.
ليه وإزاي؟

إزاي عرضوا العلماء على الشاشة؟!

كتب: أحمد حسين

شكل العالِم على الشاشة.. إنسان أنوي نادر!

شكل العالِم في الأفلام والدراما والمسرحيات دايمًا بيظهر على إنه ضعيف ومهزوز، أو منفصل عن الناس وكأنه مش واحد منهم، والأمثلة كتير على ده، منهم فيلم “شنبو في المصيدة” اللي صدر سنة 1968، واللي ظهر فيه يوسف وهبي بشخصية البروفيسور درويش اللي حاول يستدرج فؤاد المهندس علشان يُجري عليه تجارب في معمله. طبعًا شخصية البروفيسور درويش كانت مجنونة ومنفصلة عن العالم. في فيلم “واحدة بواحدة”، اللي صدر سنة 1984، ظهرت شخصية الدكتور أيوب اللي أدّاها الأستاذ محمود الزهيري، العالِم المُنعزل المجنون اللي شايف البشر رعاع ماينفعش العلماء يختلطوا بيهم.

عالم

نفس الكلام حصل برضه في مسلسل “مطلوب عروسة” في شخصية دكتور ناصف اللي لعبها يونس شلبي، واللي زي ما وصفها كانت ذات شخصية معملية فذّة، وهو هنا مش شخص منعزل اجتماعيًا، لكن برضه في غرابة في طريقة كلامه وحركاته، باعتبار إن دي ضمن الصفات الشخصية لأي عالم أو حد مهتم بالعلم يعني.

وماحدش ينسى شخصية سامح عبد الشكور اللي لعبها أحمد راتباتكرر برضه الأمر في مسرحية “سُك على بناتك” ، لكن وجود الدكتور رأفت أو فؤاد المهندس خلّى الموضوع مُتزّن كونه عالِم حشرات وجهبذ وفي نفس الوقت شخص تصرفاته طبيعية مش متضطربة زي شخصية سامح.

بس السؤال هنا، هل ممكن نعتبر ده جزء من كوميدية الفيلم أو المسلسل أو المسرحية باعتبارهم يعني مُصنفين كعروض اجتماعية كوميدية؟

والله ممكن. بس هل ده ماكانش له أثر مباشر على تصور الناس لشكل العلماء؟ فبقت الصورة الذهنية اللي ترسّخت عند الكثيرين هي إن العالِم ده شخص مجنون وبعيد عن الناس، وهل في أعمال جادة قدمت شخصية العالِم على إنه شخص طبيعي عايش وسط الناس ومش منعزل، كل الفرق بس إن زي ما فُلان مهتم بالكورة أكتر من كل حاجة، هو كمان مهتم أكتر بالعلم.

عالم

وبغض النظر عن كل نظريات المؤامرة اللي ممكن نشير ليها دلوقتي، بإن اللي بيحصل ده مُمنهج علشان الناس تكره العلوم اللي بتنمّي التفكير النقدي وغيره، لكن عمومًا الموضوع ده أثّر فعلًا في وجدان الكثيرين، وخلّاهم شايفين العلم ده شيء سخيف والعلماء هما كمان بالضرورة مملين وسخفا ومنفصلين عن البشر اللي حواليهم، زائد كمان إن منظومة التعليم عندنا بعافية شوية، وده ساهم وبيساهم في كره الناس للعلم أكتر وأكتر.

سيبك من العلوم وكلمني بالهجايص!

طيب إيه اللي هيعود على الناس من فهم العلوم؟ قبل ما نحاول نلاقي إجابة، محتاجين بس نُدرك مبدئيًا إن كل شيء حوالينا حاليًا موجود بسبب تراكم العلوم، من اختراع الحساب لاختراع الخوارزميات لاختراع الموبايلات والكمبيوتر لاختراع الذكاء الاصطناعي والعربيات ذاتية القيادة، بلاش، بالنسبة للفيزياء واختراع اللمبات وتوصيل التيار الكهربي والواي فاي والطيّارات والتليسكوبات واكتشاف الفضاء وغيرهم، بلاش تاني، الدواء اللي بيساعدنا على العلاج ده نفسه سبب وجوده العلماء والباحثين بالأساس، واللي درسوا الفيروسات وكيفية مواجهتها.

بس مش مطلوب من كل شخص إنه يبقى عالِم طبعًا، لكن الأفضل يكون عنده علم أساسي باللي بيحصل حواليه، يكون عارف إن الدواء ده مش للبلبعة على الفاضي وإنه “الانتبيوتيك” مش هيعالج كل الأمراض من الصداع لحد أمراض المعدة، أو يكون على الأقل عنده القدرة على إنه يسأل ويحاول يلاقي إجابات، علشان ماحدش يقول له إن الإندومي بيجيب سرطان فيصدّق، ولا حد يقول له إن نقطة عسل على السُرّة هتشفي كل الأمراض، ولا حد يقول له إن البنت لما بتعيّط شرايين قلبها بتتقطّع، وإن اللابتوب هيخلي جلدك يكرمش، وإن كل شيء حواليك مؤذي إلى أن يثبت العكس.

عالم

اضطهاد العلماء والتسخيف من دورهم بيترسّخ في عقول الناس على إنه ده المظبوط، وإن الناس مش مهم تفهم العلم ولا تتثقّف، مع إن ده هيخليهم يتعاملوا مع جسمهم ونفسيّتهم  والعالم أصلا اللي بيعيشوا فيه بشكل أفضل، وهيكون عندهم القدرة على إنهم يقرأوا ويعرفوا أكتر، يقرأوا على الأقل في التربية ونفسية الأطفال علشان يعرفوا يتعاملوا مع أطفال ومايطلعش جيل جديد يصدّق إن في جهاز ممكن يحوّل الإيدز لكفتة، وإحنا هنا مابنتكلّمش على الناس اللي ماتوفرتش ليهم الظروف علشان يتعلموا كويس، إحنا هنا بنتكلم عن ناس متخرجين وواخدين شهادات في الهندسة والطب والتجارة والحقوق وغيرهم، ودي كارثة أكبر واللي نتمنى إنها تتغيّر.

زيادة الوعي بالعلوم أمر مهم، معرفة اللي بيحصل حواليك أمر مهم، وخلينا نكون مُخددين أكتر، معرفتك بمرض زي فيروس الكبد الوبائي Ck هيخليك فاهم تتعامل مع المصاب بيه إزاي، مش هتتعامل معاه باشمئزاز زي ما حصل وبيحصل، معرفة الأساسيات والحد الأدنى من العلوم، بيخليك أكثر قدرة على التعامل مع الحياة اليومية، خصوصًا على الجوانب الجسدية والنفسية، واللي بتشكل جزء مهم من شخصيتك وطريقة تعاملك مع ما حولك ومن حولك.

ممكن نشوف إن الكلام ده عندنا إحنا بس ومش موجودة في البعض مسلسلات أو الأفلام الأجنبية، بس الحقيقة إن نمط التفكير في العلماء والمثقفين على إنهم تافهين ومملين ومجانين ده موجود وراسخ من زمان.

الكلام مش بس عندنا لأ وعندهم كمان 

في سنة 2016 “ديفيد هوبكنز” كاتب قصص مُصوّرة ومقالات، كتب مقال بيتكلم فيه عن مشاركة مسلسل (Friends) في إطلاق شرارة انهيار الحضارة الغربية، وكان له رأي سلبي في المسلسل على عكس عدد كبير من اللي اتفرجوا على المسلسل، هوبكنز كان شايف إن خط “روس” عالم الحفريات واللي بيمثّل رجل العلم في المسلسل ماكانش مُضحك، على العكس تمامًا، ده بيناهض الفكر في أمريكا.

للناس اللي ماتفرجوش على المسلسل، روس قدم شخصية عالم حفريات مرموق، حصلت له سلسلة من الأحداث في حياته أدت لإنه يبقى بائس ومُرتاب طول الوقت، ووجهة نظر هوبكنز في الحكاية إن ده بسبب اضطهاد أصدقائه له باعتباره الرجل الذكي الموهوب، يعني التريقة هنا مش على شخصيته ولا على المواقف اللي بيقع فيها، السخرية كانت مباشرة على شغله وكونه عالم ده بالنسبة للكثيرين منهم ممل، وكل ما يتكلم في العلم بيتجاهلوه ويسخروا منه.

عالم

ربط هوبكنز بين وجهة نظرهم في السخرية من العالِم الوحيد في المسلسل وبداية تتابع ما اعتبرها “كوارث” من بعد 2004، زي انتخاب جورج بوش لولايته التانية، وتحوّل التليفزيون لعرض البرامج الخفيفة، لدرجة إن برنامج زي “أمريكان أيدول” احتل المرتبة الأولى في الأكثر مشاهدةً لمدة 8 سنوات، ده غير إصدار فريق (Green Day) لألبوم غنائي اسمه (American Idiot) وحصل على جوائز كتير، وده معناه حسب كلامه إن إهانة العالم أدّت في النهاية إلى الاحتفاء بالغباء.

هوبكنز حكى كمان عن شغله كمدرس، وإن إزاي الطلبة المتفوقين في العلوم بيتعرّضوا للضرب والسخرية والتنمّر، وشاف من وجهة نظره إن المسلسلات دي ساهمت في اللي بيحصل بشكل كبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى