
الذرة أو كيف يمكن أن تكون سببًا في اختلال الكون؟
كتب: أحمد حسين
”- تيمون!
– أيوه..
– عمرك فكرت قبل كدة النقط الملعلطة دي تطلع إيه؟
– بومبا أنا مابفكرش، أنا عارف.
– طيب إيه؟
– دبان منور، دبان منور لازق في السجادة الزرقا اللي فوق دي
– عجبي! وأنا اللي كنت فاكرها كور غاز مولعة على بُعد بلايين الأميال
– بومبا، انت كل حاجة بالنسبة لك غازات.“

في مشهد عبقري من فيلم ”الأسد الملك“ يدور الحوار السابق بين تيمون وبومبا، ولكن وجهة نظر ”بومبا“ وتفكيره في كون ”النقط الملعلطة دي“ما هي إلا أجسام متكونة من غازات على بُعد بلايين الأميال هي حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث بالفعل فيما يخص النجوم والأجرام السماوية.
الكون؛ أو كيف للذرة أن تكون أصل كل شيء
بعد الانفجار الكبير، بدأت الكواكب والنجوم في التكوّن، أحد هذه النجوم، في موقف غير عادي انفجر، فأنتج كميات كبيرة من الغازات (تعرف باسم التراب الكوني أو Stardust) التي نزلت على الأرض (نيتروجين – هيدروجين – أكسجين – كاربون).
بدأت هذه الغازات في التجمّع، وكونت روابط في ما بينهم فتكونت البحار والمحيطات التي سمحت بوجود الكثير من الأكسجين (O2) حولها لتتكون روابط ثاني أكسيد الكاربون (CO2) الذي يستخدمه النبات في عملية البناء الضوئي، والأوزون (O3) الذي يحمي الأرض من أشعة الشمس المضرة.
لكن ما علاقة الذرة بكل هذا؟
الذرة في تعريفها البسيط هي: ”وحدة بناء المادة“ بمعنى أنها عقل وقلب كل شيء في الكون، فهي تعمل كالموتور بالنسبة للسيارة مثلًا. والذرة هي وحدة صغيرة جدًا لا ترى بالعين المجردة، فهي أصغر بـ 100,000 (مائة ألف) مرة من أصغر شعره في الانسان، لذلك تحتاج إلى ميكرسكوب عالي الجودة كي تراها.
والذرة بداخلها عالم آخر، فهي تتكون من قلب يطلق عليه ”النواة“، في داخلها مجموعة جزئيات موجبة تسمى ”البروتونات“ وآخرى متعادلة الشحنة (لا سالبة ولا موجبة) تسمى ”النيوترونات“، وفي خارج النواه توجد جزئيات تحمل شحنات سالبة تدور في مدارات وتسمى ”الالكترونات“.
وبما أن الذرة هي وحدة بناء المادة، بجميع أشكالها (صلبة وسائلة وغازية) فهي تدخل في تكوين كل شيء، من النباتات إلى الحيوانات إلى البشر إلى القشرة الأرضية إلى الغلاف الجوي، موجودة في كل شيء في الكون وهي أصل كل شيء فيه.
*معلومة: ”أول من عرف الذرة ومكوناتها كان عالم الفيزياء البريطاني ”إرنست رذرفورد“ عام 1907 بعد تجارب عديدة قام بها على عدة عناصر كيميائية.“
فقدان الذرة وإختلال الكون
ولأن الذرة هي وحدة بناء المادة وأصل كل شيء، فوجودها شيء بديهي بل حتمي بطبيعة الحال، لكن ماذا لو اختفت إحدى الذرات من أي مادة في الكون؟ الإجابة: سينهار الكون كله.

أن تختفي ذرة واحدة، تخرج خارج الغلاف الكوني تمامًا، تصبح بلا وجود، يعني أن الكون قد فقد إتزانه وإختل، تمامًا كما تضرب الأعمدة الأساسية في أحد الكباري مثلًا، فتجد الكبري يتهاوى ويسقط كله بشكلٍ كامل. الموضوع فعلًا أشبه بلعبة الميكانو الذي اذا أخذت منها قطعة سقطت، وهوت على الأرض في ثواني، لعدم قدرتها على التوازن بتعويض هذه القطعة الصغيرة التي لا تعوّض ابدًا.
لكن هل معنى ذلك مثلًا أنني عندما أحرق ورقة فتتلاشى أو أضع بعض الماء على النار فيتبخر، أن تلك الذرات المكونة للورقة أو الماء قد اختفت؟ الإجابة لا، لأن هناك مبدأ اسمه ”محفوظية المادة“ أو ”Conservation of matter“وطالما رددناه فهو مبدأ أن المادة ”لا تفنى ولا تستحدث من عدم“ أي أنها عندما تحترق مثلًا تتحول بشكل تلقائي إلى صورة أخرى من صور المادة. فلو تحدثنا عن مثال الماء هذا، عندما وضعته على النار اختفى، لكن الذرات الموجودة بداخله لم تختفِ وإنما تحولت إلى حالتها الغازية وأصبحت بخار ماء تكثف في نقطة ما وسيتحول _في وقتٍ ما_ إلى ماء مرة أخرى.
لذلك لا يمكن للذرة أن تنطلق خارج الكون بأي شكلٍ من الأشكال، أقصى ما يمكن حدوثه لها هو أن تتحول إلى شكل أخر من أشكال المادة، كي تستطيع الحفاظ على بقاءها داخل الغلاف الكوني حتى لا يختل الكون.
المصادر: explainthatstuff theguardian bbc chem