.
ليه وإزاي؟

الخوف المحبب للنفس؛ تيجي نروح الملاهي؟

كتب: أحمد حسين

غالبًا الفسحة الأشهر في حياتنا كلنا كانت الملاهي، وبتيجي بعدها السينما، بس الملاهي كانت أحلى وأكثر إثارة وتشويق بالنسبة لنا وإحنا أطفال. صريخ وعفرتة وشقلبظات، لما كنا بنروح الملاهي، كنّا بنلاقي عالم تاني خالص، صاروخ طاير بالناس على ارتفاع عالي جدًا، دايرة كبيرة فيها كراسي وبتفضل تلف بسرعة رهيبة، على شمالك قطر الموت، وعلى يمينك بيت الرعب! أسامي الألعاب كانت بتدينا الانطباع إنها هتكون رحلة ممتعة لكن مخيفة!

في وسط ما إنت ماشي بين الألعاب، هتسمع صوت ناس كتير بتصوّت وتصرخ،فاكر مرة كنّا في رحلة عائلية وتيتية كانت معانا بالأمن الغذائي ساندوتشات وعصير ولقيتها بتسأل مرتابة كده الله إيه الحكاية؟ هي مش الناس دي جايين من بيوتهم وواقفين في طوابير طويلة عريضة علشان يفرحوا ويستمتعوا؟ أومال الصويت ده ليه؟ يعني هما دافعين فلوس في الألعاب دي علشان يخوّفوا نفسهم؟!

سؤال يعني إنتوا دافعين فلوس علشان تخوّفوا نفسكم ده بيتم طرحه برضه على الناس اللي بيدخلوا أفلام الرعب وبيبقوا عارفين إنها أفلام رعب وبعد مايدخلوا بيفضلوا يصوتوا تقريبًا نص الفيلم، بيحصل كده ليه؟ والناس دي بتبقى ناس طبيعية ولا عبيطة ولا إيه؟ وإيه الحلو في الخوف أساسًا؟!

الخوف من المشاعر اللي غالبًا بتعتبر سيئة أو لها وقع سيء على البشر لكنها مش دايمًا كده. لما بتحصل حاجة بتحفز عندنا حالة اسمها ”الهروب أو المواجهة – Fight or flight“، المخ بيفرز هرمونات بتحفز بعض وظائف الجسم زي النظر والعضلات وغيره، علشان تستعد للخطر اللي جاي ده، إما بالمواجهة أو بالهروب. الهرمونات دي بتعمل كده عن طريق إنها بتتأكد من إن جسمنا جاهز وكمان بتحمينا من الإحساس بالألم، ده غير إنها بتلغي بعض الاحاسيس غير المرغوب فيها في الوقت ده زي التفكير النقدي وغيره.

لكن كمان الخوف بيساعد المخ على إنه يفرز هرمونات بتتفرز في أوقات النشوة زي الإحساس بالسعادة أو التشويق أو ممارسة الجنس مثلًا، الفرق كله بس في سياق الأحداث نفسها، يعني إيه؟ يعني لو كنا في خطر حقيقي، هيكون مخنا مركز على إننا نهرب أو نواجه بس، ومش هيكون مركز على إننا نستمتع باللحظة مثلًا. طبعًا الأمر ده بيختلف لما بنكون في الملاهي أو في فيلم رعب، المخ بيبقى مدرك إن الموضوع مفيش فيه خطر حقيقي، فلما بنفرز هرمونات النشوة، بنحس فعلًا بالمتعة في الوقت ده، علشان كده غالبًا بنكون بنصوت بس بنضحك في نفس الوقت.

وعلى الرغم من إن رد الفعل العالمي اللي على التهديدات غالبًا بيكون متشابه، والمخ بيفرز نفس الهرمونات بالظبط لكن بعض الأبحاث قالت إن في فرق مابين تعامل كل شخص مع الموقف نفسه ورد فعله عليه، وده اللي بيفسر وجود ناس دايمًا بتبحث عن المغامرة والخطر والحاجات دي، وفي ناس بتحب الهدوء والبعض عن المخاطر حتى لو المخاطر دي مش حقيقية زي الملاهي وأفلام الرعب. برضه في فروق جسدية ممكن تخلي حد يستمتع بشيء زي الملاهي وحد تاني لأ، وفي طبعًا فروق نفسية بتخلي حد يستمتع ببيت الرعب أو فيلم الرعب مثلًا ولما بيروح مقابر حقيقية بيخاف.

الخوف مش بس بيساعد المخ على إفراز هرمونات النشوة لأ، الخوف بيساعدنا كمان على تحسين حالتنا النفسية أو زيادة قدرتنا بنفسنا، إزاي؟ لما بتعدي أي اختبار في حياتك بتحس بإنك قادر على تخطي أي اختبار تاني، زي مثلًا إنك تجري في سباق لمسافة طويلة وتنهيه أو إنك تقرأ كتاب كبير أو إنك تنط من منط سباحة على بُعد 10 متر مثلًا، كل دي أشياء لو عملتها ممكن تزود ثقتك بنفسك وتكسر حِدة الخوف شوية من جواك.

ثم إن الخوف ده، كان حافز لتطور الكائنات كلها لأنه الخوف في الأصل هو حافز الكائنات للحفاظ على حياتهم من الخطر، إزاي؟ الحكاية كلها تكمن في التفريق بين السياقات المختلفة للحدث، يعني الكائنات اللي قدروا إنهم يستمروا ويتطوروا فعلًا، كانت الكائنات القادرة على التفريق بين الخطر غير الحقيقي وده اللي بيتعاملوا معاه على إنه خوف لطيف، والخطر الحقيقي وده اللي بيتعاملوا معاه على إنه خوف محفز على البقاء بقوة.

الخوف مش دايمًا شيء سيء، الخوف ممكن يكون شيء محبب للنفس وأمر مثير لما تكون قادر تفرق بين الخطر الحقيقي والخطر غير الحقيقي، ده غير إنه الخوف ممكن يكون ممتع فعلًا لو كان مع حد بيشاركك نفس اللحظة وبيضحك، زي إنك تركب قطر الموت جنب شخص بيضحك، أو تدخل فيلم رعب مع حد بيرمي إفيهات ذكية تضحك، دي هتكون تجربة خوف لطيفة وممتعة، أما الشخص اللي بيكون خايف، فده بلاش منه علشان ده هيرعبك أكتر من غير داعي يعني وهيضيع لك متعة الفيلم.


المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى