.
حيّ يرزق

قط الزناد والفيل.. مصانع أغلى قهوة في العالم!

كتب: أحمد حسين

في الثمانينات تقريبًا، بدأ بعد العمّال في أندونيسيا في تناول نوع غريب من القهوة مذاقه مختلف عن القهوة العادية التي يتناولها جميع البشر. هذا النوع يوجد في إحدى غابات أندونيسيا، لم تكن هذه هي المفاجئة بالنسبة للعالم، المفاجئة كانت عندما أفصح العمّال عن سر هذه القهوة، فقد كانت عبارة عن فضلات أحد الحيوانات!

”قط الزناد“ أو ”Civet cat“ هو نوع من أنواع القطط منتشر في البلاد الأسيوية (أندونيسيا – فيتنام – الفلبين)، سبب شهرة هذا النوع يرجع إلى اكتشاف هؤلاء العمال أنه يتغذى على حبوب القهوة (كريز القهوة) وهذه الحبوب عندما يبدأ في هضمها تذوب قشرتها ولكن قلب الحبوب يبقى كما هو، لذلك عندما يبدأ في عملية الإخراج، تبقى الحبوب كما هي دون تلف، بل على العكس، مذاقها يكون أفضل بكثير من حبوب القهوة العادية، وهذا كان سر غرابة الأمر.

نعم إنها قهوة من فضلات القطط.. ولكنها لذيذة!

بعدها بسنوات، بدأ السياح في اكتشاف أن هناك قهوة، عبارة عن فضلات حيوان تم تنظيفها جيدًا وتحويلها لحبوب قهوة مذاقها قليل المرارة، وبحسب بعض محبيها، فإنك عندما تضيف اللبن أو السكر يقترب مذاقها من مذاق الشيكولاته. كان ذلك اكتشافًا عظيمًا إلى أن دخلت المنظومة الصناعية فيه. في عام 2003 تم تقديم هذا النوع من القهوة عن طريق برنامج ”أوبرا وينفري” تحت اسم ”كوبي لواك“، ثم تم تقديمها مرة أخرى في فيلم ”The bucket list“ عام 2007 لتصبح بعد ذلك أغلى قهوة في العالم رسميًا.

بدأ العالم في استهلاك هذه القهوة بشكل مبالغ فيه، وتخصيص أماكن لبيعها مع إعطاء مساحة كبيرة لها، وظهر آلاف المحبين لها، النتيجة كانت أن ثمن الفنجان الواحد _في أمريكا مثلًا_ أصبح يتراوح ما بين 30 إلى 70 دولارًا، وأصبح ثمن الكيلوجرام منها يتراوح ما بين 200 إلى 400 دولار. أرقام شديدة المبالغة فعلًا بالنسبة لقهوة، لكن الملفت في الأمر أن الطلب عليها لم يقل، بل زاد بشكل كبير، حتى وصل الأمر لاستغلال بعض الشركات لهذه الحيوانات لإنتاج كميات كبيرة من هذه القهوة، ومن هنا بدأ الهبوط.

بعد بدء هذه الشركات في استغلال الحيوانات، بمعنى وضعهم في أقفاص وإجبارهم على أكل كميات كبيرة من حبوب القهوة (كريز القهوة) أصبحت معظم الحيوانات تعاني أشد المعاناة، فلم تعد تنتج لا الكمية المطلوبة ولا الجودة المطلوبة، لأنها كانت تنتج القهوة بجودة أفضل في الغابات أولًا: لاختيارها الحر للحبوب الجيدة، ثانيًا: لأخذ هذه الحبوب دورة هضم كاملة. لذلك قامت هذه الشركات بخلط الكميات الموجودة بكميات أكبر من حبوب القهوة العادية وقالت أنها قهوة ”كوبي لواك“ بنسبة 100%، إلى أن اكتشف بعض الصحفيين ومجموعة من جمعيات حقوق الحيوان هذا الأمر ونشره على نطاق واسع، منذ تلك اللحظة ومبيعات هذا النوع من القهوة تراجع تمامًا حتى أصبح ثمن الفنجان أقل من 20 دولار تقريبًا.

الأفيال كحل بديل

منذ حوالي ثلاث سنوات، بدأت مؤسسة ”الهرم الذهبي للأفيال“ أو ”Golden Triangle Asian Elephant Foundation“ في إنتاج نوع جديد من القهوة، أيضًا عن طريق الجهاز الهضمي، لكن هذه المرة كانت من نصيب الفيلة، يطلق على هذا النوع من القهوة ”قهوة العاج الأسمر“.

بات من الواضح أن البشر لا يتذوقون القهوة الجيدة إلا إذا خرجت من الجهاز الهضمي لإحدى الحيوانات. يقول الكندي ”بلايك دينكن“ صاحب الـ44 عام، وصاحب هذه الفكرة، أنه قد حول فكرته المجنونة إلى ذهب. بدأ في إطعام الفيلة الكثير من حبوب القهوة عن طريق وضعها ضمن الفاكهة التي يأكلونها أو العشب الأخضر وأوراق الشجر، ولأن طعام الفيلة كان معظمه أخضر (أوراق أشجار وعشب) فكانت حبوب القهوة تخرج سليمة، وعند الهضم لم تكن تتلف، بل تحتفظ بجودها، وتقل فيها المرارة بشكل كبير جدًا، حتى تكون غير محتاج لإضافة السكر أو اللبن لكسر المرارة.

لماذا يحدث هذا؟ لأن الفيلة تأخذ وقتًا طويلًا في الهضم، فهذه الحبوب يتم انتظارها من يوم إلى ثلاثة أيام حتى تأخذ دورة الهضم بالكامل وتخرج. حتى الحبوب نفسها لا تخرج بشكل كامل، فالفيل يخرج أمام كل 14 كيلوجرام حبوب قهوة حوالي نصف كيلوجرام فقط، لذلك فكميات الحبوب الكبيرة التي تأتي من أندونيسيا والفلبين وتايلاند تنتهى إلى كمية صغيرة من القهوة.

وما النتيجة المباشرة لذلك؟ أصبحت هذه القهوة هي الأغلى على الإطلاق، فالفنجان الواحد منها قد يصل ثمنه إلى ما يزيد عن 70 دولارًا، وقد يزيد الأمر عن ذلك الحد في الدول الأخرى فيصل ثمن الفنجان إلى ما يزيد عن 50 يورو، وهو أمر غريب لكنه يحدث. لذلك عندما تسافر _إذا حصل_ وتدخل إلى أحد المطاعم أو الفنادق، اقرأ اسم القهوة جيدًا ولا تقل لنجرب أغلى قهوة في العالم، لأنها غالبًا ما تكون مصنوعة بالفعل من فضلات فيل أسيوي.

أيضًا، انتشرت بعض الشائعات على الفيس بوك تقول بأن مقهى ”ستاربكس“ يقدم الآن قهوة مصنوعة من فضلات الفيل، وأن الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) قد نشرت تقريرًا على موقعها يحذر من الآثار الضارة على صحة الإنسان من شرب قهوة ستاربكس، وهذا الكلام غير صحيح، لأنه وببحث بسيط، ستكتشف أن موقع الهيئة لم يتحدث عن ستاربكس أبدًا، وببحث أكثر بساطة، ستعرف أن ستاربكس لم يُعلن من قبل عن تقديمه لقهوة فضلات الفيل، بالرغم من أن ذلك كان سيزيد من العائد المادي للمكان، ففنجان القهوة في ستاربكس تقريبًا بـ5 دولار وفنجان قهوة فضلات الفيل بـ70 دولار.


المصادر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى