.
ليه وإزاي؟

مرض «الاكتئاب» .. نفسي أم عضوي؟!

كتبت: مها طـه

لو بحثت على جوجل بكلمة الاكتئاب هتلاقي عدد يكاد يكون لا نهائي من النتايج اللي بتتكلم عن الاكتئاب وأسبابه وأعراضه، يكفي إننا نقول إن في سنة 2012 كان التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية بيقول إن عدد المصابين بالاكتئاب على مستوى العالم يزيد عن 350 مليون شخص! وده طبعًا من 4 سنين، فتخيلوا دلوقتي الرقم بقى كام؟ ده غير كمان اللي مش عارفين إن عندهم اكتئاب وبيتعالجوا من الأعراض على إنها مس سُفلي وسحر علوي!

مرض «الاكتئاب» .. نفسي أم عضوي؟!

في بحث جديد عن الاكتئاب كان هدفه التعرُف على المصدر «الجسدي» لمشاعر الاكتئاب عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة أكتر من 900 شخص، النتيجة كانت اكتشاف أدلة جديدة بتوضح إن الاكتئاب مش مجرد حالة ذهنية، لكنه له مصدر جسدي.

النتايج أشارت إلى إن مشاعر الخسارة وقلة الثقة بالنفس وتدني احترام الذات بترتبط بعمل القشرة الأمامية المدارية في المخ، ودي المنطقة المسئولة عن التكامل الحسي والتوقُع وصُنع القرار. والتكامل الحسي يعني ربط الحواس ببعض عشان اتخاذ القرار السليم، يعني مثلا أنا قدام قطر فاربط الصوت اللي سامعه بالنور اللي جاي من بعيد فأتفادى الخطر.

الاكتئاب

«جيان فنج»، أخصائي الطب النفسي في جامعة وارويك في المملكة المتحدة وجامعة فودان في الصين، قال إن الاكتشاف اللي توصلوا له بالبحث ده، بالإضافة للبيانات اللي تم جمعها من جميع أنحاء العالم، مكنت فريق البحث من تحديد المناطق الجسدية المسئولة عن الاكتئاب ، وده ممكن طبعًا يفتح آفاق جديدة في الرؤية العلاجية للمرض ده.

فريق البحث عملوا مجموعتين من الأشخاص عشان يقدروا يحددوا مناطق المخ المرتبطة بالاكتئاب. المجموعة الأولى تكونت من مصابين بالاضطراب الاكتئابي، والمجموعة التانية تكونت من أشخاص أصحاء. عمليات المسح أظهرت إن الاكتئاب مرتبط بتغيُر في النشاط العصبي في جزأين مختلفين من القشرة الأمامية المدارية (OFC)، وهما المنطقة الوسطى والجانبية.

المنطقة الوسطى بتكون نشطة كنتيجة لتلقي المكافآت، بمعنى تاني لما تحصل حاجة كويسة، فالمنطقة دي هي اللي بتستجيب وتدفعنا للشعور بالسعادة والرضا، والمنطقة الجانبية بتكون نشطة في حالات العقاب وما شابه.

الاكتئاب

الباحثين وجدوا إن المشاركين اللي بيعانوا من الاكتئاب كان عندهم ضعف في مناطق الاتصال العصبي بين المنطقة الوسطى ومنطقة الحُصين المسئولة عن تخزين الذكريات، والنتيجة دي معناها إن الأشخاص المصابين بالاكتئاب بيجدوا صعوبة حقيقية في تخزين الذكريات الجيدة أو حتى استدعاء الذكريات السعيدة والايجابية المُخزنة في المخ أصلًا، بالإضافة لده فمرضى الاكتئاب كمان _كما أظهرت الدراسة_ عندهم اتصال عصبي قوي في المنطقة الجانبية وبالتالي إحساسهم بالحزن أو الندم وغيرهم من المشاعر المرتبطة بالعقاب بيكون أكبر من العادي.

المنطقة الجانبية بتكون مرتبطة عادةً بمنطقتين في المخ، وهما منطقة الطلل، ودي المسئولة عن إحساسنا بنفسنا، زي الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات، ومنطقة التلفيف الزاوي ودي المسئولة عن استرجاع الذكريات والانتباه.

من اللي فات ده نقدر نفهم إن النشاط المتزايد حوالين المنطقة الجانبية في القشرة الأمامية المدارية معناه إن الأشخاص المصابين بالاكتئاب استحضار المشاعر السلبية عندهم والمرتبطة بتحقير الذات وعدم القدرة على اتخاذ القرارات بيكون أسهل بكتير من استحضار الذكريات الإيجابية والأهم الشعور بالرضا عن النفس.

بمقارنة النشاط العصبي في المنطقة الجانبية عند مرضى الاكتئاب اللي بياخدوا أدوية لعلاج الحالة بمرضى تانيين مش بياخدوا أدوية، لقوا إن الأدوية نجحت بالفعل في تقليل النشاط العصبي الزايد «شوية»، وده معناه إن مضادات الاكتئاب الموجودة حاليًا بالفعل ليها تأثير إيجابي في تقليل المشاعر دي.

ومع ذلك، فهم الأسباب الجسدية الكامنة وراء الاكتئاب ممكن تُحدث فارق كبير في كيفية مكافحة المرض ده وبأسلوب أفضل من الموجود حاليًا، لأن ببساطة الأدوية الموجودة حاليًا لازم تجربتها على المرضى واحد تلو الآخر لحد ما واحد فيهم ينفع فعلًا مع الحالة، لأن لكل حالة نوع مُعين من الأدوية يقدر يتعامل معاها، كفاية إننا نقول إنه وفقًا للإحصائيات فحوالي 50% من الحالات اللي تم تشخيصها بالاكتئاب فشل معاها أول دواء تم وصفه.

البحث ده يُعتبر إضافة جديدة ومهمة جدًا في مجال الأمراض العقلية بشكل عام، لأنه بيثبت كون الأمراض العقلية ممكن يكون ليها مصدر عضوي أو جسدي، ووفقًأ للنتيجة دي ممكن يتوصل الباحثين لأنواع جديدة من الأدوية اللي بتتعامل مع كل شخص على حدا، وفقًا لنشاط القشرة الأمامية المدارية ومناطقها المختلفة.


المصادر:  warwick  oxfordjournals  sciencealert  who

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى