.
مشاركات حرة

كوماروف: الرجل الذي قتله الباراشوت!

"مستعد للطيران في أي وقت" قالها كوماروف مع علمه إنها قد تكون مهمته الأخيرة!

كتب: حسين مجدي القزاز

في عام 1967م، انطلق مشروع فضاء كبير جدا في الاتحاد السوفيتي باسم “Soyuz 1”. المهمة كان هدفها إطلاق صاروخين في الفضاء، علي متن الصاروخ الأول رائد فضاء وعلي التاني 3 رواد فضاء. الصاروخ الأول كان المفروض ينطلق وبعدها ينطلق  الصاروخ التاني للفضاء، والكبسولتين يمسكوا في بعض ويتم انتقال رواد الفضاء من كبسولة للتانية، وبعدها يهبطوا للأرض في سلام.. بس كده هي ده المهمة واللي كانت مهمة لصورة الاتحاد السوفيتي وقتها إعلاميا في وسط المنافسة الشرسة بينهم والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن هل ده اللي حصل؟

المهمة

كوماروف وجاجارين في رحلة صيد

تم اختيار رائد الفضاء “فلاديمير كوماروف” عشان يكون في أحد الكبسولات اللي هتطلع الفضاء. واختيار صديقه المقرب ورائد الفضاء الشهير “يوري جاجارين” كرائد الفضاء الاحتياطي للمهمة. وقتها كوماروف وجاجارين قرروا إنهم يتعرفوا علي المشروع بشكل مكثف ويدرسوا ويجربوا كل شيء عشان يتطمنوا ويتأكدوا إن الرحلة هتتم بسلام.

200 عطل؟!

بدأ كوماروف وجاجارين بالفعل في اختبار المركبات والتصاميم والأنظمة، لكن اللي حصل إنهم اكتشفوا عيوب كتيرة جدا في الدواير الكهربية وغيرها والتصاميم عددهم وصل لـ200 عيب! أثناء التجربة اللي علي الأرض حصلت مصايب، لو حصلت في الفضاء هتقضي علي المهمة وعلي أي امل في الحياة ليهم، وبالتالي لقوا نفسهم قدام مشاكل كبيرة جدا، والمصيبة الأكبر بقى إن رواد الفضاء في المهمة دي مش هيبقوا لابسين بدل فضاء! إزاي رائد فضاء في مهمة في الفضاء ومش هيلبس بدلة فضاء؟! التفسير للنقطة دي كان إن الكبسولات صغيرة ومستحيل تتم وهو لابس بدلة فضاء وبالتالي هيطلعوا من غيرها، لأن بدلة الفضاء بتبقي كبيرة وبتاخد مساحة أكبر، وبالتالي هتصعب عملية نقل رواد الفضاء من كبسولة للتانية.

Gagarin (left) and Komarov (right) during Komarov's spaceflight training. Yuri Gagarin (1934-1968) became the first human in space, orbiting the Earth in the Vostok 1 spacecraft on 12 April 1961. He died in an aircraft training flight in 1968. Vladimir Komarov (1927-1967) was the commander of Voskhod 1 in 1964, the first spacecraft to carry a crew of more than one. He died when the Soyuz 1 spacecraft he was in malfunctioned and crash-landed on 24 April 1967. Photographed in 1967.
علي اليمين كوماروف وهو بيتدرب وبيفحص المركبات وعلي الشمال يوري جاجارين بيساعده.

مواجهة النظام

فلاديمير كوماروف ويوري جاجارين قرروا مايسكتوش، وإنهم لازم يتخذوا رد فعل وفعلا بعتوا جوابات للقادة في الاتحاد السوفيتي ولكن الرسايل دي ما وصلتش! ساعتها ماكنش قدامهم غير حل واحد بس قبل المهمة بيومين ونص عشان يوقفوا الجنان اللي بيحصل ده.

كان فيه حفلة للحزب الشيوعي الحاكم وكل المسؤولين كانوا هناك، وبالطبع فلاديمير كوماروف كان مدعو عشان يقول كلمته قدام الإعلام والكاميرات، وإنه جاهز عشان يقوم بالمستحيل ولكن ده ماحصلش. كوماروف وجاجارين قرروا يقولوا الحقيقة قدام الناس كلها وفعلا، قام كوماروف وقال العيوب والمشاكل الهندسية وإن ده هيتسبب في فشل المهمة وتعريض حياة رواد الفضاء للخطر.

رد الفعل المتوقع كان إن الموضوع ياخد وقت أكبر ويعدلوا المشاكل، لكن الرد كان اتهام أشطر وأشجع طيار في تاريخ رواد الفضاء الروس بأنه جبان، ولا يستحق إنه يلبس لبس الجيش والطيران السوفيتي! وقتها عرف جاجارين إن مفيش مفر وإن محاولتهم لتوصيل الحقيقة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فشلت.  ساعتها بكل قوة رد كوماروف “أنا مستعد للطيران في أي وقت وأي يوم”.

بعدها راح كوماروف وحكي لزوجته الموقف وحاولت تقنعه بإنه يتراجع وما يطلعش المهمة ويفضل على الأرض بأي تمن، لكن كوماروف كان عارف إنه لو ماطلعش المهمة، جاجارين صديقه هيطلع مكانه بما إنه رائد الفضاء الاحتياطي للمهمة وإنه هيموت مكانه.

أخر خطاب لكوماروف قبل انطلاق Soyuz 1/ صورة: sciencephoto

آخر لحظات على كوكب الأرض

قبل ساعات من الصعود يوري جاجارين بعت أكتر من رسالة لرئيس الجمهورية وقتها “بريزنيف”، لكن طبعا الرسايل ديه اختفت والتليفونات اختفت وكل الأبواب قدام يوري عشان ينقذ صديقه كانت بتتقفل باب ورا التاني.

النظام السياسي للاتحاد السوفيتي كان بيعبر عن الصورة الكاملة، ودايما الصورة دي مفيهاش أخطاء ممكن تحصل، ولو فيه أخطاء حصلت بيتم إخفائها تماما. ماكنش مسموح بأي صورة من الصور إن النظام يبان ضعيف، وعشان كده كان بيتم تسريع المهمات لإبراز إن فيه إنجازات كتيرة بتحصل في السباق نحو الفضاء، واللي كان مهم جدا كصورة قدام العالم كله حتي لو علي حساب أرواح رواد فضاء ومهندسين وتقنيين وأي حد بيقف قدام الأهداف السياسية للنظام.

قبل الانطلاق بتلات ساعات، فلاديمير كوماروف كان هادي جدا ومتقبل مصيره. أما يوري جاجارين فكان منفعل وبيزعق وبيطالب ببدلة فضاء لصديقه، وبيتخانق وعايز يطلع معاه كمان خصوصا إن فيه مكان ليه في الكبسولة واللي عشان يسكتوه اضطروا يحبسوه في أوضة لحد الانطلاق، بالطبع كان موقف صعب جدا خصوصا إنه شايف صديقه رايح لمهمة شبه انتحارية.

طيار بارع!

موعد الانطلاق كان فجر يوم 23 أبريل، كان من المقرر زي ما قلنا إن صاروخين يصعدوا في المهمة دي واحد منه عليه كوماروف، والتاني عليه 3 رواد فضاء بعدها بيوم تقريبا، واللي حصل إن الانطلاق بتاع كوماروف كان سليم، وفعلا انفصلت الكبسولة في مدار الكوكب ويا دوب ملحقش ياخد نفسه والأعطال بدأت.

الألواح الشمسية ماتفتحتش ومجموعة كبيرة جدا جدا من الأعطال ظهرت زي ما توقع كاماروف وجاجارين، وعلى الأرض جاجارين خرج وبدأ يتواصل مع كوماروف، وبسبب ظهور الأعطال دي كلها تقرر عدم إطلاق الصاروخ التاني وإنقاذ حياة رواد الفضاء التانيين.

حاليا إحنا مع كوماروف في الفضاء في كبسولة خربانة مفيش أي أمل إن نظام التحكم يحركها عشان ترجع تخش الغلاف الجوي للأرض، ومعاه يوري جاجارين اللي بيتواصل معاه. كوماروف حوّل كل الأنظمة للتحكم اليدوي، وبدأ يتحكم عشان يخش بسرعة معينة في نقطة الدخول للمجال الجوي للأرض.

لو مش متخيل الموضوع صعب إزاي. تخيل نفسك في طيارة علي ارتفاع 40 ألف كيلو بتتحرك بسرعة أكبر من سرعة الصوت، وفي إيدك كرة سلة وحابب ترميها علي الأرض على سلة معينة ولازم تصيبها. مستحيل مش كده؟

بس في ظل وجود جاجارين، قدر كوماروف ولإنه طيار عبقري واستثنائي إنه يقوم بالمهمة الصعبة دي، وقدر يخش الغلاف الجوي للأرض فعلا! هايل يعني هيعيش؟! للأسف، البطاريات الكهربية كانت استنفذت في العملية وماكنش فيه طاقة عشان الباراشوت الخاص بكاماروف يتفتح.

وقتها فضل كوماروف يشتم ويبكي في المحادثة ويلعن المركبة البايظة اللي هتتسبب في موته، وتنتهي الحكاية بسقوط كاماروف بالكبسولة بسرعة 960 كيلومتر/الساعة عشان يصطدم بالأرض والكبسولة تنفجر بالوقود اللي كان المفروض يحترق عشان يهبط بيه عالأرض. يوري انطلق لمكان التحطم في حالة عدم تصديق، وبدأ يلم بقايا صديقه وبعض الجنود ساعدوه فعلا ونقلوا اللي تبقي منه.

كبسولة كوماروف بعد اصطدامها بالأرض/ Russian space web
بقايا كوماروف

الحقيقة والكذب في موت كوماروف !

زوجة كوماروف عرفت إن زوجها مات لما ما طلعتش أي أخبار تاني يوم في التلفزيون أو الراديو عن المهمة، وتأكدت من ده لما قطعوا خط التليفون عن بيتها عشان ماتعرفش أي خبر من برا. اليوم شهد إشاعات كتيرة جدا. علي الناحية التانية النظام السوفيتي وماكينات الإعلام السوفيتية تعاملت تاني يوم بلا مبالاة، وكأن ماكنش فيه مهمة كبيرة وقتها، رغم إن مطابع الجرايد كانت اتملت بصور كوماروف على إنه البطل اللي صعد الفضاء، وكان منتظر إنها تتوزع في كل مكان لما يرجع عايش ولكن طبعا ده محصلش.

بعدها بيوم مجموعة من اللواءات راحوا بيت كوماروف عشان يبلغوا زوجته بموته ولكن القصة اللي حكوا لمراته كانت كالآتي؛ إن جوزها رجع هبط على الأرض بسلام والمهمة نجحت كمان، لكن في طريق الرجوع بالأتوبيس عمل حادثة، والأتوبيس ولع ومات في المستشفي متأثرا بحروق من الحادثة، وسلموها شهادة وفاته!

زوجة كوماروف اتصلت بيوري جاجارين بعد ما اللواءات مشيوا وقالت “باستثناء اسم زوجي، أنا متأكدة إن مفيش كلمة واحدة صح من اللي اتقالت”.

النظام قرر يخفي الحقيقة ويؤكد على إن كوماروف مات في حادثة أتوبيس. ده دفع جاجرين إلى حافة الجنون خصوصا إنه كان حاضر كل تفاصيل المهمة الانتحارية اللي قام بيها صديقه وبطولته في كل المواقف دي. وفعلا في أحد الأيام دخل جاجارين مبنى الكريملين وقعد يصرخ ويطالب إنه يقابل بريزنيف الرئيس، وإنهم لازم يعترفوا بكوماروف كبطل وكرائد فضاء ومش مجرد واحد مات في حادثة!

ولكن ماكنش هيحصل أبدا إن يتم الاعتراف إن فيه خطأ حصل وإن فيه مصيبة حصلت في النظام السوفيتي خصوصا في وسط الاحتفالات بمرور 50 سنة علي الثورة الشيوعية، فأكيد مش هيعترفوا إنهم فشلوا في وقت زي ده، وطبعا مش هيعترفوا أصلا إن الخطأ ده تم تجاهل التقريرات والبلاغات اللي اتبعتت بخصوصه.

لكن جاجارين بقوة عزيمته فضل يحاول لحد ما وصل وأجبر النظام السوفيتي والإعلام بالحقيقة، وإن كوماروف بطل وموته كان بسبب حادثة في التحكم في الكبسولة بسبب عدد كبير من الأعطال. كوماروف اتعمل له جنازة بطولية ورفاته اتدفن في حائط الكريملين جنب الأبطال للنظام السوفيتي وسط إحراج للنظام نفسه اللي اضطر ينفذ اللي يوري جاجارين حارب عشانه.

جنازة كوماروف في حضور حشد جماهيري كبير

المصادر:  spacesafety  aero  space

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى