.
نوّرها

تثبيط المناعة السلبية: الفكرة وراء علاج السرطان الجديد!

"العلاج المناعي" رحلة لعلاج السرطان استمرت ربع قرن وانتهت بالحصول على نوبل

كتبت: مها طـه

طبعًا غالبيتنا ممكن يكونوا سمعوا عن خبر منح العلماء “جيمس ب. أليسون” و “تاسوكو هونجو” جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء لعام 2018، تقديرًا لجهودهما في اكتشاف علاج السرطان الجديد عن طريق نظام تثبيط المناعة السلبية ووضع فكرة رائدة في علاج هذا المرض”.

خبر زي ده كفيل طبعًا إننا نهتم بيه جدًا، كفاية أوي وجود كلمات زي (جايزة نوبل، علاج السرطان، فكرة رائدة) لكن الحقيقة إحنا مش بس عايزين نهتم لأ عاوزين ناخد الطريق لأخره ونفهم إيه يعني اللي عمله العلماء دول واستحقوا عنه جايزة نوبل في الطب.

تاوكو هونجو وجميس أليسون

تثبيط المناعة السلبية.. نوبل 2018

السرطان هو واحد من أخطر أمراض العصر، مش بس لأنه بيتسبب في موت ملايين البشر كل سنة لكن كمان لأنه بيمثل واحد من أعظم التحديات الصحية اللي بتواجه البشرية كونه لحد اللحظة دي مالوش علاج حاسم ينفع سواء مع كل حالات المصابين بيه أو مع كل أنواع السرطان أو حتى  معىكل المراحل المختلفة للمرض.

خلونا نتخيل إن الجهاز المناعي في الجسم عامل زي وزارة الدفاع، هو اللي عنده الجنود اللي قادرة تحارب في حالة هجوم أي جسم غريب، أو تكافح أي خلل بيحصل في الجسم، الجنود دي اسمها الخلايا التائية (T cells). طبعا ده مش بيحصل عمَال على بطال لأ، النظام  هنا محسوب بالشعرة.

يعني الجهاز المناعي بيهاجم الخلل على مقدار حجم الإصابة، لأنه لو نشط بزيادة ده هيكون كفيل إنه يدمر خلايا الجسم نفسها، ويتسبب في الإصابة بأمراض المناعة واللي منها أمراض المناعة الذاتية، عشان كده الجهاز المناعي زي ما عنده خلايا للهجوم عنده كمان بروتينات لتثبيط (تعطيل) الخلايا دي وتجنب خطر نشاطها الزايد، يعني تقدر باختصار كده تقول إنها شبه بالفرامل.

اعرف أكتر| أمراض المناعة الذاتية: لما يعلن جهازك المناعي تمرده عليك!

تنظيم العمل بين الخلايا التائية (الجنود) و البروتينات اللي بتعطلها (الفرامل) بيتم عن طريق ما يُسمى بنقاط التفتيش، حاجة كده شبه الكماين الموجودة على الطرق، وعشان كده العلماء سموها فعلا بنقاط التفتيش المناعية “immune checkpoints”

وقت إصابة الجسم بقى بالسرطان ولأنه مرض خبيث زي ما بنقول عليه، السرطان بيخدع الجهاز المناعي ويخليه يفرز بروتنيات “الفرامل” دي بشكل زيادة عن الطبيعي، واخد بالك معايا؟ الفرامل اللي بتعطل الجنود، فطبعا لما ده بيحصل الجهاز المناعي ما بيخدش باله من الخلايا السرطانية اللي بتهاجم الجسم وتنتشر فيه، وطبعًا ده اللي بيصعب من اكتشاف السرطان وبيأخر من ظهور معظم الأعراض لحد ما يوصل لمرحلة متطورة.

Getty Images

تعطيل التعطيل: الفكرة وراء علاج السرطان الجديد!

أليسون وهونجو بقى قاموا بإنجاز في علاج السرطان عن طريق تحديد طريقة لتعطيل عمل الفرامل دي، وبالتالي تقدر الخلايا التائية (الجنود) إنها تتعرف على الخلايا السرطانية وتهاجمها، وبكده يقدر الجهاز المناعي للمريض نفسه بوظيفته. الاكتشافات دي أدت لظهور فئة جديدة من الأدوية، اسمها “مثبطات نقاط التفتيش”.. وزي ما قلنا التثبيط يعني التعطيل.

بظهور الفئة الجديدة دي من أدوية السرطان المعتمدة على تنشيط الجهاز المناعي، نقدر نقول إنه اكتمل الركن الرابع في طرق مكافحة السرطان، بعد الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي.

أليسون درس بروتين معروف بيمثل واحد من المثبطات المناعية أو “الفرامل” اللي قولنا عليها، وبدراسته قدر يوصل لإمكانية تعطيله (تعطيل الفرامل يعني) وبالتالي إطلاق الخلايا المناعية المهاجمة للسرطان، وانطلاقًا من اكتشافاته قدر يطور منهج جديد تمامًا لعلاج المرضى.

أما هونجو فاكتشف بروتين تاني موجود في الخلايا المناعية، وبعد التعرف الدقيق على وظايفه، اكتشف في النهاية إنه برضة بمثابة “فرامل” لكنه بيعمل بآلية مختلفة عن البروتين اللي درسه أليسون. العلاجات اللي اعتمدت على اكتشاف هونجو أثبتت فاعلية بشكل لافت للنظر في مكافحة السرطان.

وعلى الرغم من اختلاف الدوافع ما بين أليسون وهونجو، إلا إن هما الاتنين عانوا من وفاة أشخاص قريبين منهم كنتيجة للإصابة بالسرطان، والدة أليسون توفت نتيجة لإصابتها بسرطان الغدد الليمفاوية في فترة مراهقته، أما هونجو فبدأ أبحاثه بعد وفاة زميل له في كلية الطب كنتيجة لإصابته بسرطان المعدة.

اعرف أكتر| ليه القلب مش بيصاب بالسرطان؟

العلاج المناعي للسرطان: فكرة قديمة بآليات جديدة

مع بداية  القرن العشرين، بدأ ظهور مفهوم تفعيل نظام المناعة كطريقة لمكافحة الخلايا السرطانية، وبالفعل كانت في محاولات زي إصابة المرضى بالبكتيريا لتفعيل الجهاز المناعي، لكن المحاولات دي مكنتش ناجحة، ووقتها بدأ الاهتمام بدراسة المفهوم ده والعمل على تطويره.

وبالفعل ظهرت أبحاث كتيرة في المجال ده سواء للكشف عن طريقة تعرّف الجهاز المناعي على الخلايا السرطانية أو الكشف عن آليات عمل الجهاز المناعي نفسه، إلا إن خطوة تطوير طرق جديدة للعلاج فضلت خطوة صعبة ومتأخرة.

في التسعينات، بدأ أليسون عمله على البحث ده في أثناء عمله بجامعة كاليفورنيا ومركز “Memorial Sloan Kettering” لأبحاث السرطان في نيويورك. أثناء دراسته لبروتين (CTLA-4) واللي تم تعريفه كبروتين “مُعطل” للخلايا المناعية زي ما شرحنا، أليسون عرف إمكانية استخدامه في علاج السرطان، عن طريق عكس طريقة عمله، وبالفعل حقق نتايج مذهلة على الفئران.

سنة 1994، أجرى أليسون وزمايله في فريق البحث تجربة على الفئران اللي اتعالجت بالطريقة دي، ووجدوا إنها شُفيت تمامًا، وده اللي دفع أليسون للعمل على تطوير الفكرة عشان تكون مناسبة للبشر، وفي سنة 2011، وافقت هيئة الأغذية الأدوية (FDA) على الدواء.

الدواء الحاصل على موافقة الـFDA سنة 2011

في نفس الوقت تقريبًا، وفي اليابان، اكتشف هونجو بروتين مختلف (PD-1) واللي له نفس وظيفة بروتين (CTLA-4) لكن بآلية مختلفة، وكنتيجة لتطوير عمله، تم إنتاج الأدوية المثبطة لعمل البروتين، وتم الموافقة عليها سنة 2014.

العلاج المناعي: آمال وطموحات كبيرة

العلاجات الجديدة دي أثبتت إنها مفيدة في حالات المرضى المصابين تحديدا بسرطان الجلد في مراحله المتقدمة وسرطان المثانة والرئة، وده بيمثل أمل جديد في علاج الأورام وسوق أدوية حجمه مليار دولار.

أليسون أقر بإن الباحثين قدامهم عمل مستقبلي شاق للوصول لعلاجات جديدة لمزيد من المرضى، عن طريق استخدام العلاجات المناعية مع غيرها من العلاجات.

بيان نوبل أشار إلى إن العلاجات المضادة اللي اكتشفها هونجو أثبتت فاعلية أكتر من العلاجات اللي اكتشفها أليسون، لكن جمع الاتنين مع بعض حقق نتايج أنجح وأكثر فاعلية بكتير، زي ما هو واضح في حالات المرضى المصابين بسرطان الجلد.

وهنا وجب التنويه إن الجمع بين العلاجات المناعية ممكن يؤدي لآثار جانبية خطيرة يجب التعامل معاها بعناية شديدة وحرص، وده بيرجعنا لنفس اللي قاله أليسون عن مستقبل الابحاث دي والعمل عليها.

لسنين طويلة، ظهر اسم أليسون على قائمة المرشحين المحتملين لجائزة نوبل، وبالفعل فاز بعدد كبير من الجوائز التانية، لدرجة إنه حاطط عدد منهم على الأرض بسبب ازدحام مكتبه بالجوايز. جيمس أليسون (70 سنة) بيحتل منصب رئيس قسم المناعة في مركز إم دي أندرسون للسرطان.

أما دكتور تاسوكو هونجو (76 سنة) فهو أستاذ في معهد جامعة كيوتو للدراسات المتقدمة وأستاذ في قسم المناعة وطب الجينات بجامعة كيوتو، بالإضافة لإنه رئيس مجلس ادارة مؤسسة الأبحاث والابتكارات الطبية الحيوية.

جيمس أليسون و تاسوكو هونجو توجوا مسيرة أكتر من ربع قرن.. 25 سنة من السعي والاجتهاد والبحث، للتخفيف عن ملايين المرضى اللي بيعانوا من مرض السرطان في العالم، وخطوا بالبشرية خطوة جديدة ناحية التخلص من المرض واضافته لقائمة الأمراض اللي كانتا مميتة وبالعلم أصبحت قابلة للعلاج.

اعرف أكتر| علاج السرطان بتقنية النانو: يوضه سره في أصغر خلقه!


المصادر: ki.se sciencedaily thescientist  MD Anderson Cancer Center wikipedia wcp2018  mdanderson

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى