.
ليه وإزاي؟

زراعة الذكريات الزائفة: الإشراق الأبدي لعقل لا تشوبه شائبة

كتب: أحمد حسين

سنة 2004، صدر فيلم الإشراق الأبدي لعقل لا تشوبه شائبة أو ”Eternal sunshine of the spotless mind“، من إخراج ميتشل جوندري وتأليف العبقري تشارلي كوفمان. الفيلم كله بيدور بالأساس عن الذاكرة، أو محو الذاكرة بالأخص. الفيلم قصته باختصار بيحكي قصة جويل وكليمنتين، اتنين قابلوا بعض وارتبطوا بعلاقة حب، وعلى مدار سنتين واجهوا مشاكل كتير أدت لإنهم ينفصلوا في النهاية. بس الأهم إن كل واحد منهم حاول يمحو الجزء المتعلق بالتاني من ذاكرته وهنا كان السؤال هل هينجحوا، هل القرار ده كان صح؟ هل لما جويل أو كليمنتين محوا ذاكرة العلاقة شديدة الوطأة عليهم دي، هل ده معناه برضه، إنهم قدروا يمسحوا مشاعرهم كأن لم تكن؟، طيب إذا قدرنا مثلًا نمحي الذاكرة، هل ممكن يبقى فيه زراعة الذكريات اللي ماحصلتش من الأساس؟ أسئلة كتيرة أثارها الفيلم واللي لحد وقت قربب كانت من غير إجابة.

زراعة الذكريات قيد التجربة

قرر اتنين من الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ”ستيف راميرز“ و”شو ليو“، إنهم يزرعوا ذاكرة مش حقيقية داخل عقل فار، والنتيجة كانت مذهلة بالنسبة لهم. الذاكرة اللي زرعوها كانت ذاكرة مخيفة، ولما الفار رجع القفص الحديدي بتاعه، بدأت تظهر عليه أعراض الخوف، وقعد يترعش واتثبت مكانه كده، كأنه اتكهرب، في حين إنه لم يمر بأي تجربة تخليه يخاف بالشكل ده، معنى كده إنه فعلًا استحضر الذاكرة اللي مالهاش أصل واقعي، واللي الباحثين زرعوها في دماغه.

طيب هو إيه المبهر يعني في الموضوع ده؟ ببساطة، فكرة إنهم قدروا يزرعوا ذاكرة بالأساس مالهاش أصل واقعي، ده معناه إنهم يقدروا يكتبوا تاريخ كامل لشيء ماحصلش في دماغ أي شخص، أو حتى يقدروا يعيدوا كتابة حدث ما، أو يمحوه تمامًا. والاكتشافات اللي زي دي مش بس بتخلق واقع داخل العقل، لكنها كمان بتكشف عن جزء مهم دائمًا ما يكون مرتبطًا بالغموض، وهو الذاكرة.

العلماء، وتحديدًا علماء الأعصاب، فضلوا لفترة طويلة بيبحثوا في فكرة تخزين الذاكرة، هل هي بتتسجل في الحُصين، ولا بتتسجل في مكان تاني من المخ؟ واكتشفوا في النهاية _بحسب بحث اتعمل في أوكسفورد_ إن الذاكرة بتتسجل في أماكن كتير من المخ، واللي بيكون مسئول عن الاحتفاظ بالذاكرة دي خلايا عصبية معروفة باسم ”إنجرامس – Engrams“.

الخلايا العصبية النشطة أثناء تخزين الذاكرةالخلايا العصبية النشطة أثناء تخزين الذاكرة

 

”الإنجرامس“ مفتاح الذاكرة

سنة 2010، راميرز ولو صمموا نموذج أو طريقة جديدة يقدروا يحددوا بيها الإنجرامس المسئولة عن الذاكرة، وبعدين يوجهوا عليها أشعة ليزر، علشان يحفزوهم لخلق ذكرى مش موجودة أساسًا، بمعنى إنهم بيهيئوا لها الجو علشان تتخيل إن في حدث بيحصل يستحق التخزين في الذاكرة، وهو لا في حدث بيحصل، ولا في أي حاجة من الأساس.

وعلشان يثبتوا صحة النموذج بتاعهم أو الطريقة يعني، جابوا مجموعة من الفيران، وجربوا يزرعوا لكل فار ذاكرة. جابوا أحد الفيران، وراحوا مركزين الليزر على بعض الإنجرامس وعلى الخوف تحديدًا، بمعنى إنهم خلوها تخلق مناخ لحفظ ذاكرة مخيفة لم تحدث في الواقع من الأساس، فالخلايا العصبية المسئولة عن مشاعر الخوف نورت، وده معناه إن الفار ده اتزرعت في عقله ذاكرة مخيفة ماحصلتش من الأساس، لا وكمان بقى بيتصرف بخوف شديد لما بيدوا له صدمة كهربائية بتخليه يفتكرها.

دخول الخوف إلى الذاكرة دخول الخوف إلى الذاكرة

طيب الموضوع ده هيكون مفيد جدًا فعلًا، في حالة الناس اللي أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة، أو اكتئاب، أو اضطراب قلق نتيجة لحادث شديد الوطأة على نفوسهم، لكن الاستخدامات السيئة واللي في غير محلها للموضوع ده إزاي هيسيطروا عليها؟ يعني مثلًا محو شهادة شاهد في قضية وزرع ذكريات مختلفة تمامًا عن اللي شافها بنفسه، وبكده تبقى باظت القضية، في الحالة دي إزاي هيقدروا يقننوا الموضوع، أو إزاي ممكن يخلوه بعيد عن التلاعب السئ ده. مُعضلة حقيقية ومحتاجة حل قبل ما يبدأوا بإنتاج جهاز يمحي الذاكرة فعلًا.

الموضوع طبعًا لايزال في طور البحث، لكن عمومًا الذاكرة شيء مركب جدًا، يعني فكرة الأحداث السيئة اللي مريت بيها دي وتحولت لذكريات فيما بعض، أكيد استفدت منها بشكلٍ ما يعني، أو حتى طلعت منها بحكمة ما، المشكلة بقى في محو ذاكرة زي دي، هل مستعد تمحو معاها الاستفادة دي؟ ولو هتزرع ذاكرة جديدة، هل مستعد تزرع ذاكرة ماعيشتهاش فعلًا وماختبرتش مشاعرها الواقعية في لحظتها؟ كل دي اسألة أتمنى _بشكل شخصي يعني_ يتم الإجابة عليها.


المصدر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى