.
ليه وإزاي؟

”معضلة الغباء“ أو ليه بنتخذ قرارات غبية ؟

كتب: أحمد حسين

من كام أسبوع، إنجلترا قلبت كيان العالم لعدة أيام، لما صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي. كان شيء غريب بالنسبة لناس كتير، ومش مفهوم لأنه في النهاية _في الأغلب_ هيعود بالضرر عليهم هما، إيه سبب اختيار زي ده؟ اختلفت الأسباب بس في الأخر بيبقى في حالة استغراب بعد اتخاذ القرارات دي وبيكون ماحدش عارف!

خروج انجلترا من الأتحاد الأوروبي - Brexit
خروج انجلترا من الأتحاد الأوروبي – Brexit

في أمريكا، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تحديدًا، في تقدم ملحوظ لدونالد ترامب، وهو رجل أعمال مشهور جدًا، لكنه عنصري وعدواني جدًا، وفي الأغلب أختيار راجل زي ده لمنصب زي رئاسة أمريكا هو درب من دروب الجنان مش مجرد الغباء، لكن مع ذلك مؤيديه في تزايد مستمر، إيه السبب؟ برضه ماحدش عارف!

من سنوات طويلة، والمجتمع العلمي عمّال يحذر من كوارث زي تغير المناخ، والاحتباس الحراري، وذوبان الثلوج، وانقراض حيوانات كتير وتأثير ده السلبي على الميزان البيئي. ومع ذلك، معظم الناس شايفين ده أي كلام، أو مش مقدرين عواقب إن ده يحصل من أحداث صغيرة مترتبة على بعضها، حتى لو هيأثر علينا سلبًا، وفي ناس تانيين مش مهتمين أساسًا بيه.

الناس ليه بتتخذ قرارات غبية طول الوقت؟

التلات نماذج دول، بيشرحوا الفكرة بقوة، الناس ليه بتتخذ قرارات غبية طول الوقت؟ ده بيكون اعتمادًا على إيه يعني؟ وليه القرارات الغبية بتكون في الأغلب عكس رأي الخبراء، اللي هما أصحاب الرأي في المسائل اللي هما متخصصين فيها، ومع ذلك معظم الناس مابيصدقوهمش وبيعملوا عكس ما الخبراء دول يقولوا.

الكلام ده بيحصل ليه؟ في رأي بيقول إن ده بيحصل علشان العامة أغبياء في الأساس، أو علشان نقول الجملة بشكل أكثر أدبًا، الرأي بيقول إن العامة الـ IQ أو مستوى الذكاء عندهم منخفض تمامًا، لأن مستوى تعليمهم مش عالي، كما إنهم عادةً ما بيحصلوش على المعلومات الصحيحة من خلال وسائل الإعلام ومتخذي القرار.

الرأي ده في الأغلب غلط، ويخص بشكل أساسي الخبراء اللي ماحدش سمع كلامهم، حاجة كده زي ما تقول لصاحبك نصيحة فيتجاهلها تمامًا وبعدين يرجع يعاني من ده، فعلى طول توصفه بالغباء، وده طبعًا مايتفعش يؤخذ كسبب لفعله. ده غير إن موضوع مستوى التعليم المنخفض ده مش صحيح، ناس كتير من اللي بياخدوا قرارات غبية أو غير صائبة، بيكونوا متعلمين تعليم جيد ومستواه عالي، ده غير إنهم يعني في الأغلب بيعرفوا يدخلوا على النت، ويقدروا يدوروا على أي معلومات هما عايزينها.

أمال إيه المشكلة؟ في رأي تاني بيقول إن عامة الناس مابيصدقوش رأي الخبراء أساسًا، وإنهم مابيثقوش فيه. لكن الكلام ده بحسب مقياس إيدلمان للثقة مش حقيقي، لأن 70% من الجمهور بيصدقوا الخبراء، في مقابل 43% من مديري الشركات، و38% من المسئولين الحكوميين.

معضلة الغباء والتحيزات الشخصية

علشان نقدر نحدد السبب بشكل أفضل، تمت الاستعانة برأي خبراء زي ”ماتس ألفيسون“ مؤلف كتاب ”معضلة الغباء – The Stupidity Paradox“، واللي بيتكلم بشكل أساسي، عن فكرة معضلة الغباء اللي هي زيادة الناس الأذكياء في العالم وزيادة التكنولوجيا والمعلومات المتاحة، وعلى التوازي بالظبط في زيادة ملحوظة في قرارات غبية في العالم كله بشكل عام.

أول سبب اتكلم عنه ماتس، هو إن لينا تحيزات معرفية، والتحيزات دي بتأثر جدًا في قرارتنا في كثير من الأحيان. بنعمل إيه بقى؟ إحنا بنتخذ قرار أو رأي أو اتجاة معين، حسب تحيزاتنا ومعتقداتنا الشخصية، وبعد كده بقى بنحاول نلاقي أسباب للاختيار ده، يعني اللي اختار إن إنجلترا تنفصل عن الاتحاد الأوروبي، كان محدد اختياره من قبل ما يبص على المعطيات أو الأسباب أساسًا.

معظم الناس بيعملوا كده، علشان يوفروا على نفسهم البحث والتحليل، فيختاروا الأول وبعدين يوجدوا أسباب _في الأغلب تافهة وسطحية_ لهذا الاختيار لأن ده أريح من البحث والتحليل بكتير. لذلك بيتجاهلوا آراء الخبراء، لأنها في الأغلب بتكون عكس قناعاتهم الشخصية، وده بيربكهم جدًا، وبيخليهم يفكروا مرة تانية، وده بالظبط اللي هما مش عاوزينه.

البشر بشكل عام، بيميلوا لتجنب حاجة بيسميها علماء النفس ”نظرية التنافر – Cognitive Dissonances“ مهما كان التمن. ليه بقى؟ لأن النظرية دي بتقول إن لو في تنافر بين الحقائق وبين معتقداتنا، فالأسهل إننا نكدب الحقائق ونحوّرها ولا إننا نكدب معتقداتنا أبدًا.

حاجة كده زي اللي عملتها شركة نوكيا، اللي فضلت لسنوات كتير مهيمنة لسوق الموبايلات ومستحوذة على مبيعاته، بس جات عند نقطة وبطلت تطور نفسها، وبقى منافسين ليها كتير، وبيعملوا منتجات أقوى وبأسعار أفضل، فمبيعاتها قلت كتير، لكنها برضه فضلت تنكر الحقيقة دي، لحد ما كل الشركات سبقوها.

الفرق بقى بين موقف نوكيا وموقف الناس، إن قرار نوكيا الغبي هتتحمله لوحدها، لكن قرار الناس الغبي هيتحمله الجميع، يعني قرار زي خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، أو اختيار ترامب رئيسًا لأمريكا، أو حتى بداية تصديقهم لفكرة تغير المناخ وأزمته، كل دي حاجات في الأغلب هتكون مؤثرة على مجموعات هائلة من البشر في العالم.

باختصار، الموضوع مالوش علاقة لا بالدراسة ولا بالشهادة ولا بالمعلومات ولا بمستوى الذكاء، الموضوع بالأساس له علاقة بتحيزاتنا الشخصية ومعتقداتنا الفكرية، اللي في الأغلب بتتحكم في حوالي 90% من قرارتنا بشكل عام. لو قرارك مش هيأثر على حد غيرك حقك تتحيز لقناعاتك الشخصية، أما لو القرار هيأثر على حد غيرك، يبقى المعطيات بقى والورقة والقلم وحلل وأبحث وخد وقتك لحد ما تلاقي القرار السليم.


المصدر:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى