.
نوّرها

”الجين المتحرك“ بين إسعاد البشرية وفنائها!

كتبت: مها طـه

جريجور مندل

في القرن الـ19، اتولد الراهب النمساوي ”جريجور مندل“ واللي كان مهتم بالنباتات، وهب حياته كلها تقريبًا لدراسة تزاوج النباتات وانتقال الصفات بينها، وبعدها خرج علينا بالقوانين الأساسية لعلم الوراثة، ومن وقتها وأطلق عليه ”أبو علم الوراثة“.

مندل كان راجل عظيم ولحد النهاردة مازال علماء كتير بيبحثوا عشان يكشفوا أسرار أكتر عن علم الوراثة، اللي تطور أكتر، وظهر منه فرع جديد سُميّ بعلم الجينات. علم الجينات دلوقتي هو العلم اللي في إيديه إسعاد البشرية أو تعاستها للأسف.

تقنية الجين المتحرك الجديدة

عن طريق إجراء الأبحاث بشكل مستمر في مجال علم الجينات، بتظهر كل يوم تقنيات جديدة للاستفادة من الجينات ودراستها عن قرب، وأحيانًا نقلها بين الكائنات الحية، وده كله طبعًا بهدف إسعاد البشر والقضاء على الأمراض الخطيرة وتحسين الصفات الوراثية. مؤخرًا بقى ظهرت تقنية جديدة بتُعتبر ثورة في عالم تقنيات علم الجينات، معروفة باسم تقنية ”الجين المتحرك“.

تقنية ”الجين المتحرك“ ولأول مرة هتعطي البشر القدرة على تغيير ويمكن القضاء كمان على أنواع معينة ”كاملة“ من الكائنات الحية البرية، وده طبعًا مُثير للخوف والرعب عند كتير من العلماء والمهتمين بالبيئة والطبيعة، المخاوف دي بقالها سنتين، من أول مرة أعلن فيها العلماء عن التقنية الجديدة دي.

 

ما بين إسعاد البشر وتدمير البيئة

العلماء نفسهم مختلفين بينهم وبين بعض حوالين التقنية الجديدة دي، في جانب منهم بيحلم بنشرها وتطبيقها بشكل واسع عشان تقضى على أمراض كتير، فمثلًا مرض الملاريا بينتقل عن طريق بعوضة معينة، وبيتسبب في موت 300 ألف طفل أفريقي كل سنة، لو تم استخدام التقنية دي، هايبقى القضاء على البعوضة سهل جدًا.

وعلى الجانب التاني، علماء تانيين كتير حذروا من الأثر البيئي للقضاء على نوع معين، لأن ببساطة ده ممكن يؤدي لخلل في النظام البيئي نفسه.

العلماء اللي عندهم التخوفات دي دعوا الحكومة الفيدرالية لتنظيم عملية استخدام التقنية دي، وفي نفس الوقت طالبت هيئات الرقابة البيئية التوقف تمامًا عن أي محاولات لاستخدام التقنية دي.

يوم 8 يونيو اللي فات، الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب، بالإضافة للفريق الاستشاري التابع للحكومة الفيدرالية والمسئولين عن المسائل العلمية، وافقوا على مواصلة البحث في استخدام التقنية دي، وقالوا إنهم بعد دراسة استمرت على مدار سنة كاملة، توصلوا لإن التقنية ممكن فعلًا تُمثل خطر، لكن كمان فوائدها المُحتملة كبيرة، وبالتالي وجب عليهم اتخاذ القرار باستمرار البحث.

الفريق الاستشاري قام بتعيين مجموعة دورها هو السيطرة بحرص على التجارب الميدانية اللي هيحتاجها البحث، وبالتالي محاولة المحافظة على البيئة من أي أخطار محتملة، ومع ذلك مازال بعض العلماء مصممين إن التجارب دي بمجرد ما تخرج للبحث الميداني، فالخطر الناتج عنها ممكن يبقى كبير.

”اليزابيث هيتمان“، خبيرة علم الأخلاقيات الطبية في جامعة ”فاندربيلت“، واللي كانت من ضمن قادة اللجنة اللي اتخذت القرار، قالت إن القدرة على الحد من المعاناة البشرية والأضرار البيئية بتتطلب الاهتمام العلمي، وعشان كده يمكن اعتبار تقنية ”تحريك الجين“ تقنية واعدة، ممكن تحقق التوازن ده، بشرط إن الدراسة تكون بالشكل المناسب.

التقرير اللي أصدرته اللجنة بيقول إنه لحد دلوقتي مفيش ما يكفي من الأدلة عشان نقدر نقول إن التقنية ممكن تكون مُدمرة، لكن في نفس الوقت التقرير أعطى ضوء أخضر للبحث في التقنية دي وتطويرها، وده ممكن يفتح الباب أمام تمويل الحكومات حوالين العالم للبحث ده.

علم الجينات.. تطور على مر السنين

من قرون فاتت والبشر بيحاولوا يلعبوا في التركيب الجيني للكائنات الحية، ومحاولة السيطرة عليها وفهمها من قبل مندل كمان، ومرورًا بيه لحد ما وصلنا لحلم إننا نقدر كبشر نعّدل من جينات الأجنة البشرية عشان نضمن خلوها من الأمراض، لكن كل ده مختلف عن اللي بتقدمه التقنية الجديدة.

التقنية مش هدفها مجرد التعديل، لكنها ببساطة ممكن عن طريق تغيير بعض أفراد النوع، إنها تغير النوع كله وتؤدي لتحوله بشكل كامل خلال كام جيل بس.

لحد دلوقتي أي تغيرات جينية بيعملها البشر في الكائنات الحية بتكون عواقبها على الكائن ده إنها بتقلل من قدرته على البقاء والتكاثر في بيئته الطبيعية، وده لأنه ببساطة قانون الطبيعة (الانتخاب الطبيعي) بيلغي الجينات المتغيرة دي من حسابه، وبيفضل البقاء للأصلح اللي قدر يتطور مش اللي تم تعديله جينيًا عشان يتطور.

التقنية الجديدة بقى بتتغلب على المشكلة دي عن طريق ضمان إن الجينات المعينة اللي تم نقلها دي، اتنقلت لكل أفراد الجيل الناتج، حتى لو ده هيخليهم يبقوا أقل تكيفًا مع بيئتهم. الظاهرة دي موجودة بشكل طبيعي أصلًا في البيئة، التقنية الجديدة بس هتستعمل تقنية تُسمى ”كرسبر“ كوسيلة فعّالة لتحقيق ده.

تقنية كرسبر لتعديل الجينات هتقوم بتعديل الجينات عن طريق إدخال النظام نفسه بشكل كود للحمض النووي الخاص بالكائن، عن طريق العملية دي يقدر العلماء يعملوا التعديل ده على كل جيل، بالتالي ”يتحرك“ الجين خلال النوع كله.

لحد دلوقتي مش واضح أوي إزاي القوانين الحالية هتقدر تنظم استخدام التقنية دي، التقرير قال إن هدفهم هو احتواء الأنواع المُعدلة جينيًا، وأشار التقرير لصعوبة التنبؤ باللي ممكن يحصل لو خرج كائن من الكائنات المُعدلة دي للبيئة سواء عن طريق الخطأ أو عمدًا، لكنه في النهاية بيُثير عدد كبير من الأسئلة من الناحية الأخلاقية على الأقل.

التقرير ده بيُعتبر الأول في سلسلة من الدراسات الصادرة من الأكاديميات الوطنية، اللي بتتضمن الآثار العلمية والأخلاقية والاجتماعية الناتجة عن تعديل الجينات باستخدام التقنية دي، واللي هتتضمن في وقت لاحق من السنة دي محاولة للتعديل على الجينيوم البشري.

اعرف أكتر عن التعديل الجيني لاجنة البشر من هنا

العلم في وجهة نظري عبارة عن اختبار مستمر، النجاح فيه ممكن يبقى نجاح للبشرية كلها، أو يبقى خطر على البشرية كلها. دراسة العواقب في الموضوع ده مهمة جدًا، لأن المعنى الحرفي للكلام ده، إن الغلطة بفورة للأسف، أتمنى إن العلم يقدر يجني الخير من ورا كل التقنيات الجديدة دي، ومن غير ما نتعرض كلنا للخطر كنتيجة مباشرة للتلاعب بالجينات سواء في البشر أو في الكائنات الحية.

المصادر:

nytimes  sciencemag  fda.gov nas-sites  elifesciences

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى