.
مشاركات حرة

التغييرات المناخية وتمويل مشروعات التصدي لها

كتبت: سلمى سلطان

تميزت ظاهرة التغييرات المناخية عن معظم المشكلات البيئية بأنها عالمية الطابع حيث أنها تعدت حدود الدول لتشكل خطورة على العالم أجمع بما فيه من كائنات بشرية وغيرها من تلك المهددة بالانقراض، وقد توجهت الجهود الدولية منذ فترة طويلة إلى الاهتمام الضروري للتصدي لعدد من التغيرات المناخية ويأتي على رأسها الزيادة المطردة والملحوظة في درجات الحرارة، حيث كان العقد الأول من القرن الواحد والعشرين (2001-2010) هو الأكثر ارتفاعا في الحرارة منذ عام 1850. وتأكدت زيادة معدل الحرارة على سطح الكرة الأرضية، وارتفاع مستوى المحيطات وتسارع ذوبان الجرف الجليدي كوقائع علمية لاريب فيها”.

وتتلخص الظاهرة بداية في ضرورة الوجود الطبيعي لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي والمتمثلة في ثاني أكسيد الكربون Co2، غاز الميثان وغيرها من غازات الاحتراق الأخرى على النحو الذي يبقي على كوكب الأرض دافئا بدرجة تكفي للحياة كما نعرفها، إلا أن الانبعاث الزائد لغازات الاحتباس الحراري التي تسبب فيها الإنسان جعل الغطاء أكثر سمكا بحيث يختزن السخونة ويؤدي إلى ما نعرفه باسم الإحترار العالمي.

التغييرات المناخية والتصدي لها 

ربما لا يتسنى بحث سبل مواجهة هذه الأزمة العالمية إلا عن طريق وضع استراتيجيات للتكييف معها مع مراعاة تخصيص التمويل اللازم والكافي لمعالجتها والحد من انعكاس آثارها على كافة مناحي حياة البشر في جميع أرجاء العالم.

في واقع الأمر، إن الاهتمام الدولي بالتصدي لمشكلات تغيير المناخ قد خرج عن كونه أمرا يستهدف رفاهية الإنسان وتخفيف عبء ارتفاع درجات الحرارة وتلطيف الجو، بل إنه أصبح أمرا ملحا ضروريا لتفادي ظاهرة التغيير المناخي بتبعاتها السلبية، فقد بلغ عدد الكوارث الطبيعية عام 2009، حوالي 351 كارثة، 325 منها ترجع أسبابها لظاهرة الإحترار العالمي.

أدت تلك الكوارث السالف ذكرها إلى وفاة قرابة 10,551 منهم 8700 شخص بإمراض يعزى سببها في المقام الأول لظواهر تغيير المناخ. أكثر من 98 بالمائة من أولئك الذين ألحقتهم الأضرار من الكوارث الطبيعية ، كانت من جراء حدوث التغيير المناخي.

ولقد عقد مؤتمر باريس لتغيير المناخ في نهاية 2015، الذي أقر من خلاله ممثلو 195 دولة ،اتفاقا دوليا للتصدي للاحتباس الحراري، وستجرى أول مراجعة إجبارية في عام 2025 المقبل، وتلك المراجعات معنية بتحديد حالات تقدم في تطبيق الاتفاقية، وهنا يصبح الموضوع شديد الحساسية خاصة للدول المتقدمة التي تخشى الوقوع في أي مساءلات قضائية من جراء مسؤولياتها السابقة عن التسبب في إحداث ظاهرة الاحتباس الحراري، وحدد عام 2018 موعدا لإجراء أول تقييم يتضمن 195 دولة لجميع أنشطتها نحو تخفيف والحد من تداعيات التغييرات المناخية.

ولقد نص الاتفاق بناء على طلب الدول النامية أن يكون مبلغ 100 مليار دولار الذي تعهدت الدول الصناعية بتقديمه سنويا بداية من عام 2020 هو الحد الأدنى الذي منه سيتم اقتراح هدف جديد (رقم أعلى) في عام   2025 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها للطاقات النظيفة، ولا تزال آليات التمويل قيد العرض على مائدة المفاوضات ضمن آليات تنفيذ اتفاق باريس، حيث أنه وطبقا للتقارير التي انتهت إليها جلسات عمل مؤتمر باريس، فإن العالم يحتاج إلى ما يقدر بنحو 93 تريليون دولار أميركيي كل عام خلال العشر سنوات المقبلة للاستثمار في البنية الأساسية المنخفضة الكربون.

من المعروف أن المنطقة العربية هي من أكثر المناطق تأثرا بظاهرة التغيير المناخي، وحسب بيانات البنك الدولي فإن ارتفاع سطح البحر من جراء التغيير المناخي سيؤثر على نحو 43 مدينة ساحلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ولقد نشر البنك الدولي تقريرا حول الواقع الجديد للطقس الذي سببه تغيير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مشيرا إلى أن درجات الحرارة ستشهد ارتفاعا أكبر في المنطقة ، وهناك توقعات بأن تسجل درجات الحرارة في البلدان العربية ارتفاعا ملحوظا ، وقد سجلت مصر على سبيل المثال ارتفاعا في درجة الحرارة الصغرى قدره 0.5 درجة مئوية، وجاءت توقعات أخرى لكل من تونس، المغرب بزيادات ملحوظة 1.1 ، -0.6 على التوالي ما بين عامي 2020 ، 2060 أما عن السعودية، فستسجل ارتفاعا ملحوظا بحلول 2060 يتراوح ما بين-1.5 ، 3.1 درجة مئوية، وفي السودان سترتفع درجة حرارة المنطقة الشمالية الغربية ما بين 2.2، 2.7، وهذا التغيير المناخي بالطبع سينعكس بتأثيرات سلبية على مختلف مناحي الحياة.

وبناء على هذه المؤشرات، سيقوم البنك الدولي بزيادة القروض لدعم التحرك في مواجهة تخفيف الآثار السلبية لتغييرات المناخ من 18 إلي 30 بالمائة كما سيعمل على رفع النسبة الممنوحة للقروض الخاصة بإجراءات التكييف المناخي عن نسبة ال 28% الحالية لتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة والواعية بغية تقليل استخدام المياه والحد من إنبعاثات غاز الدفيئة الكربون بل والعمل على امتصاصه بصورة أكبر، مقاومة ظاهرة التصحر ، زيادة الغابات ومنع إزالة الموجود منها وكذا مد شبكات أمان لحماية أصول العملاء من مخاطر المناخ العالمية الآخذة في التفاقم، ومن المخاطر الاقتصادية التي ستصاحب ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

من ناحية أخرى، فإن جذب التمويل من القطاع الخاص كضمانات للاستثمار يمكن أن يكون عامل جذب وتشجيع للاستثمارات الخاصة في الطاقة المتجددة ومحطات تحلية المياه ودعم العمل الجماعي لزيادة الأمن على صعيد التحديات الرئيسية العابرة للحدود كإدارة المياه وتكامل سوق الطاقة. وهناك بالفعل حماس عالمي متزايد نحو السندات والقروض والمؤشرات الخضراء” والاستثمارات الخضراء في البنية الأساسية.

مع ذلك، وكما سجلت المفوضية الأوروبية ملاحظتها، فإن الاستثمار في أصول البنية الأساسية الرحيمة بالبيئة، لا يتجاوز 1% من الأصول المؤسسية في مختلف أنحاء العالم. ونظرا لأسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا والافتقار العام إلي خيارات الاستثمار الجاذبة، فإن اللحظة الحالية مثالية لاستغلال شهية المستثمرين المتنامية للمنتجات المالية الخضراء.

يجب العمل على تقليص عوامل انبعاث غاز الدفيئة على ألا يتجاوز تريليون طن متري حتى نهاية القرن الحالي بهدف الامتثال لاتفاق باريس والحد من ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز درجتين مئويتين. وهذا أمر ممكن وأذكر هنا ما أصدرته حديثا الوكالة  الدولية للطاقة المتجددة، حيث قالت إن حصة الطاقة المتجددة من إمدادات الطاقة لابد وأن تصل إلى 65 بالمائة بحلول عام 2050بعد 15% عام 2015، وبذا يقل انبعاث الكربون إلى 70%، ولابد أن يتم هذا كله بالتوازي مع تقليص استخدام الوقود الإحفوري واستبداله بالفحم الطبيعي، وفي هذا الصدد، فقد انضمت مؤسسات مالية ضخمة إلى مبادرة عالمية تروج لسحب الاستثمارات من مشاريع الوقود الأحفوري

خصص البنك الدولي في هذا الصدد خمس خطط التزام طويلة الأجل للتكيف مع التحدي المتمثل في تغيير المناخ، وأطلق خطة لمساعدة البلدان على الاضطلاع بخططها القومية، حيث تهدف هنا خطة العمل المناخي للبنك الدولي المختصة بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مضاعفة نصيب البنك من التمويل الموجهة لتغيير المناخ، والذي يعني بالوقت الحالي بتدبير منحة سنوية قدرها 1.5 مليار دولار.

وعلى صعيد آخر، فقد قامت مؤخرا مجموعة أكسا ومجموعة يو بي إس جنبا إلى جنب مع معهد بوتسدام لبحوث التأثير المناخي، ومشروع الإفصاح عن الكربون، وجمعية معارف ومعلومات المناخ في الاتحاد الأوروبي، بتنظيم مؤتمر في برلين. وهناك ناقش المجتمعون مع كبار الخبراء في مجال الاستثمارات الخضراء وسحب الاستثمارات من الوقود الأحفوري، ناقشوا كيفية تقديم الوسطاء الماليون المساعدة للتصدي ومعالجة مخاطر المناخ.

وعلى الرغم من الضرورة الملحة لتدبير تمويل مشروعات التغيير المناخي، إلا إنها لم تصل إلى المعدل الكافي على الإطلاق، حيث أن هناك أزمة كبرى في قطاعات الكهرباء والمياه اللازمين لتلك النوع من المشاريع، مما يتعين زيادة قنوات الاتصال مع جهات أخرى مانحه و توصيلها بمعدي المشروعات مثل مشروعات إقامة محطات الطاقة الشمسية ، كما يجب الاهتمام في المقابل بالقوانين والتكنولوجيا التي من شأنها التحول تدريجيا لأنواع الطاقة النظيفة.

على جميع الحكومات التي وقعت على اتفاقية باريس أن تتبنى مجموعة من التدابير لتمكينها من تنفيذ استراتيجياتها في مجال إزالة الكربون، وبالفعل اتخذت بعض الحكومات خطوات لتشجيع تنمية المنتجات الخضراء وفي مجمل الأمر لابد أن تعمل مثل هذه التغييرات على دعم وليس عرقلة الجهود المبذولة في القطاع المالي للتصدي لتغيير المناخ.

إن تمويل مشاريع البنية الأساسية، التي قد تكون باهظة التكلفة بالنسبة لبعض الحكومات الوطنية إذا مولتها بنفسها، ولكنها تشكل ضرورة أساسية لتحويل أنظمة الطاقة – مثل مزارع الرياح وخطوط الطاقة الممتدة لمسافات طويلة – سوف يتطلب إدخال فئة جديدة من سندات البنية الأساسية العالمية.

مصر والتدابير المتخذة إزاء ظاهرة التغيير البيئي:

قامت مصر بالتصديق على عدة اتفاقيات ، اتخذت على إثرها عدة تدابير أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية الأمم المتحدة فقامت بإصدار قانون البيئة رقم 4 عام 1994، بروتوكول كيوتو وقامت بتشكيل اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة. قامت وزارة الكهرباء والطاقة المصرية بعمل مشروعات عديدة في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة كما عملت على تشجيع مشروعات تحسين كفاءة الطاقة.

قام مركز البحوث الزراعية بإجراء بحوث على تأثير تغيير المناخ و القيام بإبحاث لاستنباط أنواع جديدة من المحاصيل لها القدرة على تحمل الحرارة، كما وقد قامت وزارة البيئة بعمل مشروعات استرشادية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة ومعالجة المخلفات وإنشاء الغابات الشجرية.

ضمن آليات الإجراءات المتخذة من أجل الاستفادة من بروتوكول كيوتو، تمت الموافقة على عدد 36 مشروعا استثماريا تشمل قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة والصناعة ومعالجة المخلفات والتشجير وتحسين الطاقة وتحويل الوقود إلى غاز طبيعي وذلك بتكلفة إجمالية قدرها 1.200 مليون دولار، وتمثل هذه المشروعات جذبا جيدا للاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص عمل جديدة.

تنتهج مصر نهج الدول النامية في التفاوض بشأن أهم قضايا التغييرات المناخية من خلال المحافل الدولية للحصول على التمويل اللازم للتصدي لهذه المشكلة مستخدمة دورها الريادي البارز على المستويات الإقليمية، العربية، والإفريقية ومن هنا حث الدول الصناعية الكبرى للاضطلاع بدورها تجاه الدول النامية طبقا لاتفاقية كيوتو والبروتوكول الموقع سواء من خلال خفض الانبعاث، أو نقل التكنولوجيا، أو تمويل صناديق التأقلم مع التغييرات المناخية، أو البحوث والمراقبة وتحديد المخاطر والتهديدات وتعويض الدول النامية المعرضة لأثار التغييرات المناخية وضرورة خضوع الدول الصناعية ٌلآليات وقواعد المحاسبة خلال فترة الالتزام الثانية ( 2012- 2018).

ترى مصر ضرورة عدم تسمية الالتزامات المفروضة على الدول الصناعية باسم الالتزامات التطوعية وهي التزامات تؤيدها جميع الدول الصناعية وعلى رأسها روسيا على اعتبار أنها التزامات من حق جميع الدول النامية طبقا للاتفاقية و البروتوكول.

وتعتقد مصر أيضا أن موضوع نقل التكنولوجيا من الموضوعات الهامة، بل وهناك ضرورة حتمية لتكوين هيكل مؤسسي قادر على تفعيل نقل التكنولوجيا للدول النامية ودعم تمويل مشروعات نقل التكنولوجيا على أسس تفضيلية إلى ما يصاحب ذلك من دعم مادي.

– على الصعيد الداخلي بالنسبة لتمويل مشروعات تغيير المناخ، تشمل ميزانية الاتحاد الأوروبي تغطية لجميع تكاليف تلك المشاريع بمصر وذلك في الفترة ما بين 2014-2020 وذلك في إطار سياسات التنمية الخاصة بالاتحاد الأوروبي لدعم البلدان النامية والمقدرة بنحو 14 مليار دولار في الفترة ما بين 2014-2020، وقد قدرت بالفعل تكلفة المشاريع الحالية الجارية بمصر و المخططة بقرابة 700 مليون يورو من المنح المقدمة لمصر ، وساعد على ذلك الاستفادة من قروض إضافية ميسرة من بنك الاستثمار الأوروبي وبنوك تنموية أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي، وتبلغ قيمة تلك القروض بحوالي 4.65 مليار يورو.

وتركز هذه المشاريع على مجالات الطاقة المتجددة والنظيفة والنقل والزراعة وإدارة المياه والصرف الصحي والنفايات والحد من التلوث وكفاءة استخدام الطاقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى