.
نوّرها

ما بين المرض النفسي والعقلي والعصبي

كتب: أحمد حسين

أصبحت مصطلحات مثل المرض النفسي والاكتئاب مع انتشار بعض حالات الانتحار مؤخرًا مربكة لدى البعض بل ومخيفة. ينتج هذا الارتباك ربما بشكل واضح عند التساؤل عن الطبيب المختص أو الشخص الذي يمكن اللجوء إليه للمساعدة أو أي من أصدقائهم لتخطي تلك المحنة ”المرضية“. لذا كان من الهام أن نشير إلى أن عادةً ما يتم الخلط بين الأمراض النفسية والعقلية والعصبية، وأن معرفة الفروق بينهم حاسمة لكي تتوفر لنا القدرة على تخطي المشكلة  سريعًا قبل أن يتطور الأمر لمأساة حقيقة ربما!

1. المرض النفسي

المرض النفسي هو اضطراب السلوك نتيجة حدث ما تعرض على إثره الشخص لإحساس ضاغط وشديد بالقلق أو العجز أو الضعف، كان له تأثير سلبي كبير على حالته الشعورية. المرض النفسي ليس له أي علاقة بدرجة نمو العقل أو المهارات المكتسبة من المجالات الثقافية وغيرها. هناك أمثلة عديدة على أمراض نفسية مشهورة لا تؤدي بالضرورة لتلف في كيمياء العقل فتتحوّل لأمراض عقلية أو تلف في الأعصاب فتتحول لأمراض عصبية.

مثلًا، يمكن أن نقول أن “الرهاب” أو الـ ”Phobia“ واحد من الأمراض النفسية المشهورة جدًا بين البشر. والرهاب يعني الخوف من شيء ما بشكل مرضي، بمعنى أن الذي يعاني من فوبيا الحشرات يخاف من الحشرات جدًا ويبتعد عن أي مكان قد توجد فيه حشرات، بالرغم من كون هذه الحشرات غير قادرة على فعل أي شيء يمكنه أن يؤذي هذا الشخص بشكلٍ ما إلا أنه يخاف منها ويهرب من التواجد في مكان واحد معها. الرهاب يمكن أن يصيب الإنسان عن طريق تعرضه لحدث ما خلّف عنده ذكرى سيئة مر بها في يومٍ ما وسُجلت في ذاكرته ولا يستطيع نسيانها.

وهناك أيضًا أمثلة أخرى على الأمراض النفسية، من أشهرها ”القلق“ أو الـ ”Anxiety“، والقلق هو خوف يصاحب دخول الإنسان مرحلة جديدة في حياته مثلًا أو الذهاب أول يوم إلى المدرسة، إحساس طبيعي ويصيب جميع البشر لكن عندما يتحول هذا الخوف إلى خوف مرضي، بمعنى أن تشعر بألم شديد في جسدك نتيجة خوفك من خوض تجربة ما فهذا يعني أنك تعاني ”نفسيًا“ من مرض القلق، وسيكون من الأفضل لك رؤية الطبيب النفسي حينها.

anxiety2

لكن، هل رؤية الطبيب النفسي تعني بالضرورة أنني مريض بمرض عقلي؟ الإجابة لا، لأن المريض النفسي معظم الوقت يكون مدركًا لفكرة أنه مريض، وأنه يحتاج للعلاج حتى يستطيع مواصلة حياته بشكل طبيعي جدًا، أما المريض بمرض عقلي فغالبًا ما يعاني من خلل في الإدراك لذلك لا يستطيع تقبل فكرة أنه مريض أو أنه يحتاج لرؤية الطبيب، ومن الصعب جدًا إقناعه بأي شيء عن طريق الحجج المنطقية أو غيره لأنه من الأساس لا يدرك معنى ذلك أصلًا.

2. المرض العقلي

هناك خط دقيق فاصل بين المرض النفسي والعقلي، هذا الخط هو ما يجعل التفريق بينهما أمرًا ممكنًا. والمرض العقلي هو مرض يصيب كيمياء المخ أو (كيمياء الدماغ) والتي يُعرّفها العلماء على أنها الإشارات العصبية التي يرسلها ويستقبلها المخ في صورة شحنات سالبة وموجبة. لذلك قد يتسبب الشعور بالحزن الشديد أو العجز الشديد، في حالة لم يتم معالجته سريعًا، في حدوث اضطرابًا لكيمياء المخ بحيث يفرز الجسم هورمونات بشكل مبالغ فيه أو أن يمتنع عن إفرازها من الأساس.

والأمثلة على المرض العقلي كثيرة، أشهرها مثلًا الفصام – الشيزوفرنيا أو ”Schizophrenia“، وهو مرض عقلي مستعصي أي علاجه صعب، يمكن أن يصاب به الإنسان عن طريق الوراثة أو عن طريق عوامل بيئية أدت بشكلٍ ما لتغيير كيمياء الدماغ.

الفصام أنواع، هناك على سبيل المثال ”الانفصام الطفولي“ والمصاب به يعتقد أنه لايزال طفلًا، ويتصرف بأنانية شديدة تجاه كل شيء ويبكي طوال الوقت عندما يصيبه شيء ما كالطفل تمامًا. وهناك ”الانفصام الإضطهادي“ الذي يجعل المصاب به متوهمًا بأن هناك خطرًا قد يصيبه في أي لحظة وفي أي مكان. وهذا النوع من الفصام مختلف مثلًا عن مرض آخر هو ”ذهان الاضطهاد“ أو ”Persecution Psychosis“ هذا المرض يجعل المصاب به في حالة شك دائمة وشديدة من كل ما حوله، لكن لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمصاب بذهان الاضطهاد يمكنه اتهام جميع البشر بأنهم يتأمرون ضده ويريدون قتله مثلًا.

الفصام أيضًا مختلف تمامًا عن مرض ”اضطراب انفصال – تعدد الهوية“ أو ”multiple personality disorder“، وهو مرض يجعل المصاب به يتصرف في لحظات معينة على أنه شخص آخر أو شخصين آخرين في وقتٍ واحد، وهذه الشخصيات التي ينتجها عقل المصاب بهذا المرض غالبًا ما تكون مختلفة تمامًا عن بعضهم البعض، فيتحول المصاب به من النقيض إلى النقيض في لحظة من الزمن. بالمناسبة أسباب هذا المرض غير متعلقة لا بنوبات الصرع ولا بتعاطي المخدرات مثلًا، ويمكن أن يصاب به أي شخص قد يتعرض لصدمة قوية جدًا تصيب كيمياء الدماغ بخلل يجعله يتخيل أنه شخصية أخرى.

Multiple-Personality-Disorder__1418140485_173.199.221.125

هناك فرق آخر بين المرض النفسي والعقلي يتعلق بطريقة العلاج، فالمريض النفسي يمكن مساعدته عن طريق مجموعات الدعم وتعني التحدث مع بعض البشر الذين يعانون من نفس المشكلة النفسية التي تعاني منها ومحاولة إيجاد الحل، فالمريض النفسي يستطيع الإدراك والتفكير وإيجاد الحلول. أما المريض العقلي فغالبًا ما يتم علاجه عن طريق الأدوية التي تعمل على ضبط كيمياء الدماغ بصورة صحيحة لأن المريض غالبًا ما يكون غير مدرك لطبيعة مرضه أصلًا.

والسؤال هاهنا، بما أن المرض العقلي يصيب كيمياء الدماغ، فهل يمكن أن يؤثر بصورة قوية على المخ لدرجة أنه يتحول إلى مرض عصبي؟ الإجابة نعم، يمكن للمرض النفسي أو العقلي أن يتحول لمرض عصبي لكن هذا يحدث في حالات معينة ومتقدمة من المرض لكن لا يحدث بالضرورة لكل أو حتى لمعظم المصابين بالأمراض النفسية والعقلية.

3. المرض العصبي

المرض العصبي هو تلف أو اضطراب الخلايا العصبية في المخ مما يؤدي إلى اضطراب في إفراز الهورمونات، والذي يترتب عليه ضعف في أداء أعضاء الجسم وانعدام قدرتها على أداء دورها بشكل سليم.

مرض مثل ”الصرع“ مثلًا هو مرض عصبي بالأساس. أسباب هذا المرض وراثية في حالات كثيرة أو مكتسبة في حالات أخرى. والصرع هو اضطراب في كيمياء المخ، بمعني الاضطراب في الشحنات السالبة والموجبة الموجودة في الخلايا العصبية المتصلة بالمخ وبباقي أعضاء الجسد فيؤدي ذلك بالإنسان إلى الدخول في نوبات عصبية قد تكون خطيرة. يتم علاج هذا المرض عن طريق الأدوية أو جلسات الكهرباء التى تعمل على تنظيم الشحنات الموجودة في خلايا المخ. وإذا لم يتم علاج المريض بهذه الطرق فقد يلجأ الطبيب _في الحالات المتأخرة جدًا_ إلى التدخل الجراحي.

جدير بالذكر أن الجراحة هنا تخص بشكل أساسي الخلايا العصبية المضطربة حيث أن الخلايا العصبية التالفة لا تتجدد أو تنمو مرة أخرى.


المصادر:

  1. webmd
  2. mayoclinic
  3. nimh.nih
  4. mentalhealthdaily
  5. webmd
  6. webmd
  7. thefreedictionary
  8. bjp.rcpsych

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى