.
نوّرها

لغز الكروموسوم X

كتبت: مها طه

الكروموسوم (X) واحد من كروموسوماتك اللي شايلة جيناتك الوراثية. على مدى الـ10 سنين اللي فاتوا كان بيُعتبر لغز محير للعلماء ، ففى بداية التاريخ التطوري للثدييات كان الكرموسوم (X) شبه أى كروموسوم تاني لكنه وفى مرحلة ما تطور لشكله الحالي ”المختلف“.

كل خلية في جسمك بتحتوى على 23 زوج من الكروموسومات، 22 زوج منهم بيعتبروا كروموسومات جسدية يعنى شايلة صفاتك الجسدية، والزوج الـ23 يعتبر من الكروموسومات الجنسية واللى بيختلف حسب جنسك. فلو إنت راجل هيكون الزوج الـ23 XY من الأم X ومن الأب Y ، أما لو إنتِ ست هيكون الزوج الـ23 XX من الأم X ومن الأب X.

وعلى عكس كل الكروموسومات، واحد من الكروموسومات X الموجودة فى الإناث بيبقى مُعطل فى معظم الخلايا، بالإضافة لإن معدل تحوره ضعيف جدًا! ده السبب فى كونه بيُعتبر كروموسوم محير للعلماء. في دراسة جديدة تم نشرها فى دورية ”PLOS Biology“، تم تسليط الضوء على الموضوع ده عشان يقدر العلماء يحلوا لغز الكروموسوم (X).

عن الكروموسوم X

زى كل الكروموسومات، فالكروموسوم (X) بيحمل عدد من الجينات اللى بيتم استخدامها فى تخليق البروتينات فى الجسم، واللى بتظهر فى شكل الصفات اللى بيمكن ملاحظتها على الشخص، زي لون العينين ، الطول أوالقِصر أو لون الشعر إلخ.

ظهور الصفات دي بيحصل فى أثناء عملية ”النسخ“، ودي العملية اللي بيتم فيها نسخ شريط مُفرد من الـDNA واللي بيتم ترجمته لبروتين أو الصفات.  الجين اللي بتتم معالجته بالشكل ده بيتسمى جين “نشط” أو مُعَبر عنه. وعليه، فعملية التعبير الجينى هى اللى بتفسر إزاي المعلومات الوراثية المُختزنة فى الـDNA بتترجم وتتحول لصفات.

فى الثمانينات، فى دراسة توقعت إن الجينات الموجودة على الكروموسومات (X) بتكون أكتر عرضة للتطور عشان تتفعل فى أحد الجنسين بس، وبالتالى تخليه يبقى مختلف عن الجنس الآخر، وده اللى بيفسر عدد من الاختلافات الفسيولوجية بين الرجال والنساء زي شكل الجسم والهرمونات إلخ.

لما بتحصل طفرات جديدة على الكروموسوم (X) بتكون آثارها فى النساء ضِعف أثرها فى الرجال لأن الإناث بيبقى تركيب كروموساتهم الجنسية XX في حين إن الذكور XY والـY كروموسوم صغير وظيفته تحديد الجنس فقط ومش بيشيل جينات جسدية. وعشان كده الطفرة اللي بتكون مفيدة فى الإناث لأنها موجودة على الاتنين X  ممكن تكون ضارة فى الذكور عشان عنده X واحدة، وبتفضل مستمرة وبيتم توريثها للأجيال اللي بعد كده.

لكن ده برضه ماقدمش إجابة واضحة لسؤال: ليه الجينات الموجودة على الكروموسوم (X) لا يتم التعبير عنها فى كتير من أنسجة الجسم كبقية الجينات؟

بالنظر فى أطلس الجينات البشرية ”FANTOM5“، وجد العلماء إن الكلام الخاص بالدراسة اللي أجريت في التمانينات صحيح، حتى بعد ما تم التعبير عن الجينات دي فى الأنسجة الجنسية المتخصصة زي الرحم والخصية والمبيض.

الدراسة الجديدة قامت على دراسة احتمال بديل، الفكرة إنه من الصعب زيادة كمية البروتينات  اللى بتعبر عن جين معين على الكروموسوم (X)، وعشان يقدر الجين فى الحالة دي يعبر عن نفسه بيبقى محتاج لبروتينات تانية زيادة تحفزه وبتُعرف باسم ”عوامل النسخ“.

البروتينات دى بتلزق فى الـDNA فى محيط الجينات المراد تحفيزها، وتشتغل وكأنها مفاتيح تشغيل. فى الرجال كانت البروتينات قادرة إنها ترتبط بموقع واحد فقط X، و فى النساء زي ما قلنا فوق إنه بيكون واحد من الموقعين XX مُعطل أصلا فى معظم الخلايا. الكلام ده كان عن زوج الكروموسومات الـ23 الجنسي، لكن فى الجينات المتماثلة الموجودة على الكروموسومات التانية الجسدية، بيكون فى موقعين نشطين موازيين لبعضهم، فى حالة الحاجة للتعبير الجينى بمعدل مرتفع، مثلًا الخلايا المحتاجة للمزيد من الهيموجلوبين عشان يحمل كميات أكبر من الأكسجين من الجهاز التنفسى للأجهزة الأخرى.

الجينات اللى بتنتج الهيموجلوبين بتعبر عن نفسها بمعدل أكبر من أى جينات تانية فى أى خلايا أو أنسجة أخرى، لكن الكروموسوم X بيُعتبر كإنه طريق من حارة واحدة، فبتكون الحركة المرورية فيه أقل فى فترات الذروة من اللي بتكون فى طريق من حارتين، وبكده نقدر نفهم ليه التعبير الجينى فيه بيعانى من ”زحمة مرورية“.

وكما يتوقع الباحثون إنه لما يكون معدل الزحمة مرتفع، فالجينات الموجودة على الكروموسوم X ستعانى من مشكلة كبيرة فى التعبير عن نفسها، وبالتحليل الإحصائى وكما هو متوقع، فإن القدرة التعبيرية للجينات الموجودة على الكروموسوم X  وقت الذروة بتبقى أقل من نص القدرة التعبيرية للجينات الأخرى.

بالإضافة لإن الجينات اللى انتقلت لكرموسومات تانية خلال عصور التطور بتختلف عن الجينات الأخرى، فالجينات اللى بتتحرك على الكروموسوم X تحديدا بتكون معدلات الذروة فيها للتعبير عن نفسها أقل بكتير منها فى الجينات اللى بتتنقل للكروموسومات تانية. كل ما الجين الموجود على الكرموسوم X قلت قدرته على التعبير عن نفسه، بيبقى أكثر دفعًا لتطوير نفسه لزيادة قدرته على التعبير عنها على مر الزمن التطورى.

نفس نظرية الزحام المرورى دى، هى اللى بتفسر اللغز وتجاوب على السؤال، ليه الجيناات الموجودة على الكروموسوم X بتعبر عن نفسها فى أنسجة قليلة؟

ده لأن معدل تعبير الجينات اللى موجودة على الكروموسومات الجسدية فى العديد من الأنسجة عن نفسها بيكون عالي. وطبقًا لفكرة الزحام المروري دي، فالجينات اللى معدل تعبيرها عن نفسها عالي، مابتقدرش تقوم بوظايفها على الكروموسوم X، لذلك ومع تطور الكروموسوم X بدأت بعض الجينات تهاجر منه لكروموسومات تانية. الأنسجة اللى بتبقى فيها ”زحمة“ فى تعبير جينات كتير عن نفسها زى الأنسجة اللى بتكون إفرازاتها كتيرة زى البنكرياس، الجينات الموجودة على الكرموسوم X بتكون فيها مش قادرة تعبر عن نفسها.

النتايج اللى توصل لها البحث ده، بتساعد على فهم كيفية تطور الجينات والكروموسومات عندنا، وبتفتح الباب للتفكير أكتر فى الأساسيات البسيطة اللى أدت لده من البداية بدل التحقيق فقط فى الأساس الجينى للاختلافات البيولوجية على حسب نوع الجنس، وطبعًا فى تطبيقات عملية لنتايج البحث ده لما يتعلق الأمر بالعلاج عن طريق الجينات، مثلًا لما نكون محتاجين نزرع نسخة جديدة مصطنعة من جين معين لتعويض تلف الجين الأصلى أو حدوث تحور فيه، لازم نتجنب زراعته على الكروموسوم X على قدر الإمكان، وبكده نقدر نضمن تعبيره بشكل صحيح عن نفسه.


المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى