الإعجاز العلمي يقف حائرًا بين العلم والدين!
مقال رأي _ كتبت: مها طـه
في أواخر التمانينات وأوائل التسعينات تقريبًا ظهر في برامج التليفزيون اهتمام بالبرامج الدينية، بدايةً من برنامج تفسير القرآن للشيخ الشعراوي ولحد برامج زي ”العلم والإيمان“ للدكتور مصطفى محمود وبرنامج ”الإعجاز العلمي في القرآن“ للدكتور زغلول النجّار. برنامج العلم والإيمان كان بيعرض فيديوهات وحقائق توصّل ليها العلم الحديث وقتها، وأعتقد إن سبب تسمية البرنامج بالاسم ده، واقتران العلم بالإيمان، هو إن التعلُم ومعرفة قدرة الخالق هتخليك تؤمن بوجوده وتقول سبحان الله.
أما برنامج زي الإعجاز العلمي في القرآن فهو كان قائم على فكرة إن القرآن ذكر حقائق علمية موجودة حاليًا قبل اكتشاف البشر ليها بأكتر من 1400 سنة، هنا بقى ده ياخدنا للتساؤل عن الفكرة من الأساس، فكرة ربط العلم بالإيمان والإعجاز والدين، هل فعلًا في إعجاز علمي في القرآن؟
المعنى الفعلي لكلمة إعجاز
مبدئيًا وقبل ما نتكلم عن الإعجاز العلمي، خلينا نعرف معنى كلمة إعجاز في الأصل، كلمة إعجاز في المعجم معناها الشئ صعب المنال، لما حد يقول فلان أعجز فلان، بمعنى إنه جعل الشخص ده عاجز أو غير قادر، ومنها تأتي كلمة معجزة، واللي بتعني الشئ أو الحدث غير المسبوق وغير المتوقع، وغالبًا ما بترتبط عندنا كلمة المعجزة، بمعجزات الأنبياء.
سيدنا موسى عليه السلام لما ربنا أمره بإلقاء العصا، فتحولت لحيّة تسعى، دي كانت معجزة لأن سيدنا موسى مايقدرش يعمل كدة لولا أمر الله للعصا، سيدنا يونس عليه السلام لما ابتلعه الحوت وفضل في بطنه لفترة من الزمن لحد ما الحوت ألقاه على الشط دي كمان كانت معجزة لأنه مكنش يقدر يعملها لولا تدخل ربنا وهو القوة الأعظم في الكون، وطبعًا الأمثلة على المعجزات مابتنتهيش، لكن نيجي للسؤال المهم، هل لو ربنا قال في القرآن على حقيقة علمية فهل ده إعجاز؟
الشخص المؤمن بالقرآن أو حتى بغيره من الكتب السماوية بالضرورة بيكون مؤمن بوجود الخالق، فهل الخالق لو قال على شئ في كتابه يبقى ده إعجاز؟، مثلًا لو جينا افترضنا إن حضرتك كقارئ اخترعت عربية بتطير، وده شئ مُبهر، وألفت كتاب أو قعدت مع بعض الأشخاص وشرحتلهم عن الميكانيكا المُستخدمة في صُنع العربية دي، فهل حضرتك كدة عملت معجزة؟
والسؤال الأهم هل لو أنا كشخص ماعندوش معرفة كبيرة بالميكانيكا مافهمتش الكلام ده لما سمعته، بس جيت بعد 10 سنين ذاكرت ميكانيكا وفهمت، فهل في الحالة دي انا أقدر أعتبر اللي فهمته إعجاز، ولا هاقول إنه علم مهم وأفرح بإني فهمته بعد سنين طويلة، وأتاكد في الوقت نفسه من عبقرية حضرتك؟
الإعجاز العلمي في الديانات المختلفة
في رحلة البحث والتحقق من فكرة الإعجاز العلمي في القرآن، استوقفني سؤال مهم طب بالنسبة للديانات التانية هل فيها برضو إعجاز علمي؟، والحقيقة كثفت البحث بس على الكتب السماوية، القرآن والإنجيل والتوراة، لقيت إن مع كل كتاب فيه دلائل علمية بتقترن بيها، وخلينا نبدأ أولًا بالقرآن وده لأن فكرة الإعجاز العلمي في القرآن هي الأشهر عندنا ما بين باقي الديانات.
-
القرآن:
البحث باللغة العربية كانت نتيجته وجود مواقع متخصصة للإعجاز العلمي في القرآن، كلها بتتكلم عن مواضيع علمية وتفسير آيات من القرآن بناءً على حقائق علمية معروفة، لكن الحقيقة إنه الكلام في معظمه نوع من أنواع التلاعب اللغوي بالألفاظ وتفسير للآيات على حسب مفهوم المُفسر، مثلًا استوقفني مقال عن نظرية التطور لداروين والقرآن، المقال كله عبارة عن تلاعب بالألفاظ وافتراض لإن نظرية التطور كلها تتهدم أمام الآية القرآنية ”وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى“، وبما إن في خلق، فمفيش تطور زي ما قال داروين! والحقيقة من وجهة نظري، فاللي قاله داروين لا يتنافى أبدًا مع فكرة الخلق، نظرية داروين كانت بتتكلم عن الانتخاب الطبيعي وإن البقاء بيكون للأصلح، الكائن اللي قادر يتكيف مع البيئة، ومنه بتتطور الأنواع لحد ما وصلنا لكل الكائنات الحية اللي إحنا بنشوفها دي.
لكن كمان لازم نقول على مواقع تانية بتنشر مقالات مهمة وعلمية فعلًا، واستوقفني فيها تحديدًا مقال للأستاذ الدكتور/ مصطفى إبراهيم حسن، أستاذ الحشرات الطبية ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض، بكلية العلوم (بنين) بجامعة الأزهر، وبيتكلم عن إعجاز علمي لكنه في حديث نبوي المرة دي، المقال بعنوان ”الداء والدواء في جناحي الذباب“، وهو الحقيقة بحث علمي في فرع الميكروبيولوجي، وبيتكلم عن أنواع البكتريا الموجودة على الجناحين، الكلام علمي بالأساس لكنه بيحاول إثبات صحة الحديث النبوي، أو بمعنى أدق هو بحث علمي كان الدافع فيه هو الدين.
أما عن المواقع الأجنبية اللي بتتكلم عن الإعجاز العلمي في القرآن فهي كلها مواقع ذات صبغة دينية برضو، بمعنى تاني مش مواقع علمية محايدة، وده لأن التناول العلمي للأبحاث لا يخضع للدين في الأصل، المختلف بين المواقع الأجنبية والعربية هو إن المواقع الأجنبية فيها سرد للآيات اللي من الممكن يكون ليها تفسير علمي، زي مثلًا ”وجعلنا من الماء كل شئٍ حي“، واللي العلم أثبت إنه بالفعل كل الكائنات الحية على سطح الأرض جسمها بيتكون من الماء، وده لأن السيتوبلازم (المادة الموجودة في الخلايا واللي بتسبح فيها كل العُضيات) بيتكون من 80% ماء، لكن العلم لم يكتشف الحقيقة دي إلا بعد اختراع الميكروسكوبات، في حين إن القرآن قاله من 1400 سنة وأكتر، وهكذا آيات كتير على نفس المنهج. طب بالنسبة للإعجاز العلمي في الإنجيل؟
-
الإنجيل:
يمكن في الإنجيل مش هيكون مسماه الإعجاز العلمي، لكنه بيتكلم في نفس الشئ، إن الإنجيل ككتاب سماوي اتكلم من زمان _قبل القرآن حتى_ عن حقائق علمية موجودة حاليًا، زي الكلام مثلًا عن الجاذبية واللي اكتشفها نيوتن سنة 1687، والكلام عن إن الأرض كروية الشكل ومش مُسطحة، قبل ما يتكلم عنها جاليلليو سنة 1610، واللي بالمناسبة من المعروف إن الكنيسة الكاثوليكية وقتها قالت عنه كافر لأنه قال كدة، وطبقًا للمؤمنين بالإعجاز العلمي ده، فالكنيسة هي اللي كانت غلط والإنجيل كان صح. الكلام ده مذكور في سفر إشعياء الإصحاح 40 – 22، ”الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب. الذي ينشر السماوات كسرادق، ويبسطها كخيمة للسكن“.
مش بس كدة الإنجيل كمان اتكلم عن البكتريا وعلم الأحياء، لما شرح إن الدم هو مفتاح الحياة، وده اللي اكتشفه ”وليام هارفي“ مع اكتشافه للدورة الدموية سنة 1616، وده مذكور في سفر اللاويين الإصحاح 17 – 11، ”لإن نفس الجسد هي في الدم فانا اعطيتكم اياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لان الدم يكفّر عن النفس“.
أما البكتريا فتم ذكرها في شريعة موسى كوصية واضحة له، عشان مياكلش في الأواني الفخارية المُستخدمة قبل كدة، لأنها هتكون ملوثة بالبكتريا ده قبل اكتشاف البكتيريا بقرون من الزمن، وده مذكور في سفر اللاويين الإصحاح 6 -28، ”وإما اناء الخزف الذي تطبخ فيه فيكسر. وان طبخت في اناء نحاس يجلى ويشطف بماء“. طب وعلى ذِكر سيدنا موسى، هل التوراة كمان فيها إعجاز علمي؟
-
التوراة:
الكلام عن وجود إعجاز علمي في التوراه معظمه كلام تاريخي بيربط ما بين التاريخ اليهودي وارتباطه بالرومان، ومقارنات ما بين اللي قالته التوراه واللي قاله فلاسفة رومانيين زي أرسطو مثلًا واللي في الحقيقة إتكلم كتير في العلم، وخرج بنظريات خاطئة كانت أشهرهم نظرية ”التوالد التلقائي“، واللي بتتكلم عن إن كل الأنواع بتنشأ من بعضها، يعني الدود مثلًا ”بيتخلق“ جوا اللحمة الفاسدة، وطبعًا الدلائل العلمية والتطور اللي أثبت وجود البكتريا، أثبت معاها كمان خطأ الكلام ده. وهنا بييجي دور المدافعين عن التوراه في إنهم يقولوا إن النصوص اللي بتُثبت الكلام ده في التوراه، ما هي إلا تحريفات تم إدخالها على التوراه بفعل الزمن والثقافات المختلفة اللي أختلط بيها اليهود.
وهنا بقى نوصل لفكرة مهمة، الحقائق العلمية موجودة في القرآن وكمان في الإنجيل وممكن في التوراه، طب هل ده أضاف أي شئ ليهم ككتب سماوية، أو زوّد من قيمة الأديان نفسها؟ الحقيقة اللي إحنا متأكدين منها هو إن الدين وقيمته ثابتة لا يُمكن تغييرها، أما العلم فهو مُتغير، العلم إمبارح كان بيقول إن الكرة الأرضية مُسطحة، النهاردة قال إن الكرة الأرضية كروية، وبعدها قال لأ الكرة الأرضية مُنبعجة من عند القطبين ومُفلطحة من خط الاستواء!
وهنا ييجي السؤال المهم، ليه نقرن الثابت بالمُتغير؟، وهل لو أثبتنا إن دين مُعين قال حقيقة علمية فده هيزود من قيمة الدين نفسه؟ في الأصل الكتب السماوية هدفها هو نشر لتعاليم الدين وآدابه، القرآن أو الإنجيل عمرهم ما كانوا كتب علوم أو كتب تاريخ، عشان ناخد منهم حقايق، طب تخيل معايا إن العلم بكرة طلع أنكر حاجة من الثوابت العلمية حتى، وقال إنها مش حقيقة بعد ما تم تفسيرها طبقًا لآية مُعينة أو إصحاح معين، في الحالة دي هل هيكون الدين هو اللي غلط بقى؟ في رأيي كل التساؤلات دي بتحطنا قدام حقيقة مهمة وهي إن الموضوع ما هو إلا صراع ديني لإثبات صحة دين على دين تاني، لكنه في رأيي إضرار بالدين أيًا كان هو إيه أكتر من كونه نفع، ده بالإضافة لأنه بالنسبة لغير المؤمنين بالأديان دي، هو كلام غير مؤثر بالمرة، لأنهم مؤمنين بس بقيمة العلم.
المصادر: