.
حيّ يرزق

منصوراصورس: صدفة تحل لغز 25 مليون سنة!

هجرة الديناصور المصري من أوروبا إلى أفريقيا قد تجعله بطل الجزء الجديد من جوراسيك بارك

كتبا: سعد لطفي وآية أشرف المرسي

سطر واحد فقط في كتاب «جيولوجية مصر» للعالِم الراحل  “رشدي سعيد”  كان الدافع وراء الرحلة البحثية التي نتج عنها اكتشاف الديناصور المصري «منصوراصورس». فقد ذكر سعيد في كتابه، أن منطقة الواحات الداخلة تحتوي على طبقات رسوبية يوجد بها حفريات ديناصورات عاشت قديمًا في تلك المنطقة. وباستخدام الخرائط الجيولوجية، استطاع «هشام سلام» وفريقه اكتشاف «منصوراصورس»، ليصبح أول دليل مادي يؤرخ فترة نهاية العصر الطباشيري في قارة أفريقيا.

تم تسمية الديناصور باسم “منصوراصورس شاهيني” تيمنًا باسم جامعة المنصورة التي ينتمي إليها «هشام سلام» وفريقه، وباسم الدكتورة «منى شاهين» لدورها في تأسيس مركز الحفريات. يتكون الفريق البحثي الذي قام بالاكتشاف من «هشام سلام» مدير مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية والباحث الرئيسي بالدراسة، «سناء السيد» مدرس مساعد بقسم الجيولوجيا جامعة المنصورة، «إيمان الداودي» طالبة الماجيستير بقسم الجيولوجيا، «سارة صابر» مدرس مساعد بقسم الجيولوجيا جامعة أسيوط، بالإضافة إلى «محمود قورة» أستاذ الحفريات والطبقات.

ترجع أهمية “منصوراصورس” إلى أنه أول ديناصور مصري يتم اكتشافه في منطقة الواحات الداخلة، يوثق فترة الحقبة الأخيرة من العصر الطباشيري في منطقة أفريقيا، تحديدًا في الفترة من 90 إلى 65 مليون سنة. خلال العصور السحيقة، كانت الصحراء الغربية عبارة عن غابات خضراء وبحيرات يعيش بها العديد من الزواحف والديناصورات، دون وجود أي دليل مادي يؤرخ نهايات هذا العصر حتى فترة انقراض الديناصورات.

المثير أيضًا في اكتشاف منصوراصورس، أنه يدعم احتمالية وجود اتصال قديم بين قارتي أفريقيا وأوروبا. حيث اكتشف الفريق البحثي صلة قرابة تجمع منصوراصورس بديناصورات أخرى عاشت في أوروبا خلال نفس الفترة. وفقًا للخصائص التشريحية لمنصوراصورس، فإنه لا يطير ولا يستطيع السباحة، واكتشاف أقارب له في أوروبا يؤكد حدوث هجرة من أوروبا إلى أفريقيا أو العكس، فكيف حدث هذا الأمر إذًا؟

بانجيا … القارة الأم

حتى يسهل فهم أهمية اكتشاف «منصوراصورس»، يجب أولًا إلقاء نظرة سريعة عن التطور الجيولوجي للكرة الأرضية بدءً من وجود قارة بانجيا على النحو التالي:

منذ ما يقارب 299 مليون سنة، تكونت “بانجيا” القارة العملاقة أو القارة الأم، والتي ضمت كل القارات التي نعرفها الآن في كتلة واحدة متصلة. بعد مرور 100 مليون سنة تقريبًا، وبسبب حركة طبقات الغلاف الصخري للأرض أو ما يعرف بـ”الصفائح التكتونية”، بدأت قارة بانجيا في الانفصال تدريجيُا على نحو بطيء حتى تشكلت القارات بشكلها الحالي والمحيطان الأطلنطي والهندي.

هجرة الديناصورات

مع بداية انفصال بانجيا، بدأت الديناصورات في رحلات الانتقال والهجرة. مازال العلماء يبحثون أسباب الهجرة، ولكن من المرجح أن بعض من هذه الرحلات كانت موسمية في مواسم الجفاف والحر الشديد، مما دفع الديناصورات للانتقال بحثًا عن الطعام والماء.

السؤال هنا هو كيف استطاعت الديناصورات أن تقطع مئات الكيلومترات والتي قد تصل في بعض الرحلات لـ300 كيلومتر؟ تناول العلماء عدة أسباب بالدراسة كالسير على الأقدام مسافات طويلة، أو الانتقال بين جزيرة وأخرى عن طريق السباحة، لكن حتى الآن تظل الجسور البرية هي وسيلة الانتقال الأقرب للتصديق.

تشكلت الجسور البرية بسبب حركة الصفائح التكتونية لتربط بين الأراضي بعضها البعض. وبعد اكتشاف “منصوراصورس” أصبح من المرجح بقوة وجود جسور برية امتدت بين قارة أوروبا وقارة أفريقيا، مما يدعم نظرية العالم الألماني “ألفريد فاجنر” التي تنص على اتصال القارات ثم انفصالها على مراحل تدريجية.

عصور الديناصورات


يتفاوت سجل الحفريات التي اكتشفها العلماء في “العصر الطباشيري” من حيث الثراء والتنوع من قارة لأخرى. قارات مثل أوروبا وآسيا لديها سجل زاخر باكتشافات متعددة لحفريات ديناصورات مختلفة ساعدت العلماء على رسم تصور واضح لنمط حياة وتطور الديناصورات في تلك الفترة.

أما قارة أفريقيا فهي أشبه بصفحة بيضاء مطموسة المعالم فيما يتعلق باكتشاف الحفريات، تحديدًا في فترة أواخر العصر الطباشيري التي امتدت من (100 مليون سنة حتى 65 مليون سنة) بسبب طبيعتها الخضراء بدلا من الصخور، مما يجعل اكتشاف الحفريات أصعب. وهنا ترجع أهمية اكتشاف “منصوراصورس” الذي يسد فجوة زمنية تقدر بحوالي 25 مليون سنة لمرحلة كانت مجهولة تمامًا للعلماء حتى الآن.

ديناصورات مصرية

تسمية منصوراصورس بهذا الاسم كانت سببًا في انتشار الحديث عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتخاذه مادة للسخرية و «الألش»، وهو ما يساهم في زيادة حماس سلّام كونه يرى أن شعبية منصوراصورس المتزايدة ستجعل العِلم يصل إلى رجل الشارع البسيط.

لم يكن «منصوراصورس» الديناصور الأول أو الوحيد الذي يتم اكتشافه في مصر. تقول «سناء السيد» أحد الباحثين المشاركين في اكتشاف «منصوراصورس»: “تم اكتشاف أول ديناصور في مصر على يد العالم الألمانى «أرنست سترومر» فى الصحراء الغربية عام 1912، وكان من نوع «سبينوصورس إيجيبتيكاس» الآكل للحوم.

سبينوصورس إيجيبتيكاس

واستكملت «السيد» حديثها موضحةً أنه تم اكتشاف ٥ حفريات لديناصورات في الواحات البحرية. تم نقل ٤ منها إلى متحف ميونخ الألماني ولكنها تعرضت للتدمير بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية. كذلك في عام 2001، اكتشف فريق أمريكى من جامعة بنسلفانيا ديناصور جديد، وهو محفوظ الآن فى المتحف الجيولوجى بالقاهرة.

باكتشاف «منصوراصورس»، يصل عدد الديناصورات المُكتشفة في مصر إلى 6 ديناصورات. ويتوقع «هشام سلام» وفريقه البحثي أن يزيد هذا العدد، وفقًا لخططهم المستقبلية التي تتضمن إجراء المزيد من الأبحاث لاستكشاف صحراء الواحات الداخلة والعثور على ديناصورات جديدة.

تم نشر هذا التقرير في 4 مارس، 2018 ضمن إطار مشروع الصحافة العلمية “العلم حكاية” الذي ينظمة معهد جوته، الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD) وأكاديمية اونا، وبدعم وزارة الخارجية الألمانية. 

لمزيد من المعلومات: http://www.ona-academy.com/ar/مشروع-العلم-حكاية/ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى