التأمل: بين السمو الروحاني وتحسين الحالة العقلية والجسدية
كتبت: مها طـه
من مئات السنين ولحد دلوقتي بيلجأ كتير من البشر لكتير من الممارسات الروحية بهدف الوصول لحالة التأمل والانفصال عن العالم، بدايةً من ممارسة اليوجا وحتى حلقات الذِكر، في النهاية الهدف واحد، الوصول لحالة التأمل.
وغالبًا ما بيكون الهدف من التأمل هو الاستشفاء العاطفي والبدني عن طريق السمو الروحاني. كل الكلام ده جميل من الناحية الروحية، لكن هل يا ترى لو جينا نتكلم عنه من الناحية العلمية هيكون له فعلًا تأثير على المخ والجسم؟
التأمل.. السمو الروحاني والصحة الجسدية
أي تغيير عشان يطرأ على الجسم لازم المخ يكون المحفز الأساسي له، في النهاية المخ هو وحدة التحكُم الأساسية. أظهرت الأشعة المخية إنه في خلال فترة التأمل بيزيد نشاط المناطق المرتبطة بشكل مباشر بانخفاض الإحساس بالتوتر والاكتئاب.
مش بس كدة وكمان ارتفاع القدرة على تحمُل الألم، وده لأنه ببساطة هي دي الحالة الطبيعية للمخ في حالات الراحة، توتر أقل واكتئاب أقل وتحمُل أكثر للألم.
المخ في حالته الطبيعية اللي هي الراحة بيكون مركز مع الجسم والنفس مش مع العوامل الخارجية المحيطة، وده اللي بيحسن من قدرته على تخزين المعلومات والاحتفاظ بالذكريات، ده غير إنه بيعلي من الوعي بالذات، وبيُعتبر بمثابة طريقة لترتيب الأهداف وعمل الخطط.
كيف تكون ودود مع أهلك وأصدقاءك عن طريق التأمل؟
العلماء لما قارنوا بين بعض مناطق المخ عند الرهبان البوذيين وعند الأشخاص اللي لسة بادئين في ممارسة التأمل، لقوا إن المناطق المسئولة عن التعاطف والشعور بالآخرين في المخ عند الرهبان متطورة أكتر بكتير، ومش بس كده دي الموجات اللي بيصدرها المخ كمان بتتغير.
مثلًا موجات ألفا _الموجات المرتبطة بحالات الراحة والسلام النفسي_ بتزيد بصورة ملحوظة عند الأشخاص اللي بيمارسوا التأمل، وعشان كدة بيبقوا إيجابيين أكتر وميلهم أقل للغضب والحزن وغيرهم.
التأمل والحالة الجسدية
التأمل بيغير المخ من الناحية المادية زي إنه بيغير من حجم وشكل المخ. أثبتت الدراسات إنه بعد حوالي 8 أسابيع من اتباع برنامج للتأمل، فالمادة الرمادية بتزيد كثافتها في المناطق المرتبطة بالتعلُم ومعالجة الذكريات وتنظيم المشاعر.
وده معناه أداء أحسن للمناطق دي، وبتقل كثافة المادة الرمادية في منطقة اللوزة، ودي المنطقة المسئولة عن الشعور بالتوتر، وضغط الدم والشعور بالخوف.
بالنظر بقى للجسم كله، صحيح التأمل بيقلل من ضغط الدم، إلا إنه بيعلي من معدل ضربات القلب، وعلى فكرة ده مش مُضر ولا حاجة، لانه في الواقع بيلعب دور مهم جدًا في عملية نقل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الأعضاء والأنسجة المختلفة في جميع أنحاء الجسم.
على فكرة التأمل مش وسيلة لحماية جسمك من الأمراض ولا حاجة، طبقًا لدراسة فسواء كنت متأمل أو لأ، غالبًا هتُصاب بفيروس الانفلونزا، كل الفرق إن الأشحاص اللي بيمارسوا التأمُل بيكون جسمهم قادر على إنتاج عدد أكبر من الأجسام المضادة، وبالتالي فوظائف جهاز المناعة عندهم أعلى.
على مستوى أدق، هتلاقي إن التغيير اللي بيصنعه التأمُل مش بس مرتبط بالمخ وأجهزة الجسم، ده كمان مرتبط بيك على المستوى الخلوي (مستوى خلايا الجسم). الكروموسومات الموجودة في الحمض النووي بيكون عندها على الأطراف بروتينات بتُسمى ”تيلوميرات“ وبتكون موجودة بهدف حماية الكروموسوم نفسه، وعلى أساس طول التيلوميرات دي بيتحدد عُمر الخلية.
كل ما كان طول التيلوميرات في الخلية أقصر، كلما كان الجسم مُصاب بمجموعة من الأمراض مختلفة زي أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وكمان السرطان. المدهش بقى إن ممارسة التأمل عند الأشخاص اللي كانوا بيعانوا من السرطان وخضعوا للعلاج، فأجسامهم بالفعل بتُظهر تحسُن ملحوظ في زيادة طول التيلوميرات.
وده مش معناه إن التأمل له علاقة بالشفاء من السرطان، كل ما في الموضوع إنه بيحسن من الحالة النفسية وخصوصًا إنه بيخفض مُعدلات التوتر اللي بترتبط شرطيًا بإنزيم ”تيلوميرايز“ المسئول عن تعويض النقص اللي بيحصل في التيلوميرات وبالتالي زيادة طولها.
أخيرًا وجب التنويه إن التأمُل مش طريقة للعلاج، ولا عمرها تكون بديل عن زيارة الأطباء واتباع تعليماتهم وخصوصًأ في الحالات المرضية الصعبة زي السرطان مثلًا، لكن التأمُل أشبه بفكرة إنك بتروح الجيم عشان تقوي عضلاتك وقدرتك على التحمُل وتحسن من حالتك الصحية في العموم.
كمان المخ والنفس محتاجين للممارسة رياضات تقويهم ضد كل المؤثرات الخارجية وبالتالي تتحسن كمان الحالة العقلية. تحسُن الحالة العقلية أصلًا ممكن يبقى هو الطريقة الامثل عشان تتحسن الحالة الجسدية والصحية بشكل عام.
______________________________________________________________________
المصادر: psychologytoday iflscience scientificamerican washingtonpost youtube