قوة العزاء أو لماذا يجب أن نترك العنان لمشاعرنا؟!
كتب: أحمد حسين
”سيحدث العزاء، إما كجرح مفتوح يلتئم، أو كجرح مغلق ينزف، إما بصدق أو بغير ذلك، إما بشكل مناسب أو بشكل غير لائق، سيتم التعبير عن المشاعر في النهاية“ – الطبيبة النفسية إليزبيث كوبلر روس.
قوة العزاء أو كيف يمكن أن نتعامل مع الحدث السيء
لما إنسان بييجي له برد، اللي بيحصل إن جسمه بيحاول يطرد الفيروس، يعني كل اللي بيمر بيه من سيلان الأنف لالتهاب الحلق للكحة أو السعال، كلها أعراض للجسم للتخلص من الفيروس ده عن طريق إنه يتطرد من فتحة الأنف أو من الفم عن طريق الكحّة مثلًا.
دايمًا الشخص المريض بيحس إن أكتر فترة متعبة هي الفترة اللي بيكون فيها جهازه المناعي بيحاول بكل قوته يطرد الفيروس. الجهاز المناعي ساعتها بيبقى بيعافر علشان يطرد الفيروس بكل الطرق الممكنة، ويقدر كمان يستعيد الجسم صحته زي ما كان، في الفترة دي تحديدًا، بيكون الجسم في أسوء حالاته، وكذلك الشخص المريض.
اعرف اكتر عن : الجهاز المناعي: اللي له ظهر مايضربش على بطنه
ده نفس الحال مع العزاء لفقد شخص أو لفقد شيء من حياتك. فكرة فقدان شيء كنت متعلق بيه لفترة طويلة من الزمن فكرة صعبة بس العقل بيتعامل معاها زي ما بيتعامل مع المرض، بيحاول يطردها على ما يرجع الإنسان إلى ما كان عليه قبل حدوث الفقد، وبيحاول يعمل كده عن طريق العزاء.
لو في شخص حصل في حياته مصاب ما، وماحاولش يمنع مشاعره وأطلق لها العنان، زي إنه يبكي او يحس بالقلق أو يحس بإنه مُرهق وفي نفس الوقت مش عايز ينام، هيلاقي نفسه بيخرج من الحالة اللي هو فيها شوية بشوية، وبيحاول لوحده يرجع زي ما كان، ويتخطى تمامًا اللحظة بكل ما فيها.
المشكلة للأسف، إن مفيش حد فينا تقريبًا اتعلّم أن يُدرك قيمة العزاء وترك المساحة الكاملة لمشاعرنا، بل اتعلمنا نكبتها ونحبط نفسنا. فكرة إننا نقعد في البيت لأيام نبكي ونترك مساحة للحزن يظهر بقوة علشان يختفي بعدها، دي فكرة مابنتعوّدش عليها، إحنا ماينفعش نحزن، وخصوصًا لو راجل، هتلاقي اللي يقول لك ماينفعش إنت لازم تمسك نفسك، مع إن ده مش الصح، والصح إنك تسيب مساحة لنفسك عشان تخرج مشاعرك أول بأول فتقدر تتخطى مصابك وحزنك.
وعلى الرغم من إن الوقت مهم جدًا للعزاء والتئام الجروح، إلا إننا بنحاول بكل الطرق نشتت نفسنا ونضيّع الوقت ده، فبتتراكم علينا المشاعر، وبنحس إحساس زائف بإننا خلاص عدينا من مرحلة الحزن دي، لكن للأسف الموضوع بيسوء أكتر وأكتر، ومحاولة الهروب من المشاعر بتكون أصعب، لأن تراكم المشاعر ده بيخليها تكوّن طبقة سميكة مش سهل نمحيها.
تجنب الحزن هو فعل هش تمامًا، يا إما هيخليك في حالة من القلق الدائم وهياج المشاعر، يا إما هيخليك مكتئب أو عندك ميول انتحارية، والخسارة اللي مابتديهاش وقتها في الحزن والعزاء، هي خسارة هتفضل تطاردك لوقت طويل. جون برادشو قال إن ”العزاء هو الشعور بالشفاء“.
في الغالب لما البشر بيفكروا في حزنهم يحسوا إنه ضعف، أو يحسوا إن المشاعر قوية عليهم، فبيحاولوا بكل الطرق يقمعوها، وده بيخليهم سريعي الانفعال ومتقلبي المزاج ومتجهمين على طول ومكتئبين، وبيعانوا غالبًا في علاقاتهم الشخصية بشكل أو بآخر. في منهم كمان بيلجأوا بنفسهم لعلاقات تدميريه ودرامية ومُرهقة علشان بس ينسوا بيها حزنهم ويتخطوه، وده في الأخر ما بيزوّدش لحياتهم إلا الفوضى والمزيد من الحزن.
كل حزن بيدخل في عملية العزاء دي، بيتم التخلّص منه تمامًا مع الوقت، عن طريق ثلاث مراحل للعزاء.
المرحلة الأولى: الصدمة
ودي مرحلة الإنكار، أو عدم التحكم في المشاعر من أثر الصدمة بعد سماع الخبر، وكرد فعل تلقائي العقل بيغلق نفسه بنفسه، والجسم كذلك، وبيرفض يتعامل مع الخبر أو بيرفض الخبر من الأساس. لكن بعد وقت، سواء كان دقيقة أو يوم أو أسبوع أو حتى شهور وسنين، لازم بيرجع تاني ويبدأ بقى يتعامل مع الخبر ويدرك إنه حقيقي، وده بينقلنا للمرحلة التانية.
المرحلة التانية: إدراك المشاعر وترك المساحة لها
فرويد بيُطلق على المرحلة دي اسم ”العملية المؤلمة للترك“، ودي العملية اللي بيبدأ العقل فيها يشتبك مع الأمر. في الوقت ده، ممكن الشخص اللي حصل له المصاب أو الفقد، يسأل نفسه أسئلة من نوعية ”أنا ليه بفكر فيها/فيه على طول؟“، وده مش علشان مش قادر ينسى، بس علشان العقل بيبدأ مرحلة الترك المؤلمة دي.
هنا بقى، الأطباء النفسيين بينصحوا بإننا نكمّل في المرحلة، لا نحاول نوقّفها، ولا نحاول نتخلص منها بسرعة ولازم تاخد وقتها. أيوة ممكن تحس بإن ده فيه شيء من الجنون، وعقلك ما بيبطلش تفكير في الشخص اللي فقدته، سيبه ياخد مساحته كاملة، والأهم من ده كله إنك تحاول تعبّر عن المرحلة دي.
التعبير في الوقت ده بيكون أشبه بطوق النجاه اللي بتمسك فيه علشان تطلع من بحر الذكريات اللي وقعت فيه. حاول في الوقت ده تعبّر بأي طريقة عن مشاعرك تجاه الشخص ده وتجاه الحالة نفسها ككل، حاول تكتب سواء لنفسك أو لحد، حاول تتكلم وقول اللي إنت حاسس بيه، قول أي شيء ييجي في دماغك حتى لو كنت شايفه كلام فيه شيء من الجنون، اضرب بإيدك على الحيطان أو حتى العن كل شيء حواليك بس سيب لمشاعرك البراح الكافي للخروج.
بعد وقت يجوز يبقى أيام أو أسابيع أو حتى شهور، هتلاقي عقلك تلقائيًا أصبح عنده الرغبة في إنه يتخطى الحالة برمتها، حاجة أشبه كده بإنه عايز يفض المولد وكله يروّح على بيته خلاص، في الوقت ده حاول تكون على قد ما تقدر قريب من الناس اللي بتحبهم، ولو حاسس بإنك ممكن تزوّد أحزانهم، فدي مجرد طريقة بتقنع بيها نفسك إنك بقيت كويس ومش محتاج لحد، وده غلط.
كمان، من حقك تمامًا في المرحلة دي تعيط زي ما تحب، في أي وقت وفي أي مكان، عملية التعبير عن المشاعر بأي طريقة هي أهم مرحلة من مراحل العزاء، وفي نفس الوقت أصعبهم، حاجة كده زي مرحلة الذروة في خروج المرض من الجسم. بعد المرحلة دي بتنتقل للمرحلة التالتة.
المرحلة التالتة: تقبّل الأمر ومواصلة الحياة
دي المرحلة الأخيرة، اللي فيها بتبدأ تتقبّل اللي حصل خلاص، وعقلك بيتعامل مع الأمر على إنه محطة وتخطيناها، وبتبدأ تشوف بقى حياتك. غالبًا في المرحلة دي بتحس إنك عايز ترجع تاني للمرحلة اللي قبلها وتبكي وتعبر عن الحزن اللي جواك، وده شيء طبيعي وعادي بس خليك فاكر إنه مؤقت وإنك خلاص بدأت تتحرك في حياتك وتاخد خطوات.
غالبًا برضه الناس اللي بيمروا بمراحل زي دي، بيغيّروا عملهم أو مدرستهم أو بينتقلوا من المكان اللي هما ساكنين فيه، أو بيحاولوا بكل طاقتهم إنهم يحققوا هدف حياتهم، بيحسوا إنهم عايزين يجددوا كل شيء في حياتهم، وينتظروا نتايج التجديد ده، علشان تنحي الذكرى السيئة اللي مروا بيها من ذاكرتهم قليلًا، ويبدأوا مرحلة جديدة من حياتهم.
المصادر: psychologytoday psychologytoday1