.
ليه وإزاي؟

عن بعض من أسرار التحنيط!

كتبت: يارا كمال

المصري طول عمره يحب يحتفظ بالكراكيب، لدرجة إننا كنا بنحتفظ بأجساد الميتين. أيوه التحنيط مفهوم إنه عشان البعث وإن الملك يُبعث ويبقى ملك في الآخرة مدة تانية من غير انتخابات. بس الفكر اللي يخليهم يحنطوا لآلاف السنين، اللي هو احنا أصلًا مش عارفين هما قدروا يحافظوا على الجثث كل ده ازاي، فده مقدرش أقول عليه فضا لإن الحاجة أم الاختراع حتى لو الحاجة دي غيبية أو روحية.

خلينا نشرح شوية من اللي اكتشفناه في العصر الحديث عن سر التحنيط.

أنا بتحلل ذاتيًا:

مبدئيًا كده الجسم هو اللي بيحلل نفسه بنفسه بعيدًا عن العوامل الخارجية. المفروض إن الخلايا الحية على طول بتجدد نفسها، وإن فيه إنزيمات متخصصة بتحلل الهياكل القديمة، عشان المواد الخام تبني هياكل جديدة من الخلايا. لما حد بيموت، الخلايا الميتة مابتقدرش تجدد نفسها تاني بعد ما الإنزيمات تحللها. اللي بيحصل إن الناس أيام الفراعنة كانوا بيلحقوا يحنطوا الجثة قبل ما الإنزيمات دي تحلل كل حاجة في الجسم.

أول القصيدة:

الخلايا العصبية بتموت بسرعة، وبالتالي المحنطين القدماء مكانوش يقدروا يحتفظوا بالمخ جوا الجسم. هيرودوت، المؤرخ الإغريقي، كان بيقول إنه عشان كده، أول حاجة المحنطين كانوا بيعملوها إنهم يدقّوا جوه الجمجمة بمسمار كبير، بحيث يهرسوا المخ خالص، وبعد كده يخرّجوه من الأنف. بعد كده بيصبّوا راتنجات الشجر (مواد صمغية بتفرزها النباتات) جوا الجمجمة لمنع إن أي تحلل يحصل في المنطقة دي أكتر من كده.

سيبونا .. احنا هنهضم نفسنا بنفسنا:

الأسوأ من تحلل المخ، هو تحلل أعضاء الجهاز الهضمي، لإن الكبد والمعدة والأمعاء بيبقى جواهم إنزيمات هضمية وبكتريا، ودي بعد الموت بتبدأ تاكل في الجثة من جوا. عشان كده الكهنة بيشيلوا الرئتين والأعضاء اللي في البطن بعد ما يتخلصوا من المخ.

المشكلة إنه من الصعب إنهم يشيلوا الرئتين من غير ما يبوظوا القلب (تحس إنهم بيخلوا فراخ)، وطبعًا القلب كان بالنسبة لهم مكان الروح، عشان كده كانوا بيتعاملوا معاه بعناية شديدة.

بعد كده بيحطوا الأعضاء الداخلية أو الأحشاء في برطمانات اسمها ”أواني كانوبية“ وبيملوها بملح طبيعي اسمه النطرون. زي أي ملح، الملح ده بيمنع التحلل عن طريق قتل البكتريا، ومنع إنزيمات الجسم الهضمية من إنها تشتغل وتحلل الأعضاء.

كلمة السر: النطرون

النطرون مش ملح زي أي ملح. هو مزيج من نوعين من الأملاح القلوية: رماد الصودا وصودا الخبز. والأملاح القلوية قاتلة بالنسبة للبكتريا، وكمان تقدر تحوّل الأغشية الدهنية لمادة صابونية صلبة، وبكده يقدروا يحافظوا على بناء الجثة.

faf19f1e805111195e7439f6c47580c4

تعالى أما أخللك:

خلصنا من الأعضاء الداخلية؟ الكاهن بعد كده بيحشي تجويف الجسم بأكياس نطرون، وبعد كده بيغسل الجسم ويديله الدش التمام عشان التطهير. بعد كده، بيحطوا الجثة في سرير ويحطوا عليها نطرون أكتر لمدة حوالي 35 يوم عشان يحافظوا  على اللحم الخارجي. خلال الوقت ده، الأملاح القلوية بتكون سحبت السائل اللي في الجسم. بعد ما بيشيلوها بيكون الجسم صلب ولونه بني. وبرغم إن الجثة مابتكونش عفّنت، بس ريحتها مابتبقاش حلوة برضه، وبالتالي بيصبّوا على الجسم راتنجات الشجر، وبعد كده يمسّجوا الجسم بخليط شمعي بيحتوي على زيت الأَرز (مش الأُرز، لأ الأَرز زي أَرز لبنان).

بعد كده بيلفوا الجثّة بالكتان. وفي الآخر، يحطوا الجثة في مجموعة توابيت جوا بعضها، وأحيانًا كمان في تابوت حجري.

الجثة اتشخرمت خالص:

بس خلونا نقول إنه في الآخر، الجسم في الآخر مابيبقاش سليم 100%. ده أنت دشدشت مخه وطلعته وطلعت كل الأحشاء وملّحتها، ونشفت حوالي نص كتلة الجسم، لما نقعته 35 يوم في النطرون. أنت بهدلته خالص.

بس ده مايمنعش طبعًا عظمة الإنجاز، فكرة إنهم يحتفظوا بأغلب الجسم أو الشكل الخارجي على الأقل لآلاف السنين، ده في حد ذاته شيء مثير للإعجاب والاندهاش. ده غير إن العلماء دلوقتي بيشرّحوا الموميات دي عشان يحددوا أسباب الوفاة، وممكن كمان ياخدوا من الجثة عينات DNA، وده وصّلنا لشوية معلومات زي: إن تلوث الهواء كان مشكلة كبيرة في مصر أيام الفراعنة، وده في الغالب بسبب خبز العيش في البيوت في الأفران. وكمان إن أمراض القلب والأوعية الدموية والسل كانت شايعة زمان.

رغم إن موضوع 7 آلاف سنة حضارة ده بوّخ أوي، في فكرة إننا بنتباهى بالحضارة دي من غير ما نعمل حاجة، مايمنعناش إننا ننبهر من العلم اللي وصل له القدماء المصريين حتى وهم بيحاولوا يحطوا حل لإن الناس ازاي هتبعث وأجسامها متحللة ومش موجودة، فيخترعوا التحنيط!


المصدر

https://www.youtube.com/watch?v=9gD0K7oH92U

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى