الدورة من جديد.

“داروين” يكتب عنها و”زكريا” يربيها في غرفة نومه

كتب “تشارلز داروين” آخر أبحاثه عن عالم الديدان، والذي نشره قبل وفاته بعامٍ واحد، تحت عنوان (تشكُل القالب النباتي عبر حركة الديدان) والذي قال فيه : “قد يكون هناك شك في أن هناك العديد من الحيوانات الأخرى التي لعبت دورا هاما جدا في تاريخ العالم، كما فعلت هذه المخلوقات بسيطة البنية”.

المهندس زكريا راتب وابنه يضعان الطعام لديدان الريد ويجلر

وبهذا يمكن اعتبار الريد ويجلر بمثابة مصنع سماد صغير في منزلك، فهي تتغذى على مخلفات المنزل العضوية، فتخلصك منها، وتُنتج سمادا عضويا غنيا بالعناصر اللازمة لنمو النباتات، يمكن استخدامه في الزراعة المنزلية مثل زراعة الأسطح.

وهو ما يطبقه بالفعل المهندس “زكريا راتب” في بيته بحي حلوان جنوب القاهرة، حيث يربي دودة الريد ويجلر في صناديق من البلاستيك والفلين.

“الصناديق دي بحطها في أي مكان في البيت، أول مكان حطيتها فيه كان أوضة نومي” هكذا أجاب راتب عند سؤاله عن إمكانية تربيتها بالمنزل.

وأكد راتب أن الدودة مُسالمة جدًا، إذا تمت تربيتها والحفاظ على بيئتها وإعطائها الطعام المناسب بالكمية المناسبة، فلن تحاول الخروج من صندوقها، ولن تصدر عن الصناديق أي رائحة كريهة.

“دول عندي بالدنيا كلها”.. هكذا عبّر راتب عن سعادته بإنتاج الدودة وهو يُمسك بحفنة من السماد بين يديه، حيث يستخدمه في زراعة أنواع مختلفة من النباتات، مثل الورقيات والخُضر والفواكه في حديقة سطح منزله، والتي يفتخر بها راتب بسبب تنوعها الشديد.

المهندس زكريا راتب وحديقة سطح منزله

اعرف أكتر | الزراعة بدون تربة: قيراط الهيدروبونيك ولا فدان زراعة

حيث يجلب له أصدقاؤه بذورا من مناطق مختلفة من مصر والعالم لزراعتها، فالشطة من أسوان، وكوسة وريحان من إيطاليا، ونباتات غير مشهورة بمصر، قال إنه نجح في استخدام سماد الدود في العديد من النباتات لديه، مثل الورقيات، ولكنه في نباتات أخرى كالطماطم لم ينجح دون الاستعانة معه بأنواع أخرى من الأسمدة، وهو ما أشار إليه د. محمد أبو السعود سابقًا.

“سماد الدود مهم وغني بالعناصر التي تساعد على إثراء التربة وإنبات البذور بشكلٍ جيد، وإنجاح الزراعات المنزلية” لفت راتب، بعد أن عبر عن قلقه من الترويج له على أنه الحل السحري الذي يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل لكل النباتات، كما يدعي البعض بسبب الدعاية والترويج للمُنتج من غير المتخصصين.

                  الآن.. هل تفكر في تربية دودة ريد ويجلر بمنزلك! 

كيف تربي دودة الريد ويجلر في منزلك

هذا التقرير منتج في إطار مشروع الصحافة العلمية “العلم حكاية” الذي ينظمة معهد جوته، الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD) وأكاديمية اونا، وبدعم وزارة الخارجية الألمانية.

لمزيد من المعلومات : http://www.ona-academy.com/ar/مشروع-العلم-حكاية/ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى