.
نوّرها

التقزم والسمنة.. مأساة سوء التغذية التي تضرب أطفال مصر!

كتبت: مها طـه

“أكدت نتائج المسح السكاني الذي قامت به وزارة الصحة والسكان لعام 2014، أن خُمس أطفال مصر يعانون من التقزم بسبب مشاكل سوء التغذية “. جملة مرعبة في حد ذاتها قابلتني وأنا بقرأ خبر في واحد من المواقع الإخبارية، تخيل إن من بين كل 5 أطفال بيتولدوا في واحد بيعاني من التقزم، والسبب الرئيسي في ده هو إن أطفالنا بيعانوا من سوء تغذية واضح.

بالبحث عن الموضوع لقيت إحصائية تانية صادمة صادرة عن اليونيسيف، بتقول إن 60% من الأطفال اللي بيعانوا من مرض التقزم في حالته المتوسطة والشديدة، واللي بتتراوح أعمارهم من سنة لخمس سنوات عايشين في 10 دول فقط من العالم، وللأسف مصر واحدة منهم، وبتحتل المركز التاسع بعدد 680 ألف طفل مُصاب بمرض التقزم. وده لحد سنة 2016 على فكرة.

أمراض سوء التغذية .. التقزم والسمنة والنحافة

مبدئيًا المؤشرات الجسدية المطلوبة لتقييم معدل النمو هل هو طبيعي ولا لأ، هي الوزن مقابل الطول، والطول بالنسبة للعُمر، والعُمر بالنسبة للوزن، وعلى اساس التقييم بيتم معرفة نوع الخلل أو سوء التغذية اللي بيعاني منه الطفل.

مثلًا في حالة إن الوزن القليل في مقابل الطول، بيبقى الطفل ده بيعاني من مجاعة أو بيواجه مرض مُعين بيجعله شديد النحافة، أما في حالة الوزن الزايد في مقابل الطول، بيبقى الطفل بيعاني من السمنة، وبالمناسبة نسب السمنة حاليًا في الأطفال بدأت تدخل في معدلات خطيرة، حيث إنه وفقًا للدكتور أحمد إبراهيم رئيس القسم المصري بكلية الجراحيين الأمريكية، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فالأطفال المصابين بالسمنة في مصر بيمثلوا حوالي 25% من إجمالي عدد الأطفال.

أما في حالة إن الطول قليل بالنسبة للعُمر، فده معناه إن الطفل مُصاب بمرض التقزم. حالة التقزم بترتبط دايمًا من الناحية الطبية بتدني المستوى الصحي وسوء التغذية كعوامل أساسية للإصابة، ومن الناحية الاقتصادية بترتبط نسب الإصابة العالية بظروف اقتصادية واجتماعية سيئة.

التقزم بيبدأ ملاحظته من سن 3 شهور، وبيستمر في الزيادة لحد سن 3 سنوات، وبيتم تحديد الإصابة الفعلية بمرض التقزم في السن ما بين 2 – 3 سنوات، وده بيعكس حالة من الفشل في النمو أو توقف النمو أصلًا.

التقزم
نماذج بسوء التغذية: السمنة ناحية اليمين والنحافة في الوسط والتقزم ناحية اليسار

أسباب الإصابة بمرض التقزم

مرض التقزم ممكن يحصل كنتيجة لعوامل مختلفة منها العوامل الوراثية والهرمونية، لكن الحقيقة أهم جانب فيه هو سوء التغذية، وده سبب انتشاره بنسب كبيرة في الدول الفقيرة واللي بتعاني من حالة اقتصادية سيئة أو نقص في الثقافة الغذائية المطلوبة زي عندنا كده.

اعرف أكتر| سوء التغذية: الخطر القادم من اللانش بوكس!

سوء التغذية بيُعتبر أحد أهم سمات المواطن المصري أصلًا، ومعظمنا بالفعل عارف إننا أبعد ما يكون عن الأكل الصحي والمتوازن، لكن في الأطفال الموضوع بيتضح أكتر وبدأت الكارثة في التزايد في خلال السنين اللي فاتت، ويكفي نقول إن خًمس أطفال مصر بيعانوا من التقزم وربعهم بيعاني من السمنة. عشان كده خلونا نتكلم بتفصيل أكتر عن بعض من أسباب الإصابة بالتقزم.

  • العادات الغذائية:

عندنا بنفتقد للعادات الغذائية السليمة، تلاقي الطفل عنده سنتين وكل ما يجوع نقوم نحمر بطاطس أو نقلي بيضتين، ده غير كم الحلويات اللي بنشتريها كنوع من الدلع والترفيه، وده طبعًا بالنسبة للطفل اللي أهله ظروفهم المادية متوسطة أو عالية. لكن الطفل اللي أهله من محدودي الدخل، فمعندوش بدائل أخرى، هو هياكل الرز والمكرونة والبطاطس المقلية لأن ده المتاح وبس؛ في ظل ارتفاع أسعار كل مصادر البروتين من لحوم وطيور وحتى الأسماك.

طبعا كارثة إن يتم الاعتماد على الكربوهيدرات والدهون فقط في النظام الغذائي للطفل، دون الالتفات لضرورة وأهمية وجود البروتين كأحد أهم مكونات الغذاء الصحي، واللي الطفل بيكون محتاج له بكميات مش قليلة، لأنه في فترة من أهم فترات النمو العضلي والذهني في سن ما بين سنة وخمس سنوات.

اعرف أكتر| “البروتين” مش لحمة وبس!

  • تغذية الأم:

وفقًا للواء أبو بكر الجندي الرئيس السابق للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نسبة الفقر وصلت لـ27.4% في حضر الوجه القبلي، و9.7% في حضر الوجه البحري _النسبة دي في الحضر مش في الريف كمان_، ده بالإضافة لإن حوالي 11.8 مليون مواطن في مصر، بيبلغ معدل إنفاقهم الشهري أقل من 333 جنيه لحد سنتين فاتوا تقريبا.

وده معناه ملايين الأمهات بالتأكيد مش هيحصلوا على التغذية السليمة في أثناء فترة الحمل أو الرضاعة، وده أحد أهم العوامل المؤثرة في إصابة الطفل بالتقزم، ده بالإضافة لإصابة الأم بالأنيميا أو فقر الدم. المشكلة الأكبر هنا، هو إن نقص أو سوء التغذية عند الأم، مش بس هيتسبب في إصابة الأطفال بمرض التقزم، لكن كمان هيخلي المرض ينتقل وراثيًا منها ليهم ومنهم لأولادهم وهكذا.

  • الصرف الصحي:

ومع إن الموضوع يبدو غريب شوية، إلا إن كتير من الدراسات الحديثة أثبتت إن أحد أسباب الإصابة بأعراض سوء التغذية هي الصرف الصحي، حيث إن الأطفال اللي بيتعرضوا لكميات عالية من البكتيريا الموجودة في البراز سواء عن طريق تلوث الأكل أو الأيدي، بيكونوا أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية.

التقزم

ثبت أن الإسهال المتكرر والإصابات المعوية بالديدان الطفيلية، واللي مرتبطين بسوء الصرف الصحي، بيساهموا في زيادة نسب التقزم في الأطفال، وده لأنه بيؤثر على الحالة الغذائية للطفل، عن طريق تقليل الشهية بوجه عام، زائد إنه بيقلل من امتصاص العناصر الغذائية المهمة من الأكل، وبالطبع بتكون المحصلة النهائية هي سوء التغذية.

مكافحة التقزم .. تبدأ من معرفة الأسباب

بالطبع بعد ما قولنا على الأسباب، لازم نحاول نلاقي طرق للمكافحة. وأهم الطرق دي هو مكافحة سوء التغذية من الأساس، وهنا هنبقى مش بس بنقضي على التقزم لكن كمان هناخد في طريقنا السمنة، اللي حاليًا نسب الإصابة بيها مش بس مرتفعة في الأطفال بس لكن كمان في البالغين بنسبة تصل لحوالي 40% وفقًا لمنظمة الفاو (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة).

خلينا نلخص الحلول دي في نقط محددة:

  • أولًا، الاهتمام بنوعيات الأكل المُقدم للأطفال بالذات في أول خمس سنين من عمرهم. والاعتماد على البروتين جنبًا إلى جنب مع الكربوهيدرات والألياف غيرهم. مفهوم إنه مع غلاء أسعار البروتين الحيواني بقى صعب توفيره لكن ممكن نستعيض عنه بكميات مناسبة من البروتين النباتي مع البيض المسلوق، مع عدم الاستغناء عن البروتين الحيواني من فترة للتانية قدر الامكان.
  • ثانيًا، الاهتمام بالعادات الغذائية الصحية في الأكل للأمهات في أثناء فترات الحمل والرضاعة، وتوفير الرعاية الصحية المناسبة لمكافحة أمراض فقر الدم والأنيميا.
  • ثالثًا، الاهتمام بالنظافة وإبعاد الأطفال عن الأماكن الملوثة ومناطق الصرف الصحي _في الريف منتشرة أكتر_، وبالتأكيد غسل الخضراوات والفواكه بعناية ويا حبذا بشوية خل كنوع من أنواع التطهير.
  • رابعًا، الانتباه للأطفال ومعدلات النمو عندهم زي ما قولنا في أول المقال، لأن للأسف مرض التقزم مش بس بيكون مؤثر في شكل الجسم وطوله بالنسبة للسن، لأ ده بيؤثر بشكل كبير على التطور المعرفي والمهارات العقلية للطفل، لكن ولحُسن الحظ لو تم علاج التقزم _عن طريق تعديل النظام الغذائي_قبل سن السنتين، فالطفل بيستعيد كتير من المهارات المعرفية، لكنه مش هيرجع للنمو من الناحية الجسمانية بشكل طبيعي للأسف.

أما بالنسبة لمرض السمنة في الأطفال، فهو وعلى عكس التقزم، لو أصاب طفل في سن صغير ممكن عن طريق تعديل النظام الغذائي يتخلص الطفل تمامًا منه، وكل اللي هيكون مطلوب هو الالتزام بالنظام الغذائي والمتابعة مع طبيب متخصص.


المصادر: unicef  progressforchildren  borgenproject  emedicinehealth  futureofchildren  youm7 elwatannews huffpostarabi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى