.
النشرة

اكتشاف نقطة الانطلاق لفيروس الإيدز

كتب: أحمد حسين

الأمراض، على الرغم من كونها كارثية، إلا أنها غالبًا تأتي وتذهب في وقت قصير. نسمع عن الإيبولا لفترة، لكن بعد ذلك يأتي مرض آخر، يستولي بسرعة على تركيز المراقبين الوطنيين وشاشات التلفزيون، وهكذا إلى ما لا نهاية.

ومع ذلك، هناك مرضٌ واحد لا ينطبق عليه هذا الشرط، هو فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). قصة انتشار فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) هي قصة من شأنها أن تجعل أكثر الأعمال الدرامية التلفزيونية تتضاءل بالمقارنة بها، فهي تجمع بين عناصر الخداع والتشويق والغموض في قصة أو كابوس واحد متماسك اجتاح العالم منذ العشرينات.

القصة بدأت من ”كينشاسا“، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية. وكانت في العشرينات معروفة أكثر باسم المستعمرة البلجيكية ليوبولدفيل.

تعتبر هذه المقاطعة موقعًا متميزًا للشباب ليذهب إليه على أمل تحقيق ثروة، لأنها كانت عاصمة الكونغو البلجيكية. لذلك، ظهرت معهم السكك الحديدية للمواصلات، وانتشر العاملون في مجال الجنس. فانتشر نوعان من النقل في تلك الفترة، نقل الناس ونقل العدوى. وفي موقع مزدهر كهذا، وجد فيروس نقص المناعة البشرية العديد من الفرص لينمو ويصبح وباءً كحاله في هذه الأيام.

وجه السخرية في الأمر هو أن (HIV-1) من المجموعة (M)، وهو نوع فيروس نقص المناعة البشرية الذي نشأ في المستعمرة، هو المسئول عن حوالي 90% من جميع حالات العدوى، في حين أن هناك نوع (HIV-1) من المجموعة (O)، ونوع آخر من فيروس نقص المناعة البشرية نشأ بهدوء بالقرب من غرب أفريقيا ولا يزال قابعًا هناك. مما يشير إلى أن عوامل انتشار المرض ترجع إلى الفرص التي أتاحت له الانتشار، وليست وظيفته أو قدرته على الانتشار.

قال ”نونو فاريا“، باحث بجامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة، في مقابلة مع بي بي سي أن البيئية قادت المرض للانتشار السريع بدلًا من العوامل التطورية.

استطاع فاريا بمساعدة زملاءه أن يكتشفوا نقطة الانطلاق للمرض، بعد أن قاموا ببناء شجرة عائلة لفيروس نقص المناعة البشرية من خلال النظر في مجموعة من العوامل الوراثية للفيروس، والتي تم جمعها من حوالي 800 شخص مصاب بالمرض من وسط أفريقيا. ومن خلال المقارنة بين اثنين من تسلسل الجينوم وإحصاء الاختلافات بينهم، كان الفريق قادرًا على معرفة متى شارك التسلسلان في سلف مشترك.

في نهاية المطاف، قرر فاريا أن الجينوم المشترك بين جميع فيروسات نقص المناعة البشرية تلك، كان موجودًا منذ ما لا يزيد عن 100 سنة فقط. تحقيقا لهذه الغاية، أكد الباحثون أن كل شيء على الأرجح بدأ حوالي عام 1920. وعن طريق هذه المعلومات، استطاعوا حصر نقطة انطلاق وانتشار الفيروس في مدينة معينة وهي مدينة كينشاسا، والتي هي الآن عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية كما ذكرنا من قبل.

باختصار، جميع الفحوصات الجينية التي ساعدت العلماء على إضفاء الطابع المحلي على أصل المرض لا تزال جارية لمساعدتهم على تحديد نقاط تدخل الصحة العامة التي قد تساعدنا على الحد من انتشار العدوى. لأنه، على الرغم من أنهم يعرفون من أين جاء، لابد أن نعرفوا أيضًا إلى أين سينتهي.


المصادر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى