عن المادة المظلمة .. إحنا صغيرين أوي يا سيد!
كتبت: يارا كمال
إنسان أيا إنسان ما أجهلك!
ما أتفهك في الكون وما أضألك!
شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم
وفاكرها يا موهوم مخلوقة لك
عجبي
مع احترامي للشاعر الكبير صلاح جاهين إلا إن الكون علّى عليك. حيث طلعنا إحنا والشمس والقمر والنجوم وكل الحاجات دي جزء ضئيل من الكون، في حدود علمنا لحد دلوقتي. تعالوا نجيبها من الأول.
اليونانيين القدماء كانوا غلابة يا عيني وشايفين إن الكون بسيط خالص. هما أربع عناصر اللي الكون متكوّن منهم: أرض وهوا ونار وميه. سهلة أوي أهيه. أي حاجة في الكون متكونة من العناصر دي بس بطرق مختلفة، يعني لو حاجة جافة، تبقى متكونة من النار والأرض، ولو حاجة رطبة تبقى متكونة من الميه والأرض.
مشكلة الكلام ده إنه مافيهوش حاجة تتقاس، والقياس هو أساس العلم التجريبي. ليوكيبوس، الفيلسوف اليوناني، قال في القرن الخامس قبل الميلاد إن كل حاجة احنا شايفينها حوالينا معمولة من أجزاء دقيقة ماينفعش نقسمها اسمها الذرّات. وبالفعل بعد قرون من البحث والتجارب العلمية، العلم توصل لإن العناصر اللي في الجدول الدوري زي الهيدروجين والكربون والحديد ممكن يتقسّموا لذرات. بس الغلطة بقى اللي في نظرية ليوكيبوس إنه قال إن الذرات ماينفعش تتقسم، والحقيقة إنه ينفع، بس الحقيقة الراجل يُشكر يعني إنه وصل لحد الفكرة دي وقتها.
بس فيه هنا نقطة مهمة. إن اللي وصل له ليوكيبوس ده، ومن بعده علماء كتير في نفس الاتجاه، بيشرح جزء صغير جدًا في الكون. الحاجات اللي بتتكوّن من الذرّات في الكون بتمثّل حوالي 5% بس منه، وبقيته بيتكوّن من حاجة اسمها (المادة المظلمة) و(الطاقة المظلمة). ألبرت آينشتاين كان أول واحد يدرك إن الفضاء اللي يبان فاضي ده مش عدم.
طب إحنا عرفنا موضوع المادة المظلمة والطاقة المظلمة ده منين؟
طيب دلوقتي احنا أي حاجة بنشوفها بتبقى مكوّنة من ذرّات، الضوء بينعكس من الذرات دي على عيننا وبالتالي بنشوفها، حتى لو هنشوفها بميكروسكوب أو تليسكوب، ومنها بنقدر نشوف الكائنات الدقيقة، ونشوف حتى النجوم والمجرات.
لما العلماء جم يقيسوا حركة مجموعات المجرات في التلاتينات، وقاسوا كمية المادة اللي فيهم، لقوا إن كمية المادة اللي هما شايفينها دي ماتقدرش تعمل جاذبية كافية لإن المجموعات دي تتماسك مع بعضها. حتى القياسات الأخيرة للمجرات المنفردة أكّدت النتيجة نفسها. يعني المفروض إنها تبعد عن بعضها. يبقى أكيد فيه مادة بس احنا مش شايفينها، وسمّوا المادة دي (المادة المظلمة). كل الأدلة بتقول إن فيه مادة مظلمة، وإنها بتمثّل جزء كبير من المجرات الحلزونية اللي مالية السما.
بالنسبة للطاقة المظلمة، العلماء اللي بيدرسوا المراكز الخارجية للكون في القرن اللي احنا فيه ده أكّدوا إن مش بس كل حاجة بتتحرك بعيد عن التانية في الكون، لأ كمان الظاهر كده إن تمدد الكون بيتسارع. ده معناه إنه يا إما فيه طاقة ما بتدفع التسارع ده، زي ما أنت بتدوس بنزين زيادة عشان العربية تمشي أسرع، يا إما الجاذبية مابتتصرفش زي ما احنا متصورين.
أغلب العلماء شايفين إن فيه طاقة بتدفع تسارع تمدد الكون، وسمّوها (الطاقة المظلمة). على ما يبدو إن الطاقة المظلمة بتمثّل 68% من الكون، والمادة المظلمة بتمثّل حوالي 27%، وإحنا (كل الأجسام اللي بتتكوّن من ذرّات) غلابة، بنمثّل 5% بس.
طب المادة المظلمة دي مصنوعة من إيه؟
في الحقيقة، محدش عارف، بس فيه نظرية اسمها ”التناظر الفائق“ أو (Supersymmetry) أو (SUSY)، بتقول إن فيه مجموعة كاملة من الجزيئات الجديدة، اللي ممكن بعضها يكون بيكوّن المادة المظلمة.
لو فيه فعلًا دليل على النظرية دي، هنبقى فهمنا تلت الكون، بدل ما احنا فاهمين 5% منه بس. ويمكن فكرة إننا نفهم الطاقة المظلمة أصعب من فهم المادة المظلمة. بس فيه شوية نظريات تخمينية عن الطاقة المظلمة، منهم نظرية بتقول إن فيه عنصر بسيط هو اللي بيتكوّن منه كل حاجة في الكون (مابتفكركوش شوية بنظرية اليونانيين القدماء؟ منها وإليها نعود). العنصر ده عبارة عن وتر مهتز. الفكرة إن كل الجزيئات اللي احنا نعرفها دلوقتي هي توافقيات مختلفة على الوتر ده. لكن لسوء الحظ، النظرية دي غير قابلة للاختبار.
لحد ما نختبر صحة كل النظريات دي ونفهم طبيعة المادة والطاقة المظلمة أكتر، حسيت بضآلتك؟ طب بص ماتزعلش. خليك فاكر إنك النوع الوحيد في الكون (على حد علمك) اللي قدر يكتشف اللي وصل له العلم لحد دلوقتي في الكون ولسه بيحاول يكتشف أكتر وأكتر.
المصادر: