عن الانتحار: هل يمكن اعتبار وسائل الإعلام محرضًا؟!
كتبت: مها طــه
من حوالي 3 سنين كانت أول زيارة أقوم بيها للدكتور النفسي، بعد محاولة انتحار مريت بيها وخرجت منها مصممة إني لازم أتعالج.. الاكتئاب بقى أكبر من قدرتي على المقاومة لوحدي، كنت محتاجة اللي يساعدني ويرشدني ويرجع لي رغبتي في ممارسة الحياة والاستمتاع بيها.
حاولت كتير، فشلت ونجحت، وقعت وقمت من جديد، أكتر حاجة أقدر أقول إنها اتغيرت طول السنين اللي فاتت، هي إني قريت أكتر وعرفت أكتر عن الاكتئاب وعن نفسي، والأهم إني بطلت أفكر في الانتحار وبقيت عارفة إنها فترة وأكيد هتعدي زي غيرها
من فترة كنت زي كتير غيري عرفنا عن خبر الطبيب النفسي اللي انتحر على السوشيال ميديا. شاب في نفس عمري، وبالرغم من تخصصه إلا إنه ماقدرش يقف في وش الاكتئاب، وقرر ينهي حياته بعد عدد من رسائل الاستغاثة المختفية في صورة بوستات على الفيس بوك أو حتى صور بيقوم بنشرها.
ومن وقت وفاة الدكتور ولحد النهاردة طبعا ظهرت كلمة الانتحار في مئات ويمكن آلاف البوستات عند أشخاص تانيين. غير إنها كمان أصبحت كلمة مألوفة بنقراها على صفحات الجرايد والمواقع الإخبارية كتير، كلهم شباب اللي انتحر بسبب ضغوط مادية واللي بسبب تنمر صديقاتها عليها.
اعرف أكتر| هل التنمر سبب كافي للقيام بالانتحار؟
تعددت الأسباب، وفضلت وسائل الاعلام: المقروء والمسموع والمرئي وحتى السوشيال ميديا، تنقل لنا كل حالة بتفاصيلها بدون أي تركيز على الأثر التحريضي للقصص دي.
كيف يتعامل الاعلام مع نقل قضايا الانتحار؟
سنة 2012، تم اعتبار الانتحار هو السبب الرئيسي التاني للوفاة على مستوى العالم بين الأفراد اللي بتتراوح أعمارهم ما بين 15 – 29 سنة، وبناءً عليه انتقد كتير من خبراء الصحة العقلية طريقة تغطية وسائل الإعلام لقضايا الانتحار باعتبارها سبق صحفي يفوز بيه اللي يغطي أكبر قدر ممكن من التفاصيل، مع إهمال مناقشة الأثر النفسي للأخبار دي على القراء، وخصوصًا لو بيعانوا من مرض نفسي أو عقلي.
في الفترة الأخيرة، وبالذات مع وجود السوشيال ميديا زاد معدل البحث عن كلمة “انتحار” وارتفعت نسب استخدامها، بدأ الشباب والمراهقين يرددوها بشكل متكرر، ومع انتشار جروبات الدعم النفسي في مصر والوطن العربي، أصبحت كلمة *ذكر انتحار* كلمة متكررة مش ممكن يعدي يوم من غير ما تقرأها مرة واتنين واحيانًا أكتر.
على مدار السنين اللي فاتت وبعد تحذيرات الخبراء، وازدياد أعداد المنتحرين على مستوى العالم، بدأ البحث العلمي في بحث الربط ما بين وسائل الإعلام والانتحار، ومحاولة إيجاد إجابة قاطعة، هل فعلًا وسائل الإعلام ممكن تكون “محرضة” على تقليد الانتحار والقيام بيه؟
وبالفعل خرجت نتايج الدراسات واحدة ورا التانية عشان تُثبت إن وسائل الإعلام قد تكون محرضة على القيام بالانتحار. في واحدة من الدراسات اللي تمت في جامعة أوكسفورد، كانت النتيجة إن وسائل الإعلام ممكن تشجع على السلوك الانتحاري في حالات معينة، زي تقديم القصة بالتفاصيل، وتغطيتها كحدث مهم وفي الصفحات الأولى مع عناوين بارزة وقصص درامية مؤثرة.
الدراسة كمان أضافت إن تغطية أخبار من نوعية انتحار الممثل الفلاني أو المطرب العلاني أو زي حالة الطبيب النفسي مثلًا، ممكن يكون ليها أثر كبير جدًا بالذات على الشباب في سن المراهقة وما بعده، لكن ده لا يمنع إنها برضه بتظهر بس بنسب أقل على الأكبر سنًا.
الدراسة كمان أشارت إلى إن الخطر ممكن يكمن في التفاصيل الصغيرة اللي بيستخدمها الإعلامي لرسم الشخصية اللي بيتكلم عنها في خيال المُتلقي، لقوا إن ابراز التشابه بين حالة المُنتحر والمُتلقي ممكن يكون في حد ذاته مُحفز، زي الكلام عن السن والنوع والظروف الاجتماعية وحتى الجنسية.
أحد أهم الجوانب اللي بيغفل عنها الإعلام هي المبالغة في تبسيط أسباب الانتحار، والاكتفاء بسطر واحد من كلمتين عن السبب، يعني مثلًا “انتحر لمروره بأزمة مالية”، “انتحرت بسبب تنمر صديقاتها”، “انتحر بسبب امتحان الفيزياء” أو “انتحرت بسبب خيانة خطيبها”، كل ده مع إهمال أهم جانب في الموضوع؛ وهو عدم التوعية الكافية بأسباب ونتايج المرض العقلي والنفسي.
طرق أفضل لتقديم قضايا الانتحار في الإعلام
الكلام ده طبعًا قد يتعارض مع أساسيات مهنة الصحفي أو الإعلامي، اللي بالطبع شغلته إنه ينقل الحقيقة والخبر بتفاصيله كلها، وسواء كان خبر سعيد أو حزين لازم يتحرى فيه الدقة والسرعة في التغطية، وفي ظل قوانين لسوق العمل بتخلي التنافس على أشده، لازم يكون عندك الجديد اللي تقدمه، والتفاصيل الخفية اللي لم تذاع من قبل، والأهم الصورة والقصة الإنسانية المؤثرة.
وللسبب ده ولغيره، أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) توصياتها تحت اسم “Preventing Suicide: A Resource for Media Professionals” واللي بيقدم أفضل الطرق المقترحة لتغطية قضايا الانتحار اللي أصبحت بتشغل العالم كله في الوقت الحالي، وفي نفس الوقت بيقدم معهد “بوينتير – Poynter” للدراسات الإعلامية دورات مجانية للصحفيين لمساعدتهم على فهم المؤثرات على الصحة العقلية وتقديم تقارير بشكل أفضل عن الانتحار.
كل اللي فات ده محاولات جيدة لتقديم إعلام أفضل يراعي الصحة العقلية والحالة العامة للمُتلقي، ومن الممكن تطبيقه في نطاق الصحف أو التليفزيون لكن في ظل وجود إعلام بديل متجسد في السوشيال ميديا يعتبر الكلام ده صعب جدًا، لأن كل شخص وأيًا كانت درجة مهنيته ممكن يبقى وسيلة لنقل الأخبار وتحليلها كمان.
وعشان كده هنحاول نقدم لكم شوية نصايح بسيطة لو هتكتب عن الانتحار خليهم في بالك:
- تجنب الوصف المفصل لحالة الانتحار، زي المكان والطريقة والتفاصيل التانية (الوصف التفصيلي للحالة ممكن يحفز شخص ضعيف من الناحية النفسية على تقليد الفكرة).
- تجنب البوستات العاطفية في حالات الانتحار (الإشادة وإظهار المحبة لشخص منتحر بعد وفاته ممكن تكون محرض لكتير من المراهقين اللي بيشعروا بقلة الاهتمام أو الحب من اللي حواليهم لتقليد فعل الانتحار طمعًا في الحصول على نفس التقدير حتى ولو بعد موته).
- تجنب نشر أخبار انتحار المشاهير (في حالة ضعف الشخص المُتلقي أو تعلقه بممثل أو مشهور معين، ممكن تناول خبر انتحاره وخصوصًا لو بعد حفلة كان عظيم فيها أو بعد فيلم هايل قام ببطولته، يكون دافع لتقليده والتخلص من الحياة).
- تجنب المبالغة في ترديد كلمة انتحار (المبالغة في ترديد كلمة خطيرة زي الانتحار، وتبريرها ممكن يخلي أي شخص ضعيف بسبب مشكلة أو مرض عقلي ما، يحس إن الانتحار أمر طبيعي ومقبول في ظل الظروف اللي بيعيشها).
- تجنب استخدام كلمات النجاح والفشل وربطها بالانتحار (الكلمات اللي بتوصف المنتحر بالشجاعة والنجاح، وفي المقابل بتعتبر إن عدم التخلص من الحياة هو “فشل” ممكن تكون محفز قوي جدًا لكتير من الأشخاص اللي مش حاسين بالنجاح والتحقق لمحاولة نيل النجاح عن طريق الانتحار).
أخيرًا، لو كنت من الأشخاص المحاطين بعدد كبير من المصابين بالاكتئاب أو مرددي كلمات واستغاثات الانتحار، حاول تساعدهم، تكون جنبهم وتوجههم لأقرب طبيب أو أخصائي نفسي/عقلي. لازم تكون واعي بضرورة اللجوء للطبيب في حالة التفكير في الانتحار أو محاولة تنفيذه، ومن هنا لحد ما يكون عندنا في مصر رقم متخصص لحالات الانتحار، هنحاول نسند بعض ونتجنب – على قد ما نقدر- كل التحريض غير المباشر اللي بنشوفه يوميًا.. دومتم بصحة وسلامة عقلية وجسدية.